بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 29.03.2009
لم يلتفت إلى مؤتمر القمة العربي، ولم يعره انتباهاً، وكأن من يجتمع في "الدوحة" من حكام العرب يؤدون دوراً وظيفياً، وكأنهم من وجهة نظره غير جديرين باهتمامه، فهم مكلفون بما يقومون فيه، لا يقدمون لأنفسهم نفعاً، ولا يؤخرون ضرراً، ويكفي أن يغمز بعينه حتى يُحاصر أي رئيس منهم، وتتم تصفيته، أو يسجنه، أو يصير مطلوباً للعدالة، ويكفي أن يلوح بيده لتسقط بلاد، وتنهار حكومات، إن شاء ضرب شمال العرب دون خوف من غضب، وإن أحب قصف جنوب بلاد العرب، وهو يعرف أن أحداً منهم لن يتجرأ حتى على الصراخ، أو يسأل عن السبب! هو من يقرر متى يعلن أنه عاقب ذاك الرئيس، أو صفع هذا القائد، ليحرجه متى يشاء، ولأسباب هو يعرفها، إنه لا يمسك الجمر بيده إلا مضطراً، فلديه ملاقط يحرك فيها النار، وهو يتوجه إلى حيث القرار، إلى أوروبا، هنالك على أبواب انعقاد مؤتمر الدول العشرين، حيث يحرص داهية اليهود "شمعون بيرس" أن يوصل رسالة الدولة العبرية بجملتين: الأولى؛ الحكومة الإسرائيلية القادمة تلتزم بكل المعاهدات الموقعة مع الحكومات السابقة، بما في ذلك أي اتفاق حول تبادل الأسرى الفلسطينيين مع "شاليط"، والثانية؛ الحكومة الإسرائيلية القادمة ستواصل مفاوضات عملية السلام مع الفلسطينيين.
لقد بدأ "شمعون بيرس" خطوات تجميل الحكومة الإسرائيلية المتطرفة من اتجاهين: الأول؛ جمهورية مصر التي لو هزت سيف الكرامة العربية لاهتزت أساسيات الدولة العبرية، فأجرى اتصالاً مطولاً مع الرئيس حسني مبارك تركز على طمأنة مصر، وإطلاعها على بنود الاتفاق الائتلافي بين [أهود باراك، والليكود] وأن بنود الاتفاق تؤكد على الرغبة في مواصلة عملية السلام في المنطقة، هذا حسب ما ذكرته صحيفة "هآرتس" أي لا داعي لرؤية الحكومة الإسرائيلية القادمة من ثقب الاتفاقيات الموقعة بين [الليكود، وليبرمان] وبين [الليكود وحركة شاس] لتنكشف بجلاء الأسباب التي جعلت "شمعون بيرس" يمد يد العون إلى "نتان ياهو" من لحظ تكليفه بتشكيل الحكومة، وكما تقول الأوساط الإسرائيلية: فإنه قام بشكل سري بدور الوساطة بين حزب العمل وحزب الليكود، كي يتوصل إلى تركيبة الحكومة الراهنة، ولكي يقدر أن يستغل حضوره، وشخصيته المعروفة دولياً في تسويقها.
الثاني؛ الدول الأوروبية، وما لها من حضور، وتأثير على بلاد الشرق، إذ سيتوجه "بيرس" إلى يوم الاثنين إلى دولة "تشيكيا" التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي في زيارة خاطفة يعرض على رئيستها بنود الاتفاق الائتلافي ذاتها التي عرضها على الرئيس المصري، علماً أن كل ذلك سيتم قبل أن تنعقد الكنيست الإسرائيلية يوم الثلاثاء لتمنح الثقة للحكومة الأكثر تطرفاً، وعدوانية.
إضافة إلى تهدئة الشكوك في الغرب، وفي مصر العربية، تأتي تحركات "بيرس" لاستباق الموقف الأوروبي الذي يبدي تخوفاً زائداً من الحكومة الإسرائيلية القادمة، ولاسيما أن مسئولين كبار في الاتحاد الأوروبي سعوا للاستيضاح من مقربي "نتان ياهو" عن موقف الحكومة من فكرة دولتين لشعبين، الفكرة التي مازالت مرفوضة قطيعاً في الحكومة الإسرائيلية المتطرفة. وهذا ما يفرض على الفلسطينيين بكافة ألوانهم أن يتجاوزوا حزبيتهم، وتنظيماتهم، ومصالحهم لمرة واحدة، ويقفوا في مفترق الطرق مع قضيتهم العادلة.