بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 19.04.2009
لا أقصد بالحب تلك الحالة من الوجد التي تختطف الروح، ويتقافز معها الوجدان في مراعي الخيال، كلما مرَّ طيفُ الحبيب هامساً، عاتباً، فرحاً، طرباً، عبقاً، ثم لتختنق الأنفاسُ في الصدر مطبقةً على الحزن والهم، إذا احتبس النغم، ولا أقصد بالحب رعشة الفؤاد لحروف اسم الحبيب، حين يقطر الجبين عرقاً لإطلالته، وينفطر الفؤاد إذا لوّح بمنديله، ولا أقصد بالحب شدة الشوق لحبيب غائب، واللهفة إلى لقائه عندما يذوب شمع القلب على نار الهوى، ولا أقصد بالحب رفرفة القلب كيمامة وقعت في الشرك، فطفق جناحها يخفق كل الليل كقلب قيس المجنون بليلي حين قال:
كأنَّ القلبَ ليلة قيل يُغدى بليلى العـامرية، أو يُراحُ
قَطاةٌ، غرَّها شَركٌ فباتتْ تُجاذبهُ، وقد عَلِقَ الجَناحُ
ما ظل قلب المحب يرتجف لفراق الحبيب إلا لأنه يشتاق إليه، ويَحِنُّ، ويأمل، ويحلم، ويتوق، ويهفو، فالحب قطر الندى والحبيب عشبٌ أخضر، وهذا ما قصدته بالحب، وأهم شروطه التكافؤ، فلا يصح الحب بين رجلٍ كبير السن مع فتاة صغيرةٍ، والعكس، ولا يصير حبُّ مثقفةٍ ثقافةٍ عاليةٍ مع جاهلٍ، ولا يسري في الأعصابٍ حبُّ فاتنةِ الجمال مع ذميمٍ، ولا ممتشق القوام مع بليدةٍ، مكتنزة الشحمِ، ولا يصير حب حزينٍ مع سعيدةٍ، ولا يتلاءم حب غنيٍّ مع فقيرةٍ، ولا يدوم حب مريضةٍ مع فتوةٍ، ولا يعلق على صدر البيت حب امرأةٍ طموحةٍ مع قعيدٍ، وليس صحيحاً ما قيل: أن من يحب لا يفكر، ومن يفكر لا يحب. بل أن الحب تفكيرٌ واقتناعٌ قبل أن يكون استسلاماً للرغبة الجامحة، إن الحب تكافؤٌ، وتناظرٌ، ونديةٌ هي الأساس في الاشتعال، ومن ثم الانشغال. وقد سبقنا الشاعر جميل حبيب بثينة حين قال:
وأولُ ما قادَ المودةَ بيننـا بوادي بغيضٍ، يا "بثينُ" سبـابُ
أتيتُ لها قولاً فردَّتْ بمثله لكلِّ ســؤالٍ، يا "بثينُ"، جوابُ
لقد كانت "بثينة" نداً في تماسكها، وثقتها، وجرأتها، وإمكانياتها، وطاقتها في الرد على الشاعر "جميل"، ولو لم تكن نداً لما تنبه لها، ولما اشتعلت إشارة الحب باللون الأحمر إذا كانا من فصائل اليسار الفلسطيني، أو اللون الأصفر إذا كانا من فتح، أو اللون الأخضر إذا كان من حماس، أو اللون الأسود إذا كانا من الجهاد الإسلامي، إن الندية في القول والفعل موقدة الحب، وحاضنة التأجج، وإنها الندية ذاتها التي ترسم شكل العلاقة على مستوى الأفراد، وخطوات التفاهم بين الشعوب، وترسم حدود الدول، والندية هي التي تحدد العلاقة السياسية بين الحكومات، ولو حاول أي باحث التفتيش عن الندية في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، وقارن بين القوة العسكرية الإسرائيلية وما تمتلكه من القنابل النووية مع القوة الفلسطينية البدائية، أو حاول أن يقارن بين قوة الاقتصاد الإسرائيلي الذي بلغت ميزانية دفاعه فقط 16 مليار دولار، بينما يستجدي الفلسطينيون رواتبهم من الدول المانحة، ولو جرت المقارنة بين البناء الحزبي القائم على الديمقراطية في إسرائيل، وبين النظام السياسي الفلسطيني الذي اعتمد التفرد في القرار، والإقصاء في الحوار، لأدرك أن التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي لا تحرسه الندية منذ البداية، وقبل وصول "نتان ياهو" واليمين المتطرف إلى الحكم، لذا كان التفاوض، ومازال مضيعة للوقت، وتسلية، وتلاعب في المصير، وأمسى حباً من طرف واحد لن يثمر زواجاً، ولا طلاقاً، ولا هياماً، ولا أماني، ولا أحلام، ولا خيالاً يركب الغيم، وإنما طرفٌ إسرائيليٌّ يخادع طرفاً فلسطينياً عن قصدٍ، ومفاوضٌ فلسطينيٌّ يذوب تحت أقدام الإسرائيلي في لقاءٍ غير مُجدٍ، وحرصٌ إسرائيليٌّ على الثنائية، والتقززُ من كل الفلسطينيين بلا حدٍ.