شهدت الساعات الـ24 الماضية تصعيدا عسكريا إسرائيليا، لجأت فيه آلة الحرب إلى تدمير مباني تقع داخل “الخط الأصفر“، فيما أعلن عن التحاق طفل رضيع جديد بضحايا منخفضات الشتاء، التي خلقها الواقع الإنساني المرير بسبب تبعات العدوان الطويل على غزة.وقالت منظمة العفو الدولية إن كارثة منخفضات الشتاء في غزة “كان يمكن تفاديها بالكامل”، ودعت إلى تحرّكا عالميًا لـ”وقف الإبادة الجماعية” التي ترتكبها إسرائيل في القطاع.وأعلنت وزارة الصحة في غزة عن وصول شهيد جديد و13 إصابة إلى مشافي القطاع خلال الـ24 ساعة الماضية، لترتفع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 70,669 شهيدًا و171,165 إصابة منذ السابع من أكتوبر 2023.ومع اشتداد المنخفضات الجوية، حيث يتواصل منخفض جوي ماطر منذ الاثنين الماضي، توفي طفل رضيع من شدة البرد، وقالت وزارة الصحة، إن الطفل الرضيع سعيد أسعد عابدين، البالغ عمره شهراً واحداً، توفي نتيجة انخفاض شديد في درجة الحرارة، لافتة إلى أنه بذلك يرتفع عدد الوفيات التي وصلت المستشفيات نتيجة المنخفض الجوي والبرد الشديد إلى 13 حالة وفاة.وحسب عائلة الطفل التي تقيم في أحد خيام النازحين غرب مدينة خان يونس، فإن ظروف الحياة الصعبة حرمتها من القدرة على تدفئة طفلها، حيث تقطن في خيمة مهترئة تسربت إليها أمطار الشتاء، وتتدنى فيها درجات الحرارة كثيرا في ساعات الليل، فيما لا تتوفر الأغطية ووسائل التدفئة اللازمة، وذكر والد الطفل أن درجة حرارة جسد طفله انخفضت كثيرا، وتبدل لونه إلى الأزرق، من شدة البرد، ما اضطره إلى حمل الرضيع إلى المشفى في محاولة لإنقاذه، غير أن المحاولة فشلت، وتوقف هناك قلبه ولفظ أنفاسه الأخيرة.وقد أدى المنخفض الحالي كما السابق لإغراق وإتلاف آلاف خيام النازحين، الذين لم يجدوا بديلا عنها بعد هدم منازلهم خلال الحرب، وبات الكثير من النازحين بلا مأوى بعد تطاير خيام إقامتهم، فيما ينتظر الكثيرون انتهاء الموجة وتوقف الأمطار، لمعاودة إصلاح خيامهم المدمرة، في ظل انعدام البديل.وكان المكتب الإعلامي الحكومي وجهات إغاثية أخرى أكدت حاجة قطاع غزة إلى 300 ألف خيمة، لإيواء نحو 1.5 مليون نازح، فيما لم تسمح إسرائيل سوى بدخول عدد قليل من احتياجات السكان، ومؤخرا وبعد فشل الخيام في التصدي لأمطار الشتاء، ومعاناة السكان الكبيرة وارتفاع الوفيات بسبب شدة البرد، خرجت الكثير من المناشدات لتوفير غرف متنقلة “كرفانات” بديلا عن هذه الخيام المصنوعة من القماش أو البلاستيك.وأكد الناطق باسم حركة “حماس” حازم قاسم أن استمرار استشهاد الأطفال في غزة، بسبب البرد الشديد وتواجدهم في الخيام وعدم وجود الإيواء المناسب، “يشكل جريمة واضحة يرتكبها الاحتلال بمواصلة حصاره للقطاع ومنع الإعمار بعد حرب الإبادة الصهيونية ضد قطاع غزة”.وقال في تصريح صحافي “من المؤسف أن كل المناشدات لإدخال إيواء حقيقي متمثل بالبيوت المؤقتة وبدء الإعمار، لم تحرك العالم لإغاثة أطفال غزة، الذين كانوا يموتون بالقصف والنار، واليوم يموتون بسبب البرد”، داعيا إلى تحرك جاد وحقيقي من المجتمع الدولي لإغاثة غزة قبل تفاقم الكارثة ووقوع وفيات جماعية بسبب البرد وعدم وجود إيواء ولا مواد تدفئة، كما دعا الإدارة الأمريكية والرئيس دونالد ترامب، للضغط على الاحتلال للالتزام باستحقاقات وقف الحرب.وأكدت منظمة العفو الدولية “أمنستي“، في تقرير شامل لها تناول وضع سكان غزة في ظل المنخفضات الجوية، أن كارثة الفيضانات في القطاع “كان يمكن تفاديها بالكامل”، وقالت المنظمة الحقوقية، إن الدمار الذي خلّفته الأمطار الغزيرة في قطاع غزة المحتل، والذي أدى إلى فيضانات غمرت آلاف الخيام والملاجئ المؤقتة وإلى انهيار مبانٍ، تفاقَمَ بفعل القيود التي تواصل إسرائيل فرضها على دخول الإمدادات الحيوية اللازمة لإصلاح البنى التحتية الأساسية.وأشارت إلى أنه بعد أكثر من شهرين على وقف إطلاق النار، ورغم صدور عدة أوامر ملزمة عن محكمة العدل الدولية، وفتوى استشارية أصدرتها المحكمة في أكتوبر/ تشرين الأول 2025 بشأن التزامات إسرائيل بصفتها قوة احتلال، بضمان الوصول إلى الإمدادات الأساسية وتيسير عمل “الأونروا” وسائر وكالات الأمم المتحدة، إضافة إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي صدر مؤخرًا وأكّد مجدّدًا على تلك الفتوى، ودعا إسرائيل إلى الامتثال لالتزاماتها القانونية المتعلقة بالمساعدات الإنسانية في قطاع غزة، “لم تسمح إسرائيل إلا بدخول كميات ضئيلة للغاية من الإمدادات إلى سكان يفتقرون إلى كل مقوّمات الحياة تقريبًا، ويعيشون في حرمان شديد وسط دمارٍ شامل”، مؤكدة أن ذلك يشكّل “مؤشرًا إضافيًا على أن السلطات الإسرائيلية تواصل سياستها في تعمّد إخضاع الفلسطينيين لظروف معيشية يُراد بها تدميرهم المادي”، واعتبرت أن هذا يعد “فعل محظور” بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.وقالت إريكا غيفارا روساس، كبيرة مديري البحوث وأنشطة كسب التأييد والسياسات والحملات في منظمة العفو الدولية: “كانت المؤشرات واضحة، فما حصل لم يكن حادثًا عارضًا، بل مأساة كان يمكن تفاديها بالكامل”، وأضافت “أن المشاهد المروّعة التي رأيناها في قطاع غزة خلال الأيام الأخيرة، من خيامٍ غارقة بالمياه ومبانٍ منهارة، لا يمكن نسبها فقط إلى سوء الأحوال الجوية”، مشددة على أنها كانت “نتائج متوقعة للإبادة الجماعية التي تواصل إسرائيل ارتكابها، ولسياستها المتعمدة في منع دخول مواد الإيواء والإصلاح للنازحين”.وأوضحت المنظمة الحقوقية أن العواصف القاتلة التي ضربت المنطقة في الأيام الأخيرة، تسببت في مزيد من البؤس لسكانٍ مثقلين أصلًا بالصدمات، وفاقمت معاناة الفلسطينيين الذين لا يزالون يترنحون إثر عامين من القصف المتواصل والتهجير القسري، وقالت “من المؤسف جدًا إدراك أن هذه الكارثة، بحجمها وآثارها، كان بالإمكان تفاديها لو سمحت السلطات الإسرائيلية بدخول مواد الإيواء والمستلزمات الأساسية لإصلاح البنى التحتية الضرورية لاستمرار الحياة”، وطالبت إسرائيل بأن ترفع فورًا حصارها القاسي عن قطاع غزة، وأن تضمن وصول السلع الأساسية ومواد الإصلاح والإمدادات الإنسانية بدون عراقيل.وذكرت وفقًا لنشرة صادرة عن ائتلاف من المنظمات الإنسانية العاملة في قطاع غزة، أن إسرائيل منعت منذ وقف إطلاق النار دخول مساعدات وإمدادات حيوية تُقدّر قيمتها بنحو 50 مليون دولار أمريكي إلى قطاع غزة، كما رُفضت ما لا يقل عن 124 طلبًا تقدمت به منظمات غير حكومية لإدخال مساعدات إلى قطاع غزة.وميدانيا، تعرضت مناطق واسعة تقع شرق مدينة غزة لقصف مدفعي عنيف من قبل قوات الاحتلال المتوغلة في تلك المناطق، والواقعة خلف “الخط الأصفر”، وأصيب فتى برصاص قوات الاحتلال المتمركزة شرق حي التفاح.كما تعرضت المناطق الواقعة شرق مخيم البريج لقصف مماثل، وإطلاق نار من المروحيات الإسرائيلية، فيما شهدت بلدات مدينة خان يونس الشرقية هجمات أعنف، قامت خلالها قوات الاحتلال بإطلاق نار كثيف من رشاشات ثقيلة على تلك المناطق، التي تحرم سكانها من الوصول إليها، وتزج بهم في مناطق ضيقة غرب المدينة، تفتقر لكل مقومات الحياة، وأعلن مجمع ناصر الطبي، عن وصول مصابيْن إثنين إثر تعرضهما لإطلاق نار من قبل قوات الجيش الإسرائيلي المنتشرة في مناطق بلدة بني سهيلا شرق المدينة.أما في مدينة رفح أقصى جنوب القطاع، فقد شهدت قيام الطيران الحربي بشن سلسلة غارات جوية، استهدفت مناطق متفرقة لم تعرف طبيعتها، لوقوع المدينة بالكامل تحت احتلال الجيش الإسرائيلي، كما أطلقت الآليات الإسرائيلية نيرانها شمالي رفح، وسط استمرار عمليات النسف لمباني تقع في تلك المناطق.ورغم الانتقادات المتواصلة لإسرائيل لعدم التزامها ببنود اتفاق وقف إطلاق النار، إلا أنها تواصل هذه الهجمات، كما تواصل تشديد القيود على حركة البضائع والسلع التي تمر إلى السكان، خاصة في ظل الظروف الجوية السيئة، حيث لا تزال تمنع دخول الغرف المتنقلة “الكرفانات”، والخيام، والأغطية والملابس الشتوية.وكانت وكالات أممية ودولية حذرت من انهيار الاستجابة الإنسانية في فلسطين بسبب القيود الإسرائيلية، وحثت على اتخاذ إجراءات فورية وملموسة للضغط على السلطات الإسرائيلية من أجل رفع جميع العوائق، بما فيها إجراءات تسجيل المنظمات غير الحكومية الدولية الجديدة، التي لا تزال “تُقوّض العمليات الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة”.وحذر الفريق القُطري للعمل الإنساني في الأرض الفلسطينية المحتلّة في بيان أصدره، من أن هذه القيود تُهدد بانهيار الاستجابة الإنسانية، لا سيما في قطاع غزة، وذكر أن هذا النظام يعتمد على “معايير غامضة وتعسفية ومُسيّسة للغاية، ويفرض متطلبات لا تستطيع المنظمات الإنسانية تلبيتها، لافتا إلى أنه في ظل الإطار الحالي، تواجه عشرات المنظمات غير الحكومية الدولية خطر إلغاء تسجيلها بحلول 31 كانون الأول/ ديسمبر 2025، يليه إغلاق عملياتها قسرا في غضون 60 يوما، وحذر البيان من أن المضي قدما في هذه السياسة سيكون له “عواقب وخيمة” على مستقبل الأرض الفلسطينية المحتلة، فضلا عن تهديده لوقف إطلاق النار الهش وتعريض حياة الفلسطينيين لخطر محدق، لا سيما خلال فصل الشتاء.
*كتب اشرف الهور..**المصدر : القدس العربي






























