تعيش مدينة آسفي الواقعة على الساحل الأطلسي على وقع الحزن والذهول من حجم الكارثة الطبيعية التي حلت بها جراء فيضانات مفاجئة خلفت مصرع 37 شخصًا وفق آخر حصيلة محينة، بالإضافة إلى خسائر مادية وصفت بالجسيمة.المدينة الملقبة بـ”حاضرة المحيط” عاشت مساء الأحد أسوأ لحظاتها، حيث شهدت فيضانات غير متوقعة ناجمة عن تساقطات مطرية رعدية قوية وغير معتادة، هطلت بغزارة كبيرة خلال فترة زمنية قصيرة لم تتجاوز الساعة، ما أدى إلى سيول جارفة اجتاحت عددا من الأحياء والشوارع الرئيسية، وتسببت في خسائر بشرية ومادية جسيمة.وحسب رواية السلطات المحلية، فقد فاقت الأمطار الغزيرة القدرة الاستيعابية لشبكات تصريف المياه، خاصة في المناطق المنخفضة، ما أدى إلى غمر منازل ومحلات تجارية، وجرف سيارات، وتحويل بعض المحاور الطرقية إلى مجار مائية، وسط حالة من الذعر بين السكان.وفي الساعات القليلة التي تلت الفيضانات، تصاعد عدد الضحايا بشكل سريع، فقد كانت الحصيلة في البداية 7 قتلى، ثم ارتفعت قبل منتصف الليل إلى 21 شخصا، قبل أن تصل إلى 37، معظمهم نتيجة جرف السيول لأشخاص أو محاصرتهم داخل منازلهم أو سياراتهم.أما المصابون فقد نقلوا إلى المستشفيات لتلقي العلاجات الضرورية، حيث وصفت أغلب الإصابات بالخفيفة إلى المتوسطة. ولا تزال فرق الدفاع المدني تعمل بلا انقطاع، وتواصل عمليات البحث والتمشيط في المناطق المتضررة.وخلفت الكارثة أضرارا كبيرة شملت تضرر عشرات المنازل والمحلات التجارية بسبب تسرب المياه والأوحال، إضافة إلى إتلاف وجرف عدد من السيارات، وتضرر بعض الطرق وشبكات البنية التحتية، ما أدى إلى تعطيل حركة السير مؤقتا في عدد من المحاور الحيوية داخل المدينة.وذكرت مصادر أن السلطات والمصالح المختصة سارعت إلى تعبئة موارد بشرية ولوجستية مهمة من أجل شفط المياه، وإعادة فتح الطرق، وتأمين سلامة المواطنين.وعن أسباب هذه الفيضانات غير المتوقعة، أشارت المعطيات الأولية وآراء المختصين إلى أن ما وقع يدخل في إطار الفيضانات الفجائية الناتجة عن تساقطات مطرية شديدة في وقت وجيز، وهو نمط من الظواهر الجوية أصبح أكثر تكرارا في السنوات الأخيرة. كما أُشير إلى تأثير التقلبات المناخية الحادة، إضافة إلى عوامل مرتبطة بالطبيعة الجغرافية لبعض الأحياء والتوسع العمراني، والتي تزيد من حدة تأثير مثل هذه الكوارث.وأكدت السلطات المحلية أنها تتابع الوضع عن كثب، وتنسق مع مختلف المتدخلين لتقديم الدعم اللازم للمتضررين، مع الشروع في تقييم شامل للأضرار، واتخاذ إجراءات وقائية للحد من مخاطر تكرار مثل هذه الكوارث مستقبلا.وأعادت كارثة آسفي الطبيعية إلى الأذهان واقعة مماثلة شهدتها مدينة الدار البيضاء في عام 2021، حيث غرقت المدينة في فيضانات مفاجئة ناجمة عن أمطار غزيرة وموجات جوية قوية، خاصة في المناطق المنخفضة والأحياء المكتظة، ما أدى إلى تراكم المياه في الشوارع، وإعاقة حركة السير، وإلحاق أضرار بالممتلكات، وإجلاء بعض السكان، ما دفع السلطات إلى تعزيز شبكات الصرف واتخاذ تدابير طارئة للحد من تأثير الأمطار الغزيرة.وتعيش “حاضرة المحيط” اليوم الوضع نفسه، حيث تبدو المدينة العتيقة تقريبا تحت الماء، وتستيقظ مع الساعات الأولى لصباح الإثنين على وقع صدمة جماعية، بعد أن تحول المطر من غيث إلى كابوس هائل ألقى بظلاله على حياة السكان، وجعل الأزقة والشوارع أنهارا جارفة تغمر المدينة العتيقة ومختلف الأحياء المنخفضة.المشاهد القادمة من آسفي مؤلمة للغاية، إذ بدت آثار الفيضانات جلية، الأبواب مفتوحة على مصراعيها، والمحلات أفرغت محتوياتها، والسيارات غارقة، أما السكان فقد وقفوا في صمت أمام بيوتهم يحدقون بدهشة في آثار الماء المرسومة على الجدران، في مشهد يختزل حجم المأساة.الفيضانات شملت المدينة القديمة وأيضًا الأحياء المنخفضة المحيطة بمركز المدينة، وتحولت الشوارع إلى أنهار، وجرفت السيول بعض السيارات، فيما حاصرت أخرى في منتصف الطريق.المياه التي اندفعت من المرتفعات المحيطة بالمدينة حملت معها الأتربة والحجارة، ما زاد من سرعة وعنف السيول، وكان أقوى من أن تتحمله شبكات الصرف الصحي، لتجد طريقها نحو المنازل والمحلات التجارية، خاصة تلك الواقعة أسفل مستوى الطرق الرئيسية.عديد من التصريحات المحلية تؤكد أن ما حدث لم يكن في الحسبان، وأن المدينة وجدت نفسها فجأة أمام مشهد غير مألوف، بينما انتقد البعض هشاشة البنيات أمام الظواهر المناخية العنيفة. ووصف بعض المدونين الوضع بـ”الكارثي” و”المحنة”، فيما عبّر آخرون عن حزنهم بتعليقات مثل: “وأسفاه على أسفي”، وتساءل آخرون: “هل كانت الكارثة مجرد قضاء وقدر؟” في المقابل، وجّه بعض رواد مواقع التواصل انتقادات للحكومة، معتبرين أن ما وقع مثال على إخفاقاتها.

