أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
هافانا.. كوبا : وفاة المناضل وأب الثورة الكوبية الرفيق فيدل كاسترو!!
26.11.2016

أعلن التلفزيون الكوبي، مساء أمس الجمعة، وفاة أب الثورة الكوبية، فيدل كاسترو، في هافانا عن عمر 90 عاما.وقال شقيقه راوول كاسترو، الذي تولى السلطة خلفا له عام 2006، في التلفزيون الوطني: توفي القائد الأعلى للثورة الكوبية في الساعة 22:29 هذا المساء“.وقال الرئيس الكوبي راوول كاسترو في التلفزيون الرسمي، إن جثمان شقيقه فيدل سيجري حرقه وفقا لرغبة المتوفى.وأضاف راوول أن „الجثمان سيحرق السبت“ قبل أن يختم إعلانه مطلقا هتاف الثورة „هاستا لا فيكتوريا سيمبري“ (حتى النصر دائما).وكان قد انتزع كاسترو السلطة في ثورة 1959 وحكم كوبا 49 عاما بمزيج من الكاريزما والقبضة الحديدية فأقام دولة الحزب الواحد وأصبح شخصية رئيسية في الحرب الباردة.وتصدى كاسترو لغزو دعمته وكالة المخابرات المركزية الأميركية في خليج الخنازير عام 1961 كما نجا من عدد لا نهائي من محاولات الاغتيال.وساعد تحالف كاسترو مع موسكو في إثارة أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 وهي مواجهة مع الولايات المتحدة استمرت 13 يوما وجعلت العالم أقرب ما يكون لنشوب حرب نووية.واشتهر الزعيم الكوبي السابق بارتداء الزي العسكري وتدخين السيجار لسنوات طويلة من وجوده في السلطة كما اشتهر بخطاباته الطويلة المفعمة بالوعيد والخطابة النارية التي توجه سهامها في الغالب إلى الولايات المتحدة.وفي كوبا أطاح كاسترو بالرأسمالية، وحظى بالشعبية بعد أن جعل المدارس والمستشفيات في متناول الفقراء. لكن كان هناك الكثيرون من الأعداء والمنتقدين لكاسترو ومعظمهم من الكوبيين المنفيين في ميامي والفارين من حكمه إذ كانوا يرونه طاغية شرسا.وفي نهاية المطاف لم تكن محاولات واشنطن ولا الكوبيين المنفيين ولا انهيار الشيوعية السوفيتية هي من أنهى حكم كاسترو، بل المرض الذي أجبره على التنازل عن السلطة لشقيقه الأصغر راؤول كاسترو مؤقتا في 2006 ثم نهائيا في 2008.ورغم تمجيد راوول الدائم لشقيقه الأكبر فإنه غير شكل كوبا منذ تولي السلطة وأجرى إصلاحات اقتصادية على غرار نظام السوق واتفق مع الولايات المتحدة في كانون الأول/ ديسمبر على إعادة بناء العلاقات الدبلوماسية وإنهاء عقود العداوة.وبعد ذلك بستة أسابيع أبدى فيدل كاسترو تأييدا فاترا للاتفاق مما أثار تساؤلات بشأن موافقته على إنهاء العداوة مع الولايات المتحدة.وعاصر كاسترو زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لكوبا هذا العام. وكانت هذه أول زيارة يقوم بها رئيس أمريكي لكوبا منذ 1928.وفي سنواته الأخيرة لم يعد كاسترو يتولى أي منصب زعامة. وكان يكتب مقالات رأي في الصحف تتناول الشؤون الدولية.مات فيدل كاسترو في هافانا مثلما أراد على الأرجح. مات بعدما كاد يفعل كل ما يمكن لأي زعيم سياسي "غير عادي" أن يفعله. وحده يدرك إن كان راضياً عن ما انتهى إليه حال كوبا التي ارتبط اسمها باسمه. لكن الأكيد أن الرجل، بسنواته التسعين، كتب تاريخاً كاملاً، لا لبلده فحسب، بل حجز لنفسه فصلاً رئيسياً في تاريخ العالم المعاصر، على الأقل ذلك الخاص بستة عقود كاملة. كثيرون "يعبدونه"، وكثيرون يكرهونه كل الكره. لكن الأكيد أن الرجل ينتمي إلى صنف السياسيين التاريخيين من نوع عبد الناصر ولينين وكينيدي وعرفات ومانديلا وهو شي مينه... من رمز للشيوعية الثورية "النقية" إلى جوار تشي غيفارا، فالشيوعية "المؤسساتية" بعد رحيل غيفارا، فالحروب التي لا تنتهي داخل الحدود وخارجها لإرساء "نموذج" أراده خاصاً به، وتصفية بلده من كل معارضيه بشكل دموي، وتحدّي أكبر قوة في العالم على بعد عشرات الكيلومترت عن شواطئ ميامي، وتهديد العالم بحرب عالمية كانت حظوظها كبيرة (أزمة الصواريخ الكوبية)، فمشاكسة الاتحاد السوفييتي، وصنع جيل من السياسيين ينظرون إليه كمثال، قبل الانتقال إلى دفة الحكم عن بُعد، من خلال شقيقه راوول.ويضاف إلى ذلك، الانقلاب على عزلة صنعها بنفسه لبلده تحت شعار "تحدي الإمبريالية"، والصمود في واحد من أطول أشكال الحصار الاقتصادي في التاريخ الحديث، قبل أن يفتح، وشقيقه، الحدود، ويصالحان "الشيطان الإمبريالي"، ويستقبلان الرئيس الأميركي باراك أوباما ويفتتحان السفارة الأميركية في هافانا 2015. ثم يعودان لإجراء تدريبات عسكرية "استعداداً لحكم دونالد ترامب"، بحسب النبأ الذي أعلن من هافانا فور الكشف عن نتائح الانتخابات الأميركية الرئاسية، في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2016. لا يُمكن اختصار "الرفيق" فيدل بثورة كوبية ناجحة، أو بمعاصرته أرنستو تشي غيفارا، فقط. كان كاسترو أقلّ مثالية وأكثر واقعية من تشي. ترك الرومانسية الثورية لغيره، وانصرف إلى رسم خريطة سياسية مغايرة لكل ما سبق، ولكل ما أتى لاحقاً، في كوبا وفي البيئة الأميركية الوسطى. كان يحلو له ترداد "يكفيني فخراً أنني أقمت الاشتراكية على فم الولايات المتحدة". أقامها، على الرغم من الحصار الأميركي للجزيرة. لكنه فعلها، ونجح في تحويل بلاده إلى مثال صادح لمحو الأمية ومجانية الطبابة. كانت الطريقة الأنسب للثورة الوليدة في تكريس وجودها. مع ذلك، كان هناك أمر ما سينهي مسيرة طويلة: العلاقة مع غيفارا. كان غيفارا حالماً، أراد هافانا محطة من محطات أخرى، سعياً لـ"ثورة أممية". أما كاسترو فاكتفى بكوبا. كان أقرب، وهو الإسباني الأصل، إلى ترسيخ "قوميته" الكوبية، بفعل مراقبته مسار أزمة الصواريخ الكوبية، التي كاد يتلقاها من الاتحاد السوفييتي في العام 1961. راقب بعقله كيف "تفاهم" الروس والأميركيون على عدم إشعال حرب عالمية ثالثة بسبب جزيرة لا تزيد مساحتها عن الـ110 آلاف كيلومتر مربّع، ولا تُشكّل أكثر من 1 في المائة من مساحة الولايات المتحدة، و0.1 في المائة من مساحة الاتحاد السوفييتي. تصرّف كاسترو بواقعية. غادر غيفارا كوبا، في رحلة "مقاومة يسارية"، واستمرّ فيدل في هافانا، مانحاً الحرية لشقيقه راوول في السلطة. كان قريباً من الأضواء وبعيداً في الوقت عينه. يمكن أن يختفي لفترة طويلة، مكتفياً ببعض المقالات، الموقعة تحت اسم "تأملات فيدل"، كما يُمكن أن يتلو خطاباً لساعات طويلة، مكتوباً أو مرتجلاً، لكنه كشف في النهاية وصوله إلى استنتاج ربما متأخر قليلاً، وهو أن "الخُطَب يجب أن تكون قصيرة". كان كاسترو ذكياً كفاية ليُصيغ "إعلان هافانا" بحسب أهواء ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، التي استقلّ فيها عدد هائل من الدول الآسيوية والأفريقية. كان منشغلاً بمتابعة مآل الثورة الإيرانية، والاجتياح السوفييتي لأفغانستان عام 1979. كان منتبهاً لـ"البينغ بونغ" الأميركية ـ الصينية عام 1971، ولتراجع الأميركيين في حرب فييتنام."لا أستطيع أن أفعل ذلك، فيدل"، تلك كانت كلمات "المرأة القاتلة"، التي وظّفتها الاستخبارات الأميركية لاغتيال كاسترو. لا تذكر السجلات أسباب تردد المرأة، التي كانت تستهدف اغتياله بحبوب مسممة داخل البوظة. لم تكن المحاولة الأولى من نوعها. في الواقع تعرّض الرجل لحوالي 360 محاولة اغتيال طيلة تاريخه المديد... أو هكذا يقال على الأقل، لم تنجح أي منها. فشل بعضها بفعل الصدفة، وبعضها الآخر بفعل فطنته.دفعته "واقعيته"، إلى التخلّي عن دينه المسيحي، قبل أن ينهي العداء مع الفاتيكان بعد انهيار حركة "لاهوت التحرير"، فأفسح المجال لعودة العمل الكنسي إلى كوبا واستقبل البابا يوحنا بولس الثاني في كوبا، في يناير/كانون الثاني 1998، ثم البابا الحالي فرنسيس وحصل التطبيع الكامل للعلاقة مع الكنيسة.لم يكن فيدل كاسترو مجرّد رئيس لدولة ما، بل كان فعلاً رئيساً غير عادي لدولة عادية. ترك أثره لدى العديد من يساريي العالم. على رأسهم اللاعب الأرجنتيني، دييغو مارادونا. كان يبدو قوياً للغاية، ولم تكن أخبار مرضه لتثير المخاوف، بل كانت أخباراً "عادية"... فكثيرون كانوا يظنون أن فكرة موت "الكوماندانتي" تبقى مجرد فرضية.!!


1