حاصبيا (لبنان) - فوق التلال المشرفة على نهر الحاصباني شرق جنوب لبنان يمضي المزارع سعد خيرالدين الساعات الطوال، حيث يعاين في بستانه أشجار الفستق الحلبي وثمارها التي بدأت تكتسب اللون البنفسجي في إشارة إلى اقتراب موعد نضجها.
وقال المزارع الستيني خيرالدين من داخل بستانه لوكالة أنباء شينخوا إن “أشجار الفستق الحلبي قديمة العهد في هذه المنطقة وتعود إلى أكثر من مئة عام”.
وأضاف “ورثت هذا البستان عن والدي وأحرص على رعاية أشجاره المعطاءة والاعتناء بها، فهي تؤمن لنا دخلا مقبولا في ظل تردي الوضع المعيشي، بعدما تجاوز ثمن الكيلوغرام الواحد من الفستق 100 ألف ليرة لبنانية (ما يعادل 5 دولارات أميركية)”.
وبيّن أن شجرة الفستق الحلبي من الأشجار التي تقاوم الجفاف رغم أنها تحتاج إلى مصادر مياه جيدة في سنواتها الأولى، وتعيش لأكثر من 300 سنة، كما أنها تبدأ الإنتاج بعد ست سنوات من زراعتها وتبلغ ذروة إنتاجها حين تصل إلى سن العاشرة.
وقال “زراعة الفستق الحلبي بدأت بالانتعاش والتوسع منذ عدة سنوات في الأرياف اللبنانية، مستفيدة من مساعدات جمعيات زراعية محلية ودولية، إضافة إلى سهولة تصريف إنتاجها محليا بعدما تجاوز الطلب العرض بفارق كبير”.
وأشار إلى أن “الفستق الحلبي من أكثر المكسرات طلبا في كافة الأسواق اللبنانية، ويُستعمل في صناعة المثلجات -خاصة البوظة والحلويات- وتزين به أطباق المأكولات الشرقية، كما يقدم كضيافة فاخرة في المطاعم والمنازل”.
يذكر أن مساحة الأراضي المزروعة بالأشجار الجوزية -والتي تشمل الصنوبر والجوز والكستنا والبندق والفستق الحلبي- تبلغ نحو 4 آلاف هكتار وحجم دخل الفستق حوالي 5 ملايين دولار أميركي سنويا.
وأعرب المزارع سالم حداد -خلال معاينته حبات الفستق الوردية في بستانه عند الطرف الشرقي لبلدة راشيا الفخار بشرق جنوب لبنان- عن ثقة المزارعين في أن إنتاج شجرة الفستق سيكون وفيرا، ما دفعهم إلى زراعتها بكثافة خلال الأعوام القليلة الماضية.
وأضاف “ما يميز هذه الزراعة سهولة العناية بها، ومردودها، والطلب المتزايد على ثمارها التي لم تفسد يوما، على عكس زيت الزيتون المشهور في هذه المنطقة، حيث يفشل المزارعون في تسويق كامل إنتاجهم سنويا”.
بدوره قال مسؤول المكتب الزراعي في مرجعيون بجنوب لبنان إسماعيل أمين إن “المزارعين في جنوب لبنان استفادوا في زراعتهم لأشجار الفستق من تشجيع الجهات المعنية في وزارة الزراعة التي وزعت على المزارعين كميات من النصوب (الشتلات) مجانا”.
من جهته أوضح نديم حمدان نائب رئيس “الجمعية التعاونية للزراعات البعلية وتربية الشتول والنحل” في حاصبيا بجنوب لبنان أن الجمعية نظمت بالتعاون مع مهندسين زراعيين عدة ندوات إرشادية حول كيفية زراعة شجرة الفستق والعناية بها والجدوى الاقتصادية منها.
وأوضحت المهندسة الزراعية ندى عواضة أن التربة في لبنان ملائمة لشجرة الفستق التي تتوزع بين أشجار مذكرة وأخرى مؤنثة، وتزرع بجانب بعضها البعض في الحقل الواحد حتى تتم عملية التلقيح بسهولة وكثافة.
وقالت إن أشجار الفستق تعد من الأشجار المعمرة، ويتراوح ارتفاعها بين 3 و5 أمتار، وتعيش هذه الأشجار في جو معتدل وتتحمل درجات حرارة تتراوح بين 15 و45 درجة مئوية، وهي بحاجة إلى كمية أمطار بمعدل 400 مليمتر، ويمكن أن تزرع في المناطق التي يتراوح ارتفاعها عن سطح البحر بين 600 و1000 متر.
شجرة الفستق تنتج خلال الموسم ما بين 70 و80 كيلوغراما وينخفض إنتاجها في العام التالي
وذكرت أن إنتاج الفستق يختلف من عام إلى آخر، فالشجرة الواحدة تنتج خلال الموسم ما بين 70 و80 كيلوغراما في حين ينخفض إنتاجها في العام التالي إلى أقل من النصف تقريبا. وأشارت المهندسة ندى إلى إمكانية تطعيم شجرة البطم البرية بالفستق، وهذه العملية ناجحة جدا ويقوم بها الكثير من المزارعين في جنوب لبنان.
وقالت خبيرة التغذية سلمى أبوشقرا إن ثمار الفستق غنية بالألياف الغذائية والحديد والبوتاسيوم والكالسيوم والفوسفور والبروتين والدهون، وتحتوي على فيتامينات عدة، كما أن الفستق يقي من السكتة القلبية ويخفض نسبة الكولسترول في الدم ويحارب الأكسدة ويحد من السرطانات وخصوصا سرطان الأمعاء.
ويمكن تناول الفستق الحلبي نيئا أومحمصا أو مملحا، ويستعمل في صناعة الكثير من الحلويات والأطباق الشرقية.
وأشارت آخر إحصائية لوزارة الزراعة عام 2016 إلى أن إنتاج الفستق الحلبي في لبنان لا يتعدى 800 طن سنويا، في حين يستورد لبنان حسب بيانات الجمارك اللبنانية نحو 3 آلاف طن من الفستق معظمها من سوريا وإيران وتركيا.
وتحتل الزراعة في لبنان المرتبة الثالثة بين القطاعات الاقتصادية في البلاد بقرابة 7 في المئة من الناتج الوطني كما تؤمن دخلا لحوالي 15 في المئة من السكان.
الفستق الحلبي شجرة مباركة على المزارعين في جنوب لبنان!!
26.08.2021