كتب علي سمودي- لن تغادر الحاجة وداد يونس منزلها في بلدة عارة، لتشارك نساء العالم إحياء يوم المرأة العالمي، حيث اختارت أن تكرس هذا اليوم لحبيب قلبها ورفيق دربها، نجلها الذي يعتبر ثاني أقدم أسير في العالم، ماهر عبد اللطيف يونس، فمنذ 38 عاماً وهي تستقبل كل المناسبات وسط مشاعر تمتزج فيها الآلام والأحزان بالأمل والفخر والاعتزاز.
وفي كل الأحوال، فإن والدة الأسير يونس تُعدّ نموذجاً للمرأة الفلسطينية الصامدة في مواجهة محطات العذاب التي تلقي بظلالها على كل لحظات حياتها، وتقول: "لم تعد الشعارات الرنانة والخطابات المنمقة تجدي بينما نعيش في دوامة المعاناة نفسها، فالاحتلال لا يعتقل ماهر وحده، فأنا أسيرة معه منذ زجه خلف القضبان".
وتضيف: "في كل عام يتكرر المشهد، الجميع يتحدث عن المرأة وحقوقها وإنصافها ورفع الظلم عنها، ولكن على أرض الواقع الأم الفلسطينية تموت وتتعذب ويمارس الاحتلال بحقها كل أشكال القمع والعقاب والحرمان، فهل يجدي شجب أو استنكار ؟".
وتكمل: "أين منظمات حقوق الانسان من الظلم المستمر بحقي ومعي المئات من الأمهات الصابرات ممن يتجرعن كل يوم أقسى صور العذاب، والاحتلال يغتصب زهرة شباب أزواجهن أو أبنائهن".
*في يوم المرأة..
لا تهتم أم ماهر كثيراً بزنازمة التاريخ إلا لإحصاء كل يوم يمضي في رحلة اعتقال ماهر، وتقول: "مناسبة تلو الأُخرى، وعام يمضي ونستقبل آخر، والوجع مستمر والجرح لا يزال ينزف، وبعد كل هذا الصبر يأتي يوم المرأة ولا تزال المرأة تدفع ثمن قهر الاحتلال وظلمه، فمتى يأتي الخلاص ونعيش حياتنا ككل الامهات بالعالم؟".
وتضيف: "يوم المرأة العالمي محطة أُخرى في مسلسل رحلة العذاب والألم الذي لا يحتمله بشر، فمن يحتمل مثلي وجع الحرمان من إبني على مدار 38 عاماً كاملة".
وتكمل: "أقرانه ومن هم في عمره وأصغر منه تزوجوا وأصبح لديهم أحفاد، بينما السجون تصادر حياة ماهر وتغتصب زهرة شبابه، فهل تشعر نساء العالم بوجعي؟، وهل يمكن لأحد الشعور بما أعيشه من ظلم وعذاب؟".
*أريده حراً ..
تختلف تفاصيل حياة الوالدة الثمانينية أم ماهر عن النساء اللواتي يحتفلن بيوم المرأة العالمي، وتقول: "إعتقال ماهر وحرماني منه، صبغ كل مناسباتنا بالحزن، فلم أعد أشعر بطعم الأعياد، وكلما تأتي مناسبة، تشتد نوبات الوجع، لان الاحتلال حكم علينا بالمعاناة".
وتضيف: "كوالدة أسير، عايشت طوال حياتي العذاب والمرارة. تألمت وحزنت حتى إجتاحت الامراض جسدي منذ إعتقال ابني، وفي يوم المرأة، وفي كل يوم، افتقد ماهر القابع خلف القضبان، وأتمنى أن تكون حريته قريبة، ويأتي عيد الام القادم وهو حر وبأحضاني".
*من الذاكرة ..
وعند الحديث عن الثامن من آذار وأهم ذكريات، ارتسمت الابتسامة على محيا أم ماهر، وقالت: "رغم الحرقة والمرارة، أشعر بفرحة وسعادة كلما تذكرت اليوم الذي أبصر فيه ماهر النور عندما أنجبته في 6/ 1/ 1956، وبالرغم من أنه الرابع في عائلتنا المكونة من 7 أنفار، فرحنا واحتفلنا واستبشرنا بولادته خيراً".
وتضيف: "وجه الخير ماهر، صورته وسيرته وذكرياته وحدها من يصبرني كلما إشتدت أوجاعي، وفي يوم المرأة ، أراه أمامي عندما كان طالباً مجتهداً ومثابراً في مدارس عارة، كان صاحب طموح وقلب كبير وحنون ومخلص ومحب لوطنه وشعبه".
وتكمل: "تربى وترعرع بعائلة مناضلة، فوالده كان من المناضلين الاوائل في الداخل، وتعرض للإعتقال وامضى 6 سنوات في السجون، فتأثر ماهر وتعلم فنون ودروس الحب والانتماء للوطن، ولم يتردد في تأدية الواجب من أجل حرية شعبه ووطنه".
وتتابع: "كامرأة ووالدة، أفخر دوماً بفلذة كبدي الذي حمل راية فلسطين وقاوم المحتل الذي إنتزعه من بيننا في 18-1-1983، حيث دهموا منزلنا ولم يسمحوا لنا بوداعه. نكلوا به أمامنا، وحتى اللحظة لا تفارقني تلك الصور التي آمل أن اعيش حتى أراها تتغير، ويكسر ماهر القيد ويعود منتصراً".
*بين السجون..
قضت الحاجة وداد سنوات عمرها بين السجون، تتسلح بالصبر والأمل، إضافةً إلى غضبها وحزنها عندما كان يُسثتنى من الصفقات والإفراجات التي سببت لها الأمراض من الضغط والمفاصل ودقات القلب السريعة، لكن اللحظة الأكثر معاناة التي تتذكرها في يوم المرأة هي فاجعة رحيل رفيق دربها، وتقول: "احتمل قلبي ما لا تحتمله جبال وأُمم، صبرت ووالده والنكسات تتالى، وسنوات عمره تتلاشى خلف القضبان وهو الاستثناء في كل صفقة وعملية تبادل".
وتضيف: "قلب الأُم لا يحتمل غياب إبنها دقيقة، فهل تفهم نساء العالم القسوة والظلم والقهر الذي يلازمني بحرمان من ابني لم يتوقف طوال ثلاثة عقود".
وتكمل: "مهما كانت الخطابات والبيانات والمهرجانات غاضبة وساخطة، فانها لن تعبر عن لحظة من نبض وجعي عندما رحل رفيق دربي، والد ماهر، قبل 14 عاماً، حيث لم يسمح الاحتلال لماهر بوداعه ورؤية والده للمرة الاخيرة. حتى آخر نفس لم يتردد الأب عن ذكر اسمه، وكانت وصيته الأخيرة عدم ترك ماهر خلف تلك القضبان، فمن يحقق تلك الوصية؟".
*الأُمنية الوحيدة..
تختلف أُمنيات الحاجة وداد في يوم المرأة عن باقي نساء العالم، وتقول: "بعدما مضى قطار العمر محملاً بكل صور المعاناة والنكسات، حلمي الوحيد أن لا أُغادر هذه الدنيا التي ظلمتني كثيراً قبل أن أرى ماهر حراً طليقاً".وتضيف: "أبنائي وبناتي وأحفادي وكل الدنيا لا تعوضني لحظة عن طلعته البهية وقبلته الحنونة، ونتمنى من العالم الحر مساندتنا لنحرر أحلامنا ونكسر القيد ونعانق أبنائنا ونفرح، فمن منا أحق بالعدالة والفرح؟".
*رسالة من القلب..
صابرة وصامدة تستقبل الوالدة أم ماهر الثامن من آذار، تعبر عن اعتزازها بدورها الذي هو امتداد لنضال وتضحيات المرأة، وتقول: "إذا كانت هناك عدالة في العالم، يجب أن تخصص هذه المناسبة للتضامن ودعم وتكريم المرأة الفلسطينية التي لها باع ودور وتاريخ طويل من النضال والبطولة والتضحية والعطاء".وتضيف: "المرأة هي الشهيدة والجريحة والأسيرة، كما هي رمز للعطاء التي قدمت للوطن ابنها وزوجها وبناتها شهداء وجرحى ومناضلين وأسرى".وتكمل: "بالرغم من كل ممارسات الاحتلال وتأثيرها على حياة المرأة الفلسطينية، لكنها لم تتوقف عن تأدية دورها وواجبها، وقدمت نماذج رائعة في الصبر والانتماء والعطاء، خاصة أُمهات وزوجات الأسرى المحكومين أحكاماً عالية، وعلى رغم ذلك، للأسف لا تحظى المرأة في المجتمع والعالم بالمكانة التي تستحق".وتتابع: "يأتي الثامن من آذار، والمرأة الفلسطينية معذبة وأسيرة ومقهورة، لكن بإرادتها وتضحياتها تسلحت بالصمود والمعنويات العالية التي جعلتها تنتصر على هذا القهر ولتكون الأقوى، فمن المعاناة نصنع الطاقات ونقهر ما حولنا بنجاحنا وصمودنا الذي سيجعلنا ننتصر على الاحتلال وسجونه".
*المصدر : القدس دوت كوم
والدة الأسير ماهر يونس: هل تشعر نساء العالم بوجعي على حرماني من ابني منذ 38 عاماً؟!
09.03.2021