يواجه العمال الفلسطينيون في الأراضي المحتلة معاناة يومية مع الإجراءات المتشددة والحواجز، في رحلة يزيد من شقائها مزاج الأمنيين الإسرائيليين وعدم وجود الضمانات القانونية التي تكفل التأمينات الصحية والتعويضات المادية في حالات حوادث الشغل، التي تكثر خاصة في قطاع البناء والإنشاءات.رام الله ـ بعد أقل من شهر، يكون قد مضى عام على وفاة علاء عوض (32 عاما) من مدينة جنين في مدينة العفولة بأراضي عام 48 أثناء عمله في ورشة للبناء.لم تستطع عائلة علاء الذي سقط من أحد المباني، حتى اليوم، من تحصيل حقوقه المادية لتنكر أصحاب العمل، بذريعة انتهاء تصريح عمله قبل أيام على وفاته.عمل علاء لمدة 10 سنوات في مجال البناء ضمن تصاريح عمل كان يصدرها المشغلون لأوقات محددة خلال العام. وتستغل إسرائيل العمال الفلسطينيين من خلال تصاريح العمل التي تصدرها مقرونة بالشروط مثل الفئة العمرية، الزواج، الموانع الأمنية.كما تصعّب إسرائيل حالات دخول وخروج العمال عبر حواجزها العسكرية ونقاط العبور من وإلى أراضي 48، وتفرض نوعين من التصاريح للدخول عبر هذه الحواجز، وعددها 11 حاجزا، موزعة في محافظات الضفة الغربية المختلفة، حيث تسمح بدخول عدد من العمال في الساعة الرابعة فجرا، وتؤخر دخول حوالي 20 ألف عامل حتى السابعة صباحا، ما يفقدهم القدرة على الالتحاق بمواقع العمل.يقول عبدالحق رواجبة، العامل في قطاع البناء في مدينة حيفا، لوكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، “أعمل في هذا المجال منذ 19 عاما، وأضطر إلى الخروج من بيتي قرابة الساعة الثانية فجرا، وهناك على حاجز الجلمة أقف مع عدد كبير جدا من العمال المحتجزين على الحاجز بفعل إجراءات التفتيش المهينة، وكل يوم أحد أقضي قرابة الأربع ساعات على الحاجز، وكلما زادت أعداد العمال الواصلين إلى الحاجز تصبح المعاناة أكبر وأكبر، خصوصا في أوقات المطر والبرد الشديد”.
*طابور يومي
ويضيف “بسبب كل هذه الإجراءات المهينة والمذلة على الحواجز، أضطر مع عدد من العمال إلى المبيت في داخل ورشة البناء لمدة أسبوع كامل، وأحيانا نضطر إلى المبيت في بيوت مهجورة أو في الحدائق العامة، ما يعرضنا لملاحقة الشرطة”.ويقول الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين شاهر سعد “تمنح إسرائيل نوعين من التصاريح، أحدهما يدخل حامله عبر المعابر في وقت مبكر جدا من الفجر، والآخر يؤخر حامليه حتى الساعة السابعة من صباح يوم العمل، ما يعني تأخر حامله على ورشة البناء التي يعمل بها وهو ما يعرضه لفقدان عمله فيها، أو احتساب يوم عمل غير كامل”.ويضيف “تمنح إسرائيل أيضا أنواعا من التصاريح بمسميات قد تتعارض مع نوع العمل الذي يقوم به العامل، وهو ما يسبب له مشاكل مع التأمين الصحي المقدم له من صاحب العمل، وقد شهدنا الكثير من الحالات التي تنكر التأمين الصحي لها بعد تعرضها لإصابات عمل بسبب المسمى المرافق للتصريح، فمثلا قد يحمل عامل تصريحا زراعيا وهو يعمل في قطاع الإنشاءات وهو ما يسمح لإدارة التأمينات بالتنصل من واجبها في حال تعرض العامل لإصابة أو فقده لحياته مثلا”.وأكد سعد وجود 3 حواجز إسرائيلية في محافظة الخليل، و4 في منطقة رام الله والقدس، وواحد في بيت لحم، إضافة إلى 3 حواجز في كل من قلقيلية وجنين يمر منها قرابة 28 ألف عامل صباح كل يوم أحد من كل أسبوع، ويقضي العامل منهم ساعات طويلة من الانتظار تتمثل في الخروج من منزله قرابة الثانية فجرا، وقد تصل مدة انتظاره على المعبر حتى السابعة والنصف صباحا في ظروف صعبة، حيث الاكتظاظ الشديد وتحمل ظروف البرد القارس أو الحر الشديد، إضافة إلى تحمل مزاجية جنود الاحتلال على المعابر.وبلغت إصابات العمال خلال ساعات عملهم عام 2022 بين 2880 و3000 إصابة عمل، غالبيتها حدثت في ورش البناء والإنشاءات، وهو القطاع الذي يعمل فيه قرابة 70 في المئة من العمال الفلسطينيين، ومعظمها لم يتم احتسابها وتعويض أصحابها عما لحق بهم من أضرار.ومنذ العام 2021 شددت إسرائيل إجراءاتها العسكرية المفروضة على الحواجز في ما يتعلق بدخول العمال وخروجهم، وشهدت الحواجز حالات اعتداء على العمال الداخلين منها إلى أماكن عملهم.وشهدت بعض الفتحات التي يمر منها العمال في مناطق نزلة عيسى القريبة من مدينة قلقيلية، وضع عبوات متفجرة شبيهة بالألغام لمنع دخول العمال من هذه الفتحات، ومد أسلاك من الكهرباء على طول جدار الفصل في محيط بلدة حبلة، وذلك بحسب ما أورده الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين.
ويضطر بعض العمال الذين لا يحصلون على تصاريح إلى سلوك طرق التفافية وعرة وخطرة، لتجنب الحواجز ونقاط التفتيش، وهو ما يعرضهم لملاحقة جنود الاحتلال الذين يفتحون النار عليهم، كما حدث أكثر من مرة في منطقة الظاهرية جنوب الخليل، حيث رصدت كاميرات مراقبة لقطات تم تداولها، تظهر جنود الاحتلال وهم يلاحقون مجموعة من العمال الفلسطينيين ويطلقون عليهم الرصاص الحي لمنعهم من الدخول إلى أراضي 48.يقول العامل محمود خليل (22 عاما) من رام الله، إنه يضطر إلى الدخول إلى أراضي 48 للعمل من فتحة الجدار في قرية نعلين، وهي الفتحة المعروفة لسكان رام الله والبيرة ومناطق جنوب نابلس، حيث يدخل منها غالبية العمال الذين لا يحملون تصاريح عمل، ويؤكد أن أصوات الرصاص والقنابل لا تتوقف في ساعات الفجر، وهو الوقت المعروف لدخول العمال من فتحات جدار الفصل العنصري.ويضيف خليل “لدي عائلة وأعمل بأجر لا يمكن أن أحصل عليه في الضفة الغربية، لذا أضطر إلى الدخول بهذه الطريقة الخطرة والمجازفة بحياتي لتأمين لقمة عيش عائلتي، وفي العام الماضي أطلق جنود الاحتلال الرصاص المطاطي علي وأصبت في قدمي، لكني اضطررت إلى التوجه إلى الفتحة والدخول مرة أخرى في اليوم التالي”.وتابع “أقضي قرابة الشهر ونصف الشهر في العمل ولا أستطيع العودة إلى منزلي طوال هذه الفترة لأنني لا أحمل تصريحا، وأحتاج إلى العمل يوميا، خصوصا وأن العمل في إسرائيل هو على نظام المياومة، بمعنى إذا عملت اليوم أحصل على أجرة، وإن لم أعمل فلا أجد قوت يومي، ولا يوجد مكان للمبيت، لذا أنام وأمثالي من العمال في الحدائق العامة، وهو ما يشكل خطورة علينا”، وأضاف “علاوة على ملاحقة الشرطة لنا باعتبارنا أشخاصا مخالفين لا نحمل تصاريح للدخول، كما قد يعرضنا النوم في الحدائق وورش العمل لخطر السرقات وملاحقة المجرمين”.
تقرير وصور : العمال الفلسطينيون على حواجز "المهانة" الإسرائيلية..!!
08.05.2023