جنين - علي سمودي..تهديدات الاحتلال بالعودة لاستهداف مخيم جنين، وتنفيذ عدوان جديد، لم تثني المواطنة أم أسامة الشلبي، عن العودة لمنزلها الذي تحول جزء منه لأنقاض جراء قصف الطائرات وتفجيرات الجنود التي هدمت الغرفة المخصصة لأطفالها، فتلك "التهديدات والجرائم وممارسات الاحتلال"، كما قالت "لن تؤثر على معنوياتنا وإرادتنا، وسنبقى في المخيم ونعيد اعمار منازلنا دون خوف، سنبقى هنا حتى تتحقق أحلامنا ونعود، ومهما كانت المخاوف لن نخاف، سنتابع مشوار حياتنا ونعيش ما يكتبه الله لنا من عمر".لكن المأساة الكبرى بالنسبة لها "الصدمة المروعة التي يعيشها أطفالها، والتي أثرت على نفسياتهم وحياتهم التي تحولت لكوابيس بعدما نجو من الموت بأعجوبة"، كما عبرت.لم تصدق الأربعينية أم أسامة، المناظر الرهيبة والصور التي شاهدتها، بعد انسحاب قوات الاحتلال من المخيم، عندما عادت لمنزلها الذي غير القصف والاستهداف الإسرائيلي معالمه، وألحق الضرر بثلاثة شقق أخرى في نفس العمارة التي تعيش فيها وتعود لأشقاء زوجها، فقد تطايرت الجدران وانهارت، وتحطمت النوافذ وتراكم الزجاج في كل ركن وزاوية، وبصعوبة بالغة، عثرت على ما تبقى من ملابس وحقائب أطفالها التي دفنت تحت الأنقاض.بين نوبات البكاء والصدمة، بصعوبة بالغة، روت المواطنة أم أسامة، لـ"القدس" دوت كوم، تفاصيل ما تعرضت له عائلتها، وباقي أسرة زوجها أثناء العدوان الإسرائيلي، وتقول: "لشدة الانفجارات وتوالي القصف وتساقط الصواريخ حولنا، والتي كانت تثير خوفنا والقلق خاصة لدى الأطفال، تجمعنا في صالون منزلنا الواقع في الطابق الثالث".
وتضيف: "اجتمعنا 25 فرد، أطفال ونساء ورجال وبينهم أشقاء زوجي الذين يعاني ثلاثة منهم من إعاقات، لكن سيطرت علينا مشاعر الرعب، بسبب الانفجارات التي تهز المنزل وتثير رعب الأطفال".للوصول لمنزل الشلبي، فجر الجنود فتحة في جدار المنزل المجاور، أدت لتدمير البوابة الرئيسية، وتقول أم أسامة: "لم نعلم أنهم فجروا الجدار المحاذي إلا بعد عودتنا، فمن شدة خوف الجنود بسبب الكمائن وتعرضهم لإطلاق النار والعبوات، استخدموا أسلوب تفجير الجدران للتنقل من منزل لآخر، وهكذا وصلوا لمنزلنا بسرعة".وتضيف: "طرقوا الباب الداخلي بطريقة مخيفة، وما كدنا نفتحها حتى اقتحموا برفقتهم الكلاب البوليسية، التي زادت الأوضاع صعوبة، فقد شعر أطفالنا بالرعب، وأصبحوا يصرخون من هول المشهد، عشرات الجنود الملثمين والمسلحين وكلابهم تحاصرنا".وتكمل: "صادروا هويات الرجال ودققوها، ثم قسمونا، ووضعوا كل عيلة في غرفة، ونحن نحاول تخفيف قلق ورعب الأطفال، وبعد نصف ساعة، غادروا المنزل، طلب منا الجنود إغلاق الباب وخرجوا وقالوا لنا أنتم بأمان لا تتحركوا".تلك العبارة، كما تروي أم أسامة، جعلتهم يشعرون بالاطمئنان خاصة بعد انسحاب الجنود، لكنها كما تقول: "شعرت بخوف وقلق داخلي، عندما سمعت ورصدت تحركات مثيرة ومخيفة للجنود حول المنزل، فقد كانوا يتكلمون بالعبرية، وحدسي الداخلي، منحني شعور أنهم يجهزون لكارثة كبيرة، وبين تفكيري بعبارة الجنود انتم بأمان، وقلقي على أسرتي، قررنا مغادرة المنزل والعبور عبر الدرج للطابق السفلي".وتضيف: "غادرنا المنزل، وبعد لحظات، وأثناء نزولنا الدرج، دوى صوت انفجار قوي جداً، شعرنا أن بيتنا انهار، فطار زوجي وارتطم رأسه بالجدران، وبدأ اطفالي بالصراخ والبكاء، فركضنا بذهول ورعب نحو الشارع دون التفكير بالقناصة والاحتلال، أردنا النجاة من الموت والدفن تحت الأنقاض".تنهمر دموع أم أسامة، وتقول: "من شدة الخوف والرعب، لم ننظر خلفنا، وفكرت وزوجي بإنقاذ أطفالنا، وخرجنا من المنزل حفاة، ولم أتنبه لذلك إلا بعد هربنا، شاهدنا الدفاع المدني في المنطقة، وطلبنا منهم إنقاذنا من هذه الكارثة والكمين، فالجنود قالوا لنا أنتم بأمان، ثم دمروا منزلنا دون سبب، لم يكن لدينا مطلوبين أو مقاومين أو سلاح".وتضيف: "صرخت وأنا أطلب النجدة، نحن عائلة مسالمة، لدينا أطفال ومعاقين، في البداية لم يتمكن الدفاع المدني من مساعدتنا، لأن الاحتلال منعه من دخول المنطقة والوصول إلينا، ومما زاد نكستنا، قيام الطائرات بقصف منزلنا الجيران وهدموه".بعد القصف الثاني، لم تتردد أم أسامة بخوض غمار المخاطرة، وصممت على مغادرة المنطقة والمنزل، وتقول: "شعرنا أننا سنموت إذا تأخرنا أكثر في ظل تكرار التفجيرات التي كان ينفذها الجنود خلف منزلنا على مسافة قريبة، فخاطرنا وخرجنا، وساعدنا أهل المخيم وفرق الدفاع المدني التي رافقتنا لإنقاذنا ونقلنا لمكان أمن، خلال ذلك شاهدنا جنود الاحتلال الذين طلبوا منا العودة للمنطقة، لكن رفضنا وواصلنا السير للنجاة بأنفسنا".
لم تأبه عائلة الشلبي، رغم تحليق الطائرات الإسرائيلية المسيرة على ارتفاع منخفض فوق المخيم، والمخاوف من فرق القناصة التي احتلت المنازل المجاورة، وركضت بين الأزقة، وتقول أم أسامة: "خرجنا حفاة بملابسنا فقط، ومن الصدمة لم ألاحظ أن أطفالي حفاة حتى صرخت طفلتي بعدما أصيبت بالجروح، بسبب شظايا الزجاج المنتشرة في الشوارع، ولم نتوقف".من أصعب اللحظات في حياة أم أسامة، صرخات طفلتها البالغة من العمر 6 سنوات، فقد دخلت مرحلة الصدمة التي ما زالت تعيش آثارها حتى اليوم، وتقول: "وجعي كبير ومستمر، في ظل شعور ابنتي برعب وتوتر، فما زالت تصرخ، ما بدي أموت، خلينا نطلع من هون، بدي أعيش بأمان، وما بدي أرجع، وإذا بدك ارجعي لحالك، فما ذنب أطفالنا ليعيشوا هذا الرعب".
وتضيف: "ليس أمامنا خيار سوى العودة لمنازلنا، فما ذنب أطفالنا ليدفعوا ثمن ظلم وجرائم الاحتلال، للأسف لا يوجد من يشعر فينا".لم ينتهي المشهد، وازدادت الأوضاع صعوبة، بعدما عادت أسرة الشلبي لتتفقد منزلها المدمر، وتقول أم أسامة: "الانفجار والعدوان، دمر غرفة معيشة أطفالي، وجدنا الأسرة وملابسهم وألعابهم وحقائبهم مدفونة تحت الأنقاض، حمدت رب العالمين لخروجنا قبل الانفجار الذي لم يكن له مبرر".وتضيف: "حزني الأكبر، تفرق شمل أسرتي، وعدم قدرتي على تحقيق ما يريده أطفالي الذين طلبوا مني إحضار حقائبهم وألعابهم، فماذا سأقول لهم، لأنه لم يبقى منها شيء؟".
وتكمل: "كل يوم يطلب أطفالي أغراضهم، فأين حقوق الإنسان والأطفال؟، وما ذنبنا لنفقد كل حياتنا وذكرياتنا وألعاب الطفولة البريئة؟".
*المصدر : "القدس" دوت كوم
شهادات حية من مخيم جنين..!
09.07.2023