
أثبتت قوات الاحتلال الإسرائيلي مجددا أن مراكز المساعدات التي فرضتها على سكان قطاع غزة بعد تشديد الحصار، صُممت لتكون «مصائد إعدام» للسكان المُجوَّعين، إذ ارتكبت مجزرة جديدة في مدينة رفح، راح ضحيتها عشرات الشهداء والمصابين، في الوقت الذي واصلت فيه أيضًا هجماتها الدامية على مناطق كثيرة في القطاع.وارتكبت قوات الاحتلال وارتكبت مجزرة راح ضحيتها 27 شهيدًا، بينهم نساء، وأكثر من 90 مصابًا من السكان المُجوَّعين، حين استهدفتهم على غرار ما فعلت قبل أيام، خلال توجههم لاستلام المساعدات التي تُوزَّع بالآلية الإسرائيلية الجديدة من قبل شركة أمريكية.وأعلنت وزارة الصحة في وقت سابق عن وصول 40 شهيدًا و208 مصابين إلى مشافيها خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، وقالت إن عدد الضحايا ارتفع إلى 54,510 شهداء و124,901 مصاب منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.وجرى الاستهداف في منطقة تخضع لسيطرة أمنية وعسكرية إسرائيلية كاملة في «دوار العلم» غرب مدينة رفح، حين كان آلاف السكان يتجهون كالعادة، رغم المخاطر، إلى أحد مراكز التوزيع التي أقامها جيش الاحتلال للحصول على حصة غذائية صغيرة الحجم.وتشبه هذه المجزرة تلك التي ارتكبتها قوات الاحتلال قبل ثلاثة أيام، حيث جمعت المدنيين عمدًا في منطقة مفتوحة، ثم فتحت الآليات العسكرية والجنود النار عليهم. وأفاد مواطنون بأن طائرات مروحية هجومية شاركت في إطلاق النار، وأن المدنيين سقطوا أرضًا بأعداد كبيرة نتيجة إطلاق الأعيرة النارية المكثف صوبهم.وأكد أحد شهود العيان لـ»القدس العربي»، بعد وصوله إلى منطقة مواصي خان يونس، أنهم واجهوا صعوبات كبيرة في انتشال جثامين الشهداء والمصابين بسبب شدة الاستهداف واستمرار إطلاق النار.وذكر أن معظم الإصابات كانت في الأجزاء العلوية من أجساد الضحايا، ما يدل على نوايا القتل، مشيرًا إلى أن المصابين نُقلوا بصعوبة بالغة.وأكد الشاهد، وهو رجل في العقد الخامس من عمره، أنه قصد موقع التوزيع مبكرًا على أمل الحصول على الطرد الغذائي، رغم إدراكه لحجم الخطر، غير أن الجوع والحاجة دفعاه لذلك. وقال: «بعرف إن الذهاب للمركز ممكن يكلفني حياتي، بس في حل تاني؟ الأولاد ما عندهم أكل».وأكدت طواقم الإسعاف التي وصلت إلى أقرب نقطة تفصل مدينة خان يونس عن رفح أنها لم تحصل على إذن بالدخول إلى المنطقة، رغم طلب ذلك عبر مؤسسات دولية حاولت التنسيق مع سلطات الاحتلال، ما تسبب في ارتفاع عدد الضحايا، حيث ظل مصابون ينزفون طويلًا حتى فارقوا الحياة.وامتلأت أقسام العلاج والطوارئ في مشفى ناصر في مدينة خان يونس بالضحايا، وكما في مرات سابقة، اضطرت الطواقم الطبية إلى وضع عدد كبير من المصابين على الأرض لعدم توفر الأسرة، فيما نُقلوا لاحقًا إلى غرف العمليات التي تعاني من نقص حاد في المستلزمات الجراحية.
الأطفال استقبلوا جثمان والدتهم
ووضعت جثامين الضحايا إلى جانب بعضها البعض وقد لُفّت بالأكفان البيضاء، حتى وصول ذويهم للتعرف عليهم قبل نقلهم إلى المقبرة ومواراتهم الثرى بعد أداء صلاة الجنازة. ومن بين المشاهد المؤلمة خلال التشييع، كان أطفال سيدة استشهدت في المجزرة يبكون بحرقة، وقد قبّلوا يدي والدتهم، فيما صرخت طفلتها قائلة: «مع السلامة يما». وكانت هذه السيدة قد اضطرت للتوجه إلى مركز المساعدات للحصول على طعام لأطفالها، الذين تُركوا يواجهون الحياة بمفردهم.
ولاقت المجزرة تنديدًا واسعًا، إذ قال المكتب الإعلامي الحكومي إن الاحتلال يُحوّل مراكز توزيع المساعدات إلى «مصائد موت جماعي وأفخاخ دموية»، مشيرًا إلى أن عدد الضحايا المُجوَّعين بلغ 102 شهيد و490 مصابًا خلال ثمانية أيام.
ناجون تحدثوا عن مجزرة مدبرة… ومشاهد صادمة
وقالت حركة «حماس» إن المجزرة تمثل «جريمة إبادة جماعية متعمّدة تضاف إلى سجل الاحتلال الأسود»، مؤكدة أن إسرائيل تستخدم آلية التوزيع كـ»مصائد موت» لتجويع الشعب الفلسطيني وقتله وتهجيره قسرًا، وأضافت: «الآلية المهينة للكرامة الإنسانية تحوّل الطرد الغذائي إلى مجازفة دموية قد تكلّف الإنسان حياته».
وكان المفوض العام لـ»الأونروا»، فيليب لازاريني، قد قال إن توزيع المساعدات بات «مصيدة للموت»، وطالب إسرائيل برفع الحصار والسماح بدخول المساعدات وتوزيعها بأمان ودون عوائق تحت إشراف الأمم المتحدة.
تحذيرات من شلل صحي
تواصلت هجمات جيش الاحتلال على مناطق متعددة في مدينة خان يونس، التي شملت تهديدات بإخلاء أحياء جديدة، من بينها الحي الذي يقع فيه مشفى ناصر. وذكرت مصادر طبية أن اثنين من المواطنين استشهدا وأُصيب آخرون جراء قصف إسرائيلي استهدف شقة سكنية في منطقة المشروع غربي المدينة، فيما استشهد ثلاثة من عائلة غنّام، هم طفل ورجل وامرأة مسنّة، جراء استهداف خيمة نازحين في منطقة المواصي، واستشهد مواطن آخر في غارة على شارع القدرة، وثلاثة آخرون في قصف محيط الجامعة الإسلامية شرق المدينة.
وحذرت وزارة الصحة في غزة من تهديدات الإخلاء الجديدة، التي شملت منطقة مشفى ناصر، مؤكدة أن الاحتلال يتعمد تقويض المنظومة الصحية. وقالت إن الإخلاءات الأخيرة تشكل «تهديدًا مباشرًا لإخراج مجمع ناصر الطبي عن الخدمة»، مشيرة إلى أنه المستشفى الوحيد في جنوب القطاع الذي يقدم خدمات تخصصية مهددة بالتوقف.
واضطرت العديد من العائلات القاطنة في محيط المشفى للنزوح القسري إلى منطقة المواصي المكتظة بالسكان، بعد أوامر الإخلاء الجديدة وتهديد الاحتلال باستهداف المنطقة «بقوة شديدة».وفي وسط القطاع، استُشهد ثلاثة مواطنين وأُصيب أكثر من 20 آخرين في قصف خيمة نازحين بمنطقة المخيم السويسري جنوب مدينة دير البلح. كما استشهدت طفلة في قصف آخر على المدينة، واستُشهد عدد من المواطنين في قصف منزل لعائلة حماد في شارع العشرين جنوب شرق مخيم النصيرات.
مجازر المنازل وخيام النزوح
وفي مدينة غزة، ارتكبت قوات الاحتلال مجزرة جديدة باستهداف منزل لعائلة النديم في شارع الصناعة، ما أدى إلى تدميره بالكامل واستشهاد خمسة من سكانه، وإصابة آخرين. وتمكنت طواقم الإنقاذ بصعوبة من انتشال عدد من الأطفال، بينهم رضيع، من تحت الركام. وفي مجزرة أخرى، استُشهد ثمانية مواطنين وأُصيب آخرون بجراح خطيرة، جراء قصف خيمة لنازحين في منطقة الرمال. كما استُشهد مواطنان في قصف استهدف حي التفاح.واستمر القصف المدفعي للمناطق الواقعة شرق حيي الشجاعية والتفاح، حيث يتوغل الاحتلال على الأطراف، إضافة إلى الأطراف الجنوبية والشرقية لحي الزيتون.
شمال القطاع
في شمال القطاع، واصلت قوات الاحتلال تهديداتها بإخلاء كامل للمنطقة، حيث استهدفت غارة جوية منزلًا لعائلة البرش في جباليا البلد، ما أدى إلى استشهاد 14 مواطنًا، بينهم نساء من عائلتي البرش وحمدية، وبينهم أشقاء. كما استُشهد مواطنان وأُصيب آخرون في قصف استهدف شارع النزهة في البلدة ذاتها.
وشهدت مناطق أخرى شمال القطاع عمليات استهداف عنيفة، ونسفت قوات الاحتلال عدة منازل غرب بلدة بيت لاهيا، كما قصفت بالمدفعية مناطق متفرقة في بيت لاهيا وبلدة بيت حانون.
