أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
نعم ... قلمي مأجور ضد "المشروع الإسلاميّ"!!
بقلم : سعيد نفاع ... 31.07.2013

في مقال كتبته في حزيران 2012 بعد انتخاب د. محمد مرسي رئيسا لمصر وتحت عنوان "مبروك لمصر انتخاباتها... أمّا بعد"، عطفته على آخر كنت كتبته إبّان الثورة تحت عنوان "مصر... والمخفي وراء الموقف الأمريكي"، كتبت ما ينفع كذلك هذه الأيام:
إن القضيّة ليست تغيير مواقف وإنما تغيير متاريس، بمعنى أن الغرب وجد نفسه على مدى سنوات في المتراس المتقدّم في مواجهة الشعوب العربيّة وإن كانت أدواته أو صنائعه حكاما لولاه لما تحكّموا برقاب العباد يسومونها صنوف العذاب، فرأت فيه الشعوب العدوّ الأول.
كان على الغرب أن يستدرك ويتدارك سريعا بالتنازل عن زلمه و"إعطاء" الشعوب أن تنتخب حكاما هي تصنعهم ليحلوا محلّه في المتراس المتقدّم المواجه، لن يكفلوا مثلما يتوخى لا اللقمة ولا الحريّة لشعوبهم فيكونوا هم عوضا عنه في المتراس الأول ومحطّ النقمة، وخصوصا وأنه ما زال صاحب الأدوات لا بل أكثر من ذلك سيجد السبل لوضع العراقيل أمامهم من وراء الكواليس، ويكفي عينيّا أن نذكر أن سلاح مصر وقمح مصر من الدول الغربيّة.
ورغم هذا يظلّ الانجاز الأهم للثورة هو تلك الحريّة التي مارسها الشعب المصريّ في انتقاء حكامه منذ عقود وبغض النظر إن أعجبنا خياره أم لم يعجبنا، لكن هذا لا ينتقص من هذا الانجاز ما دام أن هذا خياره الحرّ ومهما شاب الانتخابات من شوائب جعلت قرابة ال%50 من أصحاب حقّ الاقتراع يعتكفون في بيوتهم.
لو خيّرت أي شعب في العالم بين حكّام يحكمونه "ليس تداولا" ويوفرون له لقمته وحريّة كلمته وطموحاته القوميّة، وحكام يحكمونه "تداولا انتخابيّا حرّا" ولا يوفرون له لقمته وحريّة كلمته وطموحاته القوميّة، لاختار الأُوَل. لذا فبعد الانتخابات المصريّة وفوز د. محمد مرسي الإسلاميّ ديموقراطيّا، وبغض النظر أنه حاز عمليّا فقط على %25 من أصحاب حقّ الاقتراع في مصر وهذه إحدى علّات هذه الديموقراطيّة، أمامه تحديّات كثيرة ولكن أهمها ثلاثة: الحريّة واللقمة والطموح الوطني والقوميّ، والترتيب ليس حسب الأهميّة.
من نافل القول أن نذكر أن أهم معاني الديموقراطيّة هو حماية حريّة الأقليّة ولذا فإن الرئيس المنتخب وكونه ينتمي إلى تيّار بعينه هو التيّار الإسلاميّ، فامتحانه الأول هو ضمان الحريّة للأقليّات عرقيا ومذهبيا وسياسيّا واجتماعيا، فأي محاولة منه فرض فكره وما يترتب عنه على الأقليّات سيكون سقوطا مدوّيا أمام هذا التحدّي، وهذا التحدّي هو ملكه المطلق لا يستطيع أن يدّعي لاحقا أن معوّقات موضوعيّة أعاقته.
أمّا التحدّي الآخر فهو لقمة عيش ملايين المصريّين وحسب اجتهادي أن اللقمة هي التي أشعلت الثورة، فهل سيستطيع الرئيس الجديد وحركته توفيرها ؟
أنا أشك في ذلك فاللاعبون هنا هم كُثر وفي أياديهم الأدوات وعلى رأسهم الغرب وحلفاؤه من مصريّين وعرب، ولذا فامتحانه هو بقلب المعادلات بشكل التعامل مع الغرب، فإذا نفّذ الأجندة الإسلاميّة المعلنة من على كل منبر، في التصدّي للغرب عدو لقمة الشعوب العربيّة وناهب ثرواتها، والتي كانت للإسلاميّين حتّى المعتدلين نبراسا على مدى سنوات نظّروا لها بخلق تعامل الند للنّد وليس الراكب والمركوب كما هو اليوم، فيكون قد بدأ بالقدم اليمين وفي الاتجاه الصحيح، أمّا إذا اتخذ من البراغماتيّة نبراسا وطبقا لما يرشح عن تسوية تاريخيّة بين الإسلاميين والغرب فهي ربّما تغنيه هو لفترة ولكنها للمدى البعيد القصير لن توفر اللقمة الوطنيّة للشعب المصريّ، وأخشى أن هذا ما نحن بصدده.
التحدّي الثالث والأهم أمام الرئيس المصري المنتخب هو قضيّة القضايا القضيّة الفلسطينيّة، فأمام الأمة العربيّة كانت وما زالت وستبقى هذه القضيّة الوسطى من العقد، والنضال للانعتاق على أهميته، لا يمكن أن يزحزح القضيّة الفلسطينيّة عن عرش قضيّة الأمة الأساس، رغم دخول أفغانستان مثلا على الخط لدى الإسلاميّين على كلّ تياراتهم.
هذه القضيّة لا شك شهدت تراجعا كبيرا وعلى الأقل في العقدين الأخيرين بفعل الحكام أولا، وشهدنا كلّ التيارات المناهضة للحكام "الجمهوريّين" وحتى ل"الملكيّين المنفتحين بعض الشيء"، وبالذات الإسلاميّة بتكفيرييها ومعتدليها تنظرّ إلى أن "الإسلام هو الحل"، الحل لقضايا الأمة برمتها وللقضيّة الأم القضيّة الفلسطينيّة.
الشعب المصريّ بغالبيّته لم يتنازل يوما عن تطلعاته القوميّة العروبيّة رغم ما قيل عنه في فترة أنور السادات بعيد حرب 1973 وخليفته حسني مبارك، القضيّة القوميّة العربيّة الأساس لديه كانت وستبقى القضيّة الفلسطينيّة، فهل سيأتينا رئيسه المنتخب بالحلّ؟!
لا ضير إن عرّجنا في هذا السياق على ما قالته بعض صحافة إسرائيل فتقول:
"السؤال المقلق الآن هو كيف سيتصرّف مرسي بين العسكر الطامحين إلى الحفاظ على سياسات الأمن والخارجيّة وبين حركته الطامحة ليد مطلقة في تصريف شؤون الدولة، الأقاويل عن توافق بين الطرفين هي جزء فقط من الحقيقة". وتضيف:
"مرسي، الذي مواقفه حول سياسة إسرائيل في المناطق (المصطلح الإسرائيلي للضفة الغربيّة وغزّة) ليست سرّا، يتّبع الآن خطّا معتدلا حسبه أن مصر ملتصقة (ترجمة حرفيّة) باتفاقات كامب ديفيد والعلاقات بين مصر وإسرائيل ستكون على قاعدة المساواة والتبادليّة. هو يسمي إسرائيل باسمها وليس بالكيان الصهيوني ويتكلم عن أعادة حقوق الفلسطينيّين، دون أن يذكر اسم القدس كعاصمة فلسطين أو يحدد أن حق العودة هو أبديّ".
وفيما يخًص إيران تضيف صحافة إسرائيل:
"أنه لم يكد يصرّح لوكالة فارس أن تقويم العلاقات مع إيران حيويّ لبناء توازن استراتيجي جديد، حتّى خرج عن طوره لينفي هذه الأقوال، فمصر التي استلمت حتى الآن من السعوديّة قرابة ال3 مليارات دولار قروض وودائع وتستلم مساعدة سنويّة من الولايات المتحدة لا تستطيع أن تحتضن إيران".
لا يمكن للقضية القوميّة الأولى والإسلاميّة في نظر مرسي وحركته، القضيّة الفلسطينيّة أن تُحلّ في ظلّ المعادلة الغربيّة العربيّة القائمة والتي رسّخها الخليجيّون في عهد عبد الناصر وضدا لعهد عبد الناصر، وزادت ترسخّا في فترة من جاء بعد عهد عبد الناصر وتوطّدت بعد ظهور "العدو الإيراني السوريّ"، تصريحات مرسي بعد فوزه وكما جاء أعلاه، لا تبشّر خيرا في هذا الباب خصوصا وأنّ شبيهه في تركيّا وبعد أن حسبه البعض سيحرر فلسطين من الاحتلال راح يحرر سوريّة من الأسد إذ لم يبق أمامه من عائق في طريقه إلى القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين إلا الأسد!
ومع هذا سننتظر د. محمد مرسي وعلى الأقل لأنه الخيار الانتخابيّ للشعب المصريّ... ومبروك لمصر انتخاباتها.
هذا ما كان، امّا ما تكوّن: أن د. مرسي سقط في التحديّات الثلاثة، ففي قضيّة الحريّات رأى العالم كلّه "الحريّة الإخوانيّة"، وفي قضيّة اللقمة الكريمة رأى العالم كله مليونيّات 30 حزيران، وفي القضية الوطنيّة ارتمى بأحضان أنجس مؤسسة عربيّة وبمن فيها اسمها "دولة قطر"، وفي القضيّة القوميّة العروبيّة الأولى الفلسطينيّة دمّر 80% من شرايين حياة الغزيّين، الأنفاق.
ف-"الأمّا بعد" التي جاءت في المقال الآنف أنزلت الملايين من أبناء الشعب المصري أيام ال30 من حزيران إلى ال3 من تموز لاسترداد ثورته المخطوفة.
حاشية:
هذه أول مرّة يتناول قلمي القضيّة المصريّة ليس لجفاف فيه وإنما لانشغالي في محاكمتي والتي تدور فيما تدور على لقاء مُدّعى مع سيّد الإخوان المسلمين الفلسطينيين السيّد خالد مشعل، ورغم ذلك وما حدا بي أن أكتب هو أني صنّفت مؤخرا على صفحة "فيسبوكيّة" كصاحب قلم مأجور من ال-48 داعم للفلول والعسكر ضد المشروع الإسلاميّ، وها أنا اعترف بالتهمة وعلى الملأ: "نعم... قلمي مأجور ضدّ (مشروعكم الإسلاميّ)"، فهل ستفتحون صدري لتأكلوا قلبي أو تقطعون رأسي بساطور مجاهد طفل أو تغتصبون أحبائي لندرة المناكِحات جهادا!؟

1