ان كنت تبحث عن الحقيقه في العالم العربي فلا تتبَّع الاخبار ولا مصادرها العربيه لانها بكل بساطه مصادر ملوثه ومشوشه وموجهه لغايات في نفس اكثر من يعقوب وان كنت تبحث عن حقائق تغيير ملموسه فرضتها الثورات العربيه فانت تبحث عن ابره في جبل من القش وان كنت بالفعل تريد وتشدو التغيير والديموقراطيه في المجتمعات العربيه فاسهل عليك ان تدخل الفيل في خرم ابره من ان تجري هذا التغيير وان كنت تريد ان تكون صادقا وتريد تصديق اخبار الانظمه و المعارضات العربيه فعليك ان تعتمد نظرية اكذب فاكذب حتى يصدقك الناس وتصدق اكاذيب انجازات الثوره العربيه وان كنت تريد فقط حقيقتك التي تريدها وتنكر الواقع فانت داخل السرب العربي وليس خارجه لانك ببساطه لاتريد ان تعترف بالواقع العربي البائس والمشرذم..حالنا وان شئنا ام لم نشاء كمن "يزف مجنون على دميه حتى يزيده جنونا"..حلم الزواج ينتهي بكارثة جنون الجنون وحلم الثورات والتغيير ينتهي بكارثة الدمار والخراب وديموقراطية الخراف ..غرَّب الحاكم غرِبنا...شرَّق الحاكم شرقَّنا..مكانك عد وامامك سر الى صناديق الانتخابات والديموقراطيه الوهميه وما عليك الا ان تختم بالعشره للحاكم القادم!..عسكري.. مجرم حرب.. مرتكب مجازر..انقلابي.. كل هذا لا يهم....قف في الطابور واصمت وابصم وشارك في عرس ديموقراطية بغل مع اعتذارنا لشعوبنا العربيه الذي حوَّلها الحكام الى حالة استبهام... الدار قفره والمزار بعيد والليل طويل وحالك الظلمه وبلوغ النهار والنور اصبح بعيد المنال في ظل الظلم والظلام الحالك اللذي يعيش فيه العالم العربي!!
كل هذه الثورات المعمده بالدم صارت مجرد مطايا لصناعة الزعامات وبلوغ الرئاسات ولا يوجد لا على الارض ولا في الافق معالم تشير الى انها ثورات شعبيه هدفها التغيير والديموقراطيه والذي جرى ويجري ان الانظمه واجهزة المخابرات المحليه والاقليميه والعالميه مزَّقت الثورات العربيه اربا اربا وحرفتها بعيدا عن اهدافها ومطالبها الجماهيريه لتصبح مجرد معاول تهدم ولا تُعمر والمؤسف والمحزن في ان واحد ان الانظمه افتعلت الخروج من الباب ومن ثم عادت من الشباك لتلتف على الثورات وتاخذها الى صناديق اقتراع وهميه لتعود عبرها من اوسع البوابات الى كرسي الحكم.. مصر ليس وحدها ولا اليمن وحدها والعراق ايضا ولا سوريا ستكون الاخيره في ديموقراطية العرب المقلوبه على عقب... العالم يسير الى الامام والعرب مكانك عد وخلفا دُر!!
خاضت الشعوب مخاض التجربه الثوريه والاخيره بكل دمويتها تمخضت عن خراب ودمار وحروب ميليشيه وطائفيه وانقسامات لا تحصى ولا تعد وستبقى هكذا تقبع في غياهب الانقسام حتى تأذن لها المخابرات والمرجعيات ان تتوحد على الحد الادنى في اطر الحلول الذي يطرحها او يفرضها الحاكم والانظمه الداعمه له وعندما نذكر هذا الواقع فهو واقع مرير تعيشه الشعوب العربيه وتعاني من وطأته القاسيه والمأساويه التي تجلت في مقتل وجرح مئات الالوف من العرب وتشريد الملايين ودمار وخراب الاوطان العربيه.. المتربصون بالثورات العربيه كانوا اكثر من كثر وليس انظمة الحكم فقط وهؤلاء المتربصون الذين دخلوا في صفوف المعارضات العربيه اثبتوا انهم لا يقلوا خطوره عن الانظمه الدمويه ولهذا اختلطت الامور على الناس واختلط الحابل بالنابل الى حد عدم القدره على التفريق بين الصالح والطالح او اذا كانت الثورات بالفعل ستجلب ماهو افضل من ماهو موجود من دكتاتوريه وإضطهاد...اخطر واسوأ مظاهر الحراكات العربيه هو ان المعارضات حاكت وتحاكي مسلكيات الانظمه القمعيه ومارست القتل والقمع لفرض سيطرتها على مناطق تم تحريرها او احتلالها...لا ادري ان كانت تسمية التحرير او الاحتلال هي المناسبه لمسلكية الميليشات المعارضه سواء في سوريا او ليبيا او غيرهما من بلدان عربيه.. في العراق جاء الاحتلال الامريكي ليثبت نظام طائفي دكتاتوري دموي فاقت دمويته كل تصور.. في سوريا وليبيا واليمن كوارث وطنيه وفي مصر فلول ماشيه واخرى راجعه..في فلسطين تحول التحرير الى قضية راتب وقضية معاش وعيش ثله فاسده..حتى الامن الوطني سُخر لخدمة الاحتلال الاسرائيلي وعن تسخير اكذوبة الامن القومي العربي لصالح الامبرياليه الامريكيه فحدث بلا حرج.. في كثير من الدول العربيه لا يعبر مصطلح "الوطني" عن اي فحوى او مسلكيه وطنيه ...لاحظوا معنا انه حتى تسمية الوطنيه نفسها مخطوفه وتسخر لخدمة الحكام والامبرياليه الغربيه..!!
من الواضح ومن المؤسف جدا القول بان العالم العربي حاول الخروج من دائرة ظلمة حالكه ودخل الى نفق مظلم واكثر ظلم وحلكه من ما سبق فترة الحراك الجماهيري العربي اللذي دخل في تيه ما بعد التيه بسبب غياب قياده تقود القافله من جهه وبسبب غياب برامج سياسيه ومرجعيه فكريه موحده تسعى لتحقيق مطالب واهداف الجماهير من جهه ثانيه وبالتالي ماجرى ويجري هو تيه اخر في الطريق الى الديموقراطيه اللتي تعرضت الى تشويه وتضليل صارخ في كل الدول العربيه بشكل عام وفي دول الثورات العربيه بشكل خاص حيث جرت وتجري انتخابات كاريكاتوريه وغير حقيقيه لابل ان نتائج الانتخابات لم تحسم وضع اي دوله عربيه سياسيا والعكس هو الصحيح وهو ان نتائج الانتخابات زادت من التوتر والاستقطاب وكانت بمثابة بوابه للدكتاتوريه والانقلابات العسكريه.. العراق..مصر.. ليبيا..سوريا...عصا الدكتاتوريه وجزرة الانتخابات التي تُقدم للشعوب دون ديموقراطيه... من يفيد الامر اذا وقف المصريون في طوابير للإنتخابات ام لم يقفوا؟.. الانتخابات المصريه فضيحه مجلجله لطابور السيسي التضليلي الذي روج لحجم شعبيه زائفه..اللذي جرى استهتار وإهانه للشعب المصري..ترهيب وترغيب..النتيجه محسومه وبعيده كل البعد عن الانتخابات الديموقراطيه..العراق تُجرى فيه انتخابات طائفيه باسم الديموقراطيه كل عدة سنوات لاعادة صياغة الدكتاتوريه...ليبيا جرت فيها انتخابات والنتيجه هُمشت ولم يعترف بها احد..عن الانتخابات المزمع اجراءها في سوريا تحت افواه المدافع وبين ركام الخراب والدمار فحدث بلا حرج...شعوب عربيه اخرى تحكمها العصا ولا وجود للجزره اصلا؟!
لا معنى لاي انتخابات في العالم العربي لان الجاري هو اعادة صياغة الدكتاتوريه عبر جَّرجرة الشعوب او قسم منها الى صناديق الانتخابات الوهميه لكن في هذا السياق ايضا يوجد لنا مثال اخر للديموقراطيه الوهميه وهواعادة صياغة الاحتلال او تعريفه من جديد عبر اتفاقية اوسلو واجراء انتخابات لرئاسة السلطه الفلسطينيه وهذه الانتخابات لا تشمل كامل الشعب الفلسطيني لابل جزء صغير من الشعب الفلسطيني الذي يحقق في هذه الحاله مطالب السلطه ورئيسها الوهمي ولا يلبي اي مطلب جماهيري فلسطيني بمعنى ان انتخابات السلطه الفلسطينيه[الرئاسه والتشريعيه] تدار وهميا باسم الانتخابات الديموقراطيه بينما الهدف الحقيقي هو شرعنة وجود سلطة الراتب وإعادة صياغة وهيكلة الاحتلال الاسرائيلي للوطن الفلسطيني..تناقض صارخ : كيف تريد تحصيل حقوق شعب وانت لا تتيح له لا فرصة الانتخابات ولا المشاركه في القرار!.. الاعلام يتحدث عن الرئيس الفلسطيني المزعوم والمنتخب ديموقراطيا؟ وهذا امر غير دقيق وغير صحيح لان هذا "الرئيس" رئيس سلطه محدودة الصلاحيات ومرتبطه بمؤسسات الاحتلال الاسرائيلي وهو لم يُنتخب من قبل الشعب الفلسطيني لا بل ان مهلة رئاسته السلطويه انتهت منذ زمن طويل؟...عصا الاحتلال وجزرته...سلطه وراتب؟!
الديموقراطيه عباره عن فكر وقناعات وتراكمات تجربه حقيقيه وهذا ماهو غائب من معنى وفحوى " الديموقراطيه" العربيه التي تجرجر الشعوب الى صناديق الانتخابات لانتخاب جلاديها من حكام طغاه وانقلابيون ورجال ميليشيات ومافيات حقيقيه.. الحريه هي بوابة الديموقراطيه وهذه غائبه من قاموس الانتخابات العربيه.. لا الحريه الفكريه ولا الاعلاميه ولا الشخصيه متوفره والحاصل هو ان الشعوب تجرجر كالقطيع الى صناديق الاقتراع الذي لا يتخذ بها في النهايه..ماجرى في الجزائر مؤخرا مثال واضح على الحاله المرضيه للديموقراطيه العربيه المزعومه وحالة مرض الرئيس او البشر حاله عاديه, لكن ان يُجبر الشعب على إعادة رئيس مقعد غير قادر على اداء مهامه فهذه اهانه للشعب وللديموقراطيه..استهتار ما وراءه استهتار مرجعيته صناديق الانتخابات؟!
العالم العربي بعيد كل البعد عن ملامسة الحائط الخارجي للديموقراطيه وعن بعده من بلوغ الديموقراطيه حدث بلا حرج..الحاصل هو ان الدكتاتوريه تستعمل عصا الانتخابات الديموقراطيه كجزره او طُعم من اجل التاكيد على شرعية هذا الحاكم او ذاك..يكفيها ما بها من مأسي وعلى الشعوب العربيه رفض ومقاطعة انتخابات الطغاه والسعي الى تحقيق المعطيات الديموقراطيه اللازمه للانتخابات.... حاله عربيه.. خلفا در:عصا الدكتاتوريه وجزرة الديموقراطيه ... معادلة عشية الانتخابات وفضيحة صبيحة اليوم التالي!...مصر وما قبل وبعد مصر ..استبهام الشعوب وإهانة كرامتها الانسانيه والوطنيه..نفترض ان الحديث يدور عن شعوب وليست مجرد بشر تعيش في حظيرة الحاكم او العسكري الانقلابي وحاشيته من مفبركين ودجالين.... خلفا دُر..!!
خلفا دُر:عصا الدكتاتوريه وجزرة الديموقراطيه !!
بقلم : د.شكري الهزَّيل ... 05.06.2014