أحدث الأخبار
الأربعاء 27 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
المجلس الوطني الفلسطيني وأضعف الايمان!!
بقلم :  نقولا ناصر* ... 29.08.2015

(حان الوقت لمنظمة التحرير، أو لمجلسها الوطني في الأقل، لإعلان الاستعمار الاستيطاني للقدس والضفة الغربية خطا أحمر يحدد علاقات المنظمة مع الدول الأخرى، وأولها العربية والإسلامية، ويحدد اصطفاف المنظمة سياسيا ودبلوماسيا تبعا لذلك)
تأكدت الأنباء بان الدعوات قد وجهت لانعقاد المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية في جلسة عادية لا طارئة ولا استثنائية في منتصف أيلول/ سبتمبر هذا العام، كما طالب رئيس المجلس ومعظم الفصائل الأعضاء في المنظمة، وبذلك يكون الباب قد انفتح من الناحية القانونية كي لا يقتصر جدول أعماله على ملئ الشواغر في عضوية لجنتها التنفيذية أو انتخاب لجنة جديدة كما كان الهدف الرئيسي بل الوحيد لرئاسة المنظمة من الدعوة لانعقاده في الأصل في سياق الصراع على المقاعد أو على الخلافة (لا فرق) في قيادتها، لا على استراتيجيتها.
إن الوضع المهلهل الراهن لمنظمة التحرير هو النتيجة الحتمية للاستراتيجية التي تبنتها منذ عام 1988 وبخاصة منذ توقيع "إعلان المبادئ" مع دولة الاحتلال الإسرائيلي والاعتراف بها عام 1993، لذا فإن ترتيب بيتها الداخلي على مستوى القيادة التنفيذية فحسب من دون إعادة النظر في استراتيجيتها سوف يزيد من ترهل جسمها الأساسي، ويعمق الانقسام الوطني، وهذا بدوره سوف يزيد المنظمة تهميشا ويزيد من تآكل شرعيتها وطنيا ودوليا، ما يقتضي أولا التوافق الوطني على استراتيجية بديلة تعتمد الوحدة الوطنية على أساس مقاومة الاحتلال لإخراجها من حالها المشلول.
فالرأي العام الفلسطيني، كما يتضح من مطالبة معظم الفصائل الوطنية الأعضاء وغير الأعضاء في المنظمة والمستقلين فيها وخارجها بعقد جلسة عادية لا استثنائية للمجلس الوطني، لم يعد معنيا بصراعات على القيادة أو خلافتها في منظمة تحولت إلى مجرد ختم في أدراج قيادتها للمصادقة على قرارات وسياسات توقفت عن صنعها وغيبت عن مراقبتها ومحاسبة أصحابها منذ ما يزيد على عقدين من الزمن.
وفي هذا السياق يتساءل الكثيرون عن أسباب إشغال الرأي العام الفلسطيني بالصراع بين أركان الاستراتيجية ذاتها التي أوصلت المنظمة إلى وضعها البائس الراهن كفريق واحد، فما هو الاختلاف الاستراتيجي والسياسي، على سبيل المثال، بين ياسر عبد ربه ومحمد دحلان وسلام فياض وبين خصومهم في قيادة المنظمة، ألم يكن الثلاثة كاسحات ألغام وأدوات تنفيذية مفرطة في إخلاصها لاستراتيجيتها، الأول سياسيا والثاني أمنيا والثالث إداريا – اقتصاديا!
لقد كانت مفارقة لها دلالاتها وسوابقها أن تشدد اللجنة التنفيذية في بيانها في الثاني والعشرين من هذا الشهر "على وجوب الإسراع في تنفيذ قرارات المجلس المركزي الفلسطيني في دورته الأخيرة في آذار/ مارس الماضي، وخاصة فيما يتعلق بوجوب تحديد العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع سلطة الاحتلال إسرائيل".
أليست اللجنة التنفيذية هي السلطة التنفيذية المكلفة بتنفيذ قرارات المجلس الوطني ومجلسه المركزي كسلطة تشريعية عليا للمنظمة؟ فمن الذي تطالبه اللجنة التنفيذية بالتنفيذ؟ وهل المجلس المركزي الذي اتخذ تلك القرارات هو الذي يمنعها من تنفيذها؟ لقد حولت قيادة المنظمة قرارات مجلسها الوطني والمركزي إلى مجرد حبر على ورق مماثلة لقرارات الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية.
غير أن انعقاد المجلس الوطني في دورة عادية يفتح نافذة فرصة للبناء على قواسم الحد الأدنى المشتركة لوضع المنظمة على بداية طريق التعافي الوطني إن صدقت النوايا وتوفرت الإرادة الوطنية، فالأوان لم يفت بعد لصحوة تجتاح ورثة الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى الذين منحت تضحياتهم للمنظمة وضعها الشرعي الراهن.
لكن كل الدلائل والمؤشرات لا تدعو للتفاؤل في هذا الاتجاه، وتجعل أي خطوة كهذه يقدم المجلس عليها مجرد تمنيات وطنية.
لقد تحطم "المشروع الوطني" للمنظمة لإقامة دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967 ضمن "حل الدولتين" الذي التزمت به على صخرة الاستعمار الاستيطاني المستفحل في شرقي القدس بخاصة وفي باقي الضفة الغربية المحتلة لنهر الأردن.
ولهذا السبب انهارت استراتيجية المفاوضات الثنائية للمنظمة مع دولة الاحتلال برعاية أميركية فأوصلت قيادتها والقضية الفلسطينية إلى مأزقهم الراهن الذي يزيد استمراره في استفحال الانقسام الوطني.
واستراتيجية قيادة المنظمة والاتفاقيات الموقعة مع دولة الاحتلال المنبثقة عنها لم تفشل طوال ما يزيد على عقدين من الزمن في منع مشروع الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في القدس والضفة الغربية فقط بل فشلت في انتزاع أي تعهد من حكومات الاحتلال المتعاقبة حتى ل"تجميد التوسع الاستيطاني" فيها ولو مؤقتا أثناء عمليات التفاوض، بحيث لم يعد من الممكن عدم تحميل قيادة المنظمة مسؤولية توفير غطاء من "الشرعية الفلسطينية" مدعوم ب"التنسيق الأمني" مع دولة الاحتلال لاستفحال سرطان الاستعمار الاستيطاني للضفة المحتلة.
إن تدخل المجلس الوطني لتمزيق هذا "الغطاء" بات استحقاقا وطنيا ملحا، أو يتحول المجلس إلى شريك فيه.
وانعقاد المجلس الوطني المرتقب الشهر المقبل يمثل فرصة لتبرئة ذمته من مسؤولية شراكة كهذه، فقد حان الوقت ليتصدر الاستعمار الاستيطاني جدول أعماله، وانتخاب لجنة تنفيذية جديدة ملتزمة باستراتيجية واضحة لمقاومته بكل أشكال المقاومة على الأرض المحتلة وفي المحافل الدولية، وللمجلس قدوة في قطاع غزة حيث كانت المقاومة هي الحل الذي نظف القطاع من الاستيطان ومستوطنيه.
وقد حان الوقت لمنظمة التحرير، أو لمجلسها الوطني في الأقل، إن لم يكن لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، لإعلان الاستعمار الاستيطاني للقدس والضفة الغربية خطا أحمر يحدد العلاقات الفلسطينية والعربية والإسلامية مع الدول الأخرى، وأولها العربية والإسلامية، ويحدد اصطفاف المنظمة سياسيا ودبلوماسيا تبعا لذلك.
لقد كان موقفا مماثلا اتخذته المنظمة ودعمته الجامعة العربية حاسما في وقف نقل السفارات الأجنبية من تل أبيب إلى القدس المحتلة.
فهذا هو أضعف الايمان الذي يستطيعه المجلس الوطني للمنظمة في وضعه الراهن، وستكون هذه بالتأكيد خطوة نوعية أولى نحو تغييير حقيقي في استراتيجية أثبتت فشلها حتى الآن وكانت نتائجها عكسية تماما لما يطمح إليه الشعب الفلسطيني، ولتتحمل قيادة المنظمة المسؤولية عن التنفيذ ... أو عدم التنفيذ، ولتتحمل دول الجامعة العربية والدول الإسلامية كذلك مسؤولياتها في هذا الشأن أمام شعوبها وأمام التاريخ.
وأضعف الايمان هذا هو الذي سينفي عن رئاسة المجلس ومكتبه أي اتهامات بالخضوع لما سماه المعارضون "مسرحية" و"مناورة" و"فيلم إخراجه سيء جدا" بالدعوة لانعقاده، ويفشل أي مناورة حقيقية أو معتقدة كهذه، وهو الذي قد يوفر قاسما مشتركا لحد أدنى من التوافق الوطني يجعل انعقاد المجلس الوطني مدخلا للوحدة الوطنية ولتفعيل اتفاقيات المصالحة الوطنية بدل أن يكون "انقلابا" على اتفاقيات المصالحة و"خطوة استباقية" لمنع أي جهد حقيقي لإعادة هيكلة منظمة التحرير على أساس الشراكة الوطنية كما اتهمت حركة حماس الداعين لانعقاده.
فحتى الدعوة إلى جلسة عادية لا استثنائية للمجلس الوطني تمثل "تجاوزا" لقضية المصالحة الفلسطينية والوحدة الوطنية وللجنة منظمة التحرير، التي يرأسها الرئيس محمود عباس، المعنية بإعادة تأليف المجلس الوطني على أساس الانتخاب أو التوافق الوطني وفقا لاتفاق القاهرة عام 2005 واتفاقيات المصالحة التالية له، فعدم توجيه الدعوة إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي يمثل "خوفا على مقاعدهم المحجوزة" بالمحاصصة بين الفصائل الأعضاء في المنظمة كما كتب نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس موسى ابو مرزوق.
صحيح أن أعضاء المجلس التشريعي لسلطة الحكم الذاتي الفلسطيني البالغ عددهم (132) عضوا هم أعضاء في المجلس الوطني، وصحيح أن حركة حماس تحظى بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي وعليه فإن الدعوات قد وجهت لأعضائها أيضا، لكنها دعوات "رفع عتب" لا أكثر، فنواب حماس في التشريعي إما أسرى في سجون الاحتلال أو محاصرون في قطاع غزة يمنع عليهم الخروج منه.
فما يجري في الواقع حتى الآن "هو محاولة تفصيل لجنة تنفيذية على مقاس الرئيس الفلسطيني" كما قالت عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ليلى خالد.
ففي تصريحات صحفية يوم الخميس الماضي قال رئيس المجلس الوطني سليم الزعنون إنه إذا تعذر توفير النصاب القانوني لعقد جلسة عادية للمجلس فإن ذلك "يدخل في نطاق القوة القاهرة حسب المادة رقم 14ج من النظام الأساسي وهو ما يعني اللجوء لعقد اجتمع مصغر يتم فيه انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية ال18 لمنظمة التحرير الفلسطينية".
وهكذا "سنكون أمام دورة استثنائية ولكن بمسمى دورة عادية" من أجل "إدخال أكثر الموالين ولاء إلى حلقة صنع القرار" كما كتب المحلل الأردني – الفلسطيني عريب الرنتاوي أمس الجمعة، مضيفا أن "الأهداف التي من أجلها طالب كثيرون، ومنذ سنوات، بعقد المجلس ليست مدرجة في الأصل على جدول أعمال" دورة المجلس الشهر المقبل.
لقد ساهم رهان القيادة السياسية الفلسطينية والحكومات العربية على "المجتمع الدولي" على حساب المقاومة الفلسطينية للانتداب البريطاني والهجرة اليهودية والعصابات الصهيونية قبل النكبة عام 1948 في إقامة ثم ترسيخ وجود دولة الاحتلال كأكبر مستعمرة استيطانية في فلسطين.
وتكاد القيادة السياسية لمنظمة التحرير اليوم أن تكرر الخطيئة التاريخية ذاتها إن لم تتدارك نفسها أو يتداركها الآخرون قبل فوات الأوان على تحول المستعمرات الاستيطانية في الضفة الغربية إلى واقع يصعب تغييره لتهويد القدس كاملة وتقسيم الضفة الغربية بين مواطنيها العرب وبين مستوطنيها اليهود تقسيما يدفن إلى الأبد حلم دولة فلسطين و"حل الدولتين" ومعهما أي سلام عادل مأمول في فلسطين التاريخية.

1