أحدث الأخبار
الأربعاء 27 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
الأقصى يسلط الأضواء على دور المغرب!!
بقلم :  نقولا ناصر* ... 19.09.2015

(من الواضح الآن أن استمرار المغرب في رئاسة لجنة القدس في وضعها الراهن لا يمكنه إلا ان ينعكس سلبا على سمعة دورها المستقل عن هذه اللجنة)
تصاعد وتسارع انتهاكات دولة الاحتلال الإسرائيلي للمسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين لآلاف الملايين من المسلمين العرب وغير العرب، يضع المملكة المغربية في مركز دائرة ضوء سياسي وإعلامي لا يسعها الإفلات منها.
فقد حولت سبعة وخمسون دولة عربية وغير عربية أعضاء في منظمة التعاون (المؤتمر سابقا) الإسلامي لجنة القدس المنبثقة عنها والتي ترأسها المملكة إلى واجهة مغربية بائسة لفشل هذه المنظمة وعجزها عن تحمل مسؤولياتها في حماية بيت المقدس وأكنافه والأقصى في القلب منها.
ولا يتوقع احد طبعا أن تفعل المغرب ما عجزت عن فعله المنظمتان العربية والإسلامية، لكن استمرار المملكة المغربية في العمل كواجهة للمنظمتين وعنوان لهما ترسل إليه كل رسائل السخط والغضب الشعبي على فشلهما قد أصبح موضع تساؤل عما إذا لم يكن الوقت قد حان كي تضع المغرب كلتا المنظمتين أمام مسؤولياتهما بتخييرهما بين تحمل هذه المسؤوليات أو البحث عن دولة عضو أخرى ترأس لجنة القدس تتحمل وزر فشلهما.
إن رئاسة المغرب للجنة القدس يحمّل المملكة مسؤوليات جسام تعجز عن القيام بالحد الأدنى منها طالما استمرت المنظمة التي أوكلت إليها هذه المسؤوليات تريد منها فقط أن تظل مجرد عنوان خادع للرأي العام العربي والإسلامي يغطي على فشل المنظمة الأم ويعفيها من حمل العبء الثقيل لمسؤولياتها تجاه الأقصى.
فالرأي العام العربي والإسلامي، على سبيل المثال، استمع إلى العاهل الأردني عبد الله الثاني يوم الاثنين الماضي وهو يحذر من أن استمرار انتهاكات دولة الاحتلال للمسجد الأقصى و"الوصاية" الأردنية عليه سوف تؤثر في العلاقات الثنائية بالرغم من معاهدة الصلح المنفرد بين الأردن وبينها ولا يترك للأردن "أي خيار" آخر، ما دفع الأردن إلى تقديم مشروع بيان رئاسي لمجلس أمن الأمم المتحدة في هذا الشأن.
غير أن سقف التوقعات من المغرب أعلى من ذلك بكثير لأنها ترأس لجنة القدس باسم سبعة وخمسين دولة عربية وإسلامية أولا ولأنها ثانيا لا ترتبط مع دولة الاحتلال ب"معاهدة سلام" مماثلة، لكن لم يبدر عن المغرب حتى الآن ما يرقى إلى "أضعف الايمان" الأردني ذاك، ليحذر، مثلا، من أن استمرار انتهاكات دولة الاحتلال في الأقصى سوف ينعكس سلبا على علاقات التطبيع المغربية الثنائية الواسعة معها.
لقد تعهدت منظمة التعاون الإسلامي مثلها مثل جامعة الدول العربية ب"شبكة أمان" مالية تمكن حكومة منظمة التحرير الفلسطينية تحت الاحتلال من القيام بمسؤولياتها تجاه القدس والأقصى، ولم تتوقف منظمة التحرير وحكومتها عن الشكوى من عدم الوفاء بتلك التعهدات.
فالقمة الإسلامية الاستثنائية الرابعة بمكة المكرمة عام 2012 تبنت "خطة استراتيجية" ل"تنمية" القدس، ودعت القمة الإسلامية الثانية عشرة برئاسة مصر في السنة التالية إلى "عقد مؤتمر للمانحين على وجه السرعة" لتمويل هذه الخطة، وكذلك الخطة الخمسية (2014 – 2018) لوكالة بيت مال القدس الشريف، الذراع التنفيذية للجنة القدس برئاسة المملكة المغربية.
لكن الميزانية المخصصة للقدس من وكالة بيت المال في حد ذاتها تمثل دليلا ماديا على مدى استهتار واستخفاف منظمة التعاون الإسلامي بالخطر المحدق بالقدس والأقصى ودليلا لا يدحض على عدم جدوى استمرار لجنة القدس ووكالتها في وضعهما الحالي ودليلا كذلك على ان المنظمة غير معنية حقا بتمكين الرئاسة المغربية للجنة القدس من تبرئة نفسها من فشل المنظمة الأم.
فقد مولت الوكالة مئة وسبعة وعشرين مشروعا بقيمة (24) مليون دولار أميركي خلال أربع سنوات منذ عام 2010، دفعت المغرب (84%) منها، بينما خصصت ثلاثين مليون دولار لتمويل خطتها "الخمسية" التي تنتهي عام 2018 كما أعلن مدير الإعلام في وكالة بيت المال محمد سالم الشرقاوي في آذار الماضي.
لقد سبق لوزارة خارجية المملكة أن عدّت مثل هذه الانتقادات للجنة القدس "إنكارا غير مسؤول" لدورها من خلال اللجنة ووكالتها، حد أن اضطرت، مثلا، في سنة 2013 إلى إعلان سفير فلسطين لديها أحمد صبح "غير مرغوب فيه" بسبب انتقادات مماثلة، من دون التمييز بين دور المملكة في القضية الفلسطينية وبين دورها في رئاسة لجنة القدس.
ومن الواضح الآن أن استمرار المغرب في رئاسة لجنة القدس في وضعها الراهن لا يمكنه إلا ان ينعكس سلبا على سمعة دورها المستقل عن هذه اللجنة، وقد حان الوقت للفصل بين الدورين، إما بتمكين منظمة المؤتمر الإسلامي للجنة برئاسة المغرب من القيام بدور فاعل في حماية الأقصى أو بنقل رئاستها إلى دولة اخرى ترضى بتحمل وزر فشلها وعجزها، أو تستوعب المملكة استمرار هذه الانتقادات على مضض باعتبارها موجهة للمنظمة الإسلامية أكثر مما هي موجهة لها.
إن رسالة مغربية كهذه إلى منظمة التعاون الإسلامي التي ترأس المملكة لجنة القدس باسمها سوف تضع المنظمة في مواجهة مسؤولياتها وتبعث بمثل تلك الانتقادات إلى العنوان الصحيح الذي يجب أن ترسل إليه، وبغير ذلك تظل المملكة شريكا لها في فشلها وعجزها.
وطالما استمر الحال على ما هو عليه في لجنة القدس سوف تظل المملكة في مركز الضوء وحدها هدفا للانتقادات التي لا يعبأ أصحابها بحقيقة أن لجنة القدس تضم في عضويتها ممثلين لخمسة عشر دولة عربية وإسلامية إضافة إلى المغرب ينتخبهم وزراء خارجية المنظمة الإسلامية لمدة ثلاث سنوات.
عندما تسلم الكاتب العام للخارجية المغربية ناصر بوريطة أوراق اعتماد السفير الفلسطيني الجديد لدى المملكة زهير الشن الأسبوع المنصرم قال بوريطة إن "القيادة المغربية" تعدّ القضية الفلسطينية "قضية وطنية مغربية"، لكن استمرار لجنة القدس على حالها سوف يظل يشوش على هذا الموقف المغربي الأصيل.
يوم الثلاثاء الماضي دعت الخارجية المغربية "المجتمع الدولي إلى ضرورة توفير الحماية للفلسطينيين" تحت الاحتلال، وشدد المتحدث باسم الحكومة المغربية مصطفى الخلفي على "أهمية إطلاق مبادرات عملية" تتجاوز بيانات الشجب والاستنكار والتضامن المكررة الممجوجة لدعم "صمود المقدسيين".
وكان الأجدى بهذه الدعوات المغربية أن توجه إلى الأولى بها في منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية اللتين ينشغل معظم أعضائهما ب"تحرير" صنعاء وبغداد ودمشق وطرابلس الغرب بدلا من القدس والأقصى متجاهلين حقيقة أن تحرير القدس هو وحده الكفيل بتحرير كل العواصم العربية من الهيمنة الأجنبية والاستبداد على حد سواء.
لقد رهنت المغرب دورها في لجنة القدس بخاصة وفي القضية الفلسطينية بعامة لما سمي "عملية السلام" التي كانت الولايات المتحدة ترعاها بين العرب وبين دولة الاحتلال، لكن هذه العملية والرعاية الأميركية لها قد باءتا بالفشل الذريع تماما الآن وآن الأوان للمغرب كي تعيد النظر في دورها على الصعيدين، وهذا احتمال ضعيف غير مرجح في أي مدى منظور لأسباب مغربية ذاتية.
غير أن استمرار قبول المملكة بمواصلة رئاستها للجنة القدس وعدم تمهلها لإعادة النظر في رئاستها لها ما لم تمدها المنظمة الإسلامية بالامكانيات التي تمكنها من القيام بدورها، بما يحفظ لها سمعتها في الأقل إن لم يكن خدمة للقضية الفلسطينية ودعما لصمود الأقصى، هو أمر يسلط الضوء بدوره على الأسباب المغربية الذاتية لاستمرار الوضع الراهن في لجنة القدس ورئاسة المملكة لها، ولهذا حديث آخر.

1