أغلقت غزة أبوابها، وأطفأت نارها المشتعلة في البيوت، وتوجهت بشيوخها وشبابها ونسائها وأطفالها ورجالها ونخوتها وكرامتها إلى مخيمات العودة، كان يوماً فلسطينياً بامتياز، أفواج من البشر تلتقي بأشواقها وتتعانق بطموحاتها على سياج الوطن، فترى اليساري واليميني والفلاح والبدوي والمواطن واللاجئ والمنتمي والمستقل، وترى حشوداً عائلية، ترى الأم وبناتها الصبايا، والرجل وأبناؤه الشباب، والعجوز وأحفاده، في رسالة وطنية تؤكد أن هؤلاء هم العاشقون.
العاشقون: هم كل أولئك الذين لا نعرف أسماءهم، ولا نذكر أوصافهم، جماهير شعب تركوا مصالحهم، وانشغالاتهم، واهتمامهم، وجاءوا على عجل إلى مخيمات العودة كي يكحلوا عيونهم بتراب الوطن، ويراقبوا الحدود على أمل، جاء العاشقون ليؤكدوا أنهم أصحاب هذا الوطن المغتصب، وأصحاب هذا الحق الذي يحاول الأعداء تشويه صورته، والقفز عنه، العاشقون هم العائدون إرادة وتصميماً وعزماً مؤكدين أنهم أصحاب هذا الوطن.
الوطن: هو كل أرض فلسطين، المغتصبة سنة 1948، والمحتلة سنة 1967، وحين يهتف العاشقون نحن عائدون، فإنهم يقصدون بالعودة إلى قراهم ومدنهم التي اغتصبتها العصابات اليهودية، وطردوا منها، إنهم أهالي قرية بيت دراس وحمامة والمجدل والسوافير الشمالية والشرقية، وصرفند وتل الترمس والقسطينة وبشيت والجورة وبيت عفا، وهربيا، وسمسم، ويافا وحيفا والرملة وعكا، ويبنه والعفولة، هؤلاء هم أصحاب فلسطين، وهم صدر العطاء، ومصدر القرار.
القرار: العاشقون لفلسطين، بكل أطيافهم حاصروا السياج على مسافات عدة كيلومترات من الإرادة والعزم، هؤلاء العاشقون كانوا منضبطين في حضورهم، ملتزمين بتعليمات الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة، ولسانهم يقول: نحن أصحاب الوطن، نحن القيادة وأصحاب القرار، نحن الملتزمون بالهدوء هذا اليوم، قد نكون غداً النار التي تشتعل، نحن العاشقون قررنا أن تكون مسيرتنا سليمة، فاسمعونا جيداً، فإن أغمض العالم عينيه، وأصم العدو أذنيه، فقد يكون قرارانا التصعيد، وإشعال الأرض تحت أقدام العدو.
العدو: كل من يعادي الشعب الفلسطيني، ويحول بينه وبين تحقيق حلمه بالعودة إلى وطنه، وكل من يلتفت على أهداف الشعب الفلسطيني ويشكك بقدراته على مواجهة عدوه، وتحرير أرضه، وكل من حشد دباباته ووحداته وجنوده في مواجهة عشرات آلاف الجماهير الفلسطينية التي انتفضت في أصدق رسالة انتماء وتمسك بالثوابت الفلسطينية، والتي تمثل الهدف.
الهدف: فك الحصار عن غزة خطوة على طريق تحرير فلسطين، وطلب العيش والكرامة من خلال المواجهة مع عدو فلسطين، وانتزاع حقوقنا الإنسانية بالقوة وحد السيف لا من خلال التوسل والتذلل والرجاء، ولا يتحقق ذلك دون وحدة وطنية ميدانية، محفوفة بالجماهير التي اقتنعت بمصداقية المقاومة، التي أفرزت قيادتها من خلال الميدان والمواجهة اليومية، فصارت القرار السياسي، الذي يلتف من حلوله كل الشعب الفلسطيني، وما القيادة إلا مقاومة، ودون مقاومة لا قيادة، ولاسيما بعد أن شق شعبنا طريقه واثقاً من قدراته، ورسم معالم المرحلة بوقع أقدامه، هذه الحقيقية التي لما يزل يتغنى بها شعبنا العربي الفلسطيني في غزة رغم الحصار والعقبات، وفي الضفة الغربية رغم التهميش والتغييب، ليردد الجميع بيت الشعر الذي يقول:
ونشرب إن أردنا الماء صفواً، ويشرب غيرنا كدراً وطينا
الأمن والثقة والأمل لشعبنا الفلسطيني، والفزع والشك وسوء المصير لعدو أمتنا العربية.
مشاهد انطباعية من داخل مخيمات العودة!!
بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 30.03.2019