أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
عندما يضمحل العلم!!
بقلم : مها صالح  ... 07.04.2019

العلم في الصغر كالنقش على الحجر،" عبارة تجرعناها منذ الطفولة لكن لم نكن تفهم فحواها، لم نسأل ماذا تعني أو عمق فهمها، كبرنا وأصبحنا نرددها ومن ثم فهمناها شيىئا فشيئا. أن ما نتعلمه منذ نعومة أظفارنا يبقى محفورا بالذاكرة الى الكبر. لكن هنالك خطئا في هذه المقولة، العلم وحده لا يربي الانسان اذا لم يكن مقرونا بعلم وقيم، تربية وأخلاق، إحترام وتواضع. العلم وحده يا سادة لا يخلق جيلا من العلماء، بل فئة تتبجح بعلمها بلا أخلاق. قال الشاعر حافظ إبراهيم" والـعـلمُ إنْ لــمْ تـكـتنفهُ شـمائلٌ ... تـُعـلـيهِ كـــانَ مـطـيةَ الإخفاقِِ ِ
لا تحسبن الـعـلمَ يـنـفعُ وحــــدهُ ... مـا لـمْ يـُـتـَـوِّجْ ربـَّــهُ بــخَـلاق
عندما نقرن العلم بالاخلاق هنا نكون قد نقشنا بماء من ذهب على سنوات الدراسة التي أسسنا لها لتكون لنا الطريق والمنارة، هنا نكون قد أشبعنا فكرنا وغذيناه بعلم نافع وفكر راقي. منبع الحضارة يبدأ بالاخلاق وتكرسينا للأخلاق من خلال ممارستنا لهذا السلوك الذي يرفع الامم ويبني الاوطان. المناهج الدراسية في الدول الغربية خاصة في السنوات الأولى من عمر الطفل قائمة على غرس المفاهيم الحياتية الصحيحة وممارستها لتكون منهج حياة لا مادة تعطى وتنسى فيما بعد، لذلك الغرب يتفوق علينا ليس فقط في العلم وإنما بأخلاق الحياة بغض النظر عن الدين والذي يحض على الاخلاق. قال الشاعر أحمد شوقي:" وإنِّما الأُمَمُ الأخلاقُ ما بَقِيَتْ
..... فَإنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخلاقُهُمْ ؛ ذَهَبُوا .
للأسف وما يدمي القلب أن تركز معظم الأسر العربية عند تعليم أبناءها على التحصيل العلمي متجاهلين التحصيل الاخلاقي وهذا ما يثبت للأجيال بأن ممارسة للقيم والاخلاق ليس اساسا بل شيئا ثانويا ومن هنا يدق ناقوس الخطر على ما سيترتب من تدهور في العلاقات بين الناس، إفراز مشاكل إجتماعية بسبب سوء التعامل، تكبر عقدة الأنا عند البعض الكثير الذي يجعله لا يرى من أكبر منه سنا لكن أقل علما، يتحدث بنفس مليء بالعنجهية والتكبر الأعمى. كل هذا لا يقود الأمم الا الى التخلف والرجعية. لا يقوم الوطن الا على العلم والأخلاق مجتمعين لا متفرقين. منسجمين لا متنافرين، متوافقين لا مختلفين، توأمة منهج حياة لا متفردا عند بعض الناس.
تكثر السلبيات في المجتمعات بشكل عام سواء المجتمعات الغربية أو العربية، لكن بزوغ الآثار السلبية نراها جلية أكثر في المجتمعات العربية وبشكل يجعلك أن تنأى بنفسك من الانزلاق وراء هذا السلوك الغير حضاري والغير ديني على حد سواء. بالأمس القريب بعد وقوع الحادث الارهابي في نيوزيلندا الذي أودي بحياة العشرات من المصلين المسلمين الأبرياء وهم يأدوا صلاة الجمعة على يد إرهابي متطرف عنصري، وبغض النظر عن دوافع هذا العمل الهمجي لكن السؤال هنا، كيف تعاملت نيوزيلندا حكومة وشعبا مع هذا الحادث الإجرامي؟ لولا مكارم الأخلاق والقيم الأصيلة والاخلاق الحميدة ما امتصت نيوزلندا غضب مليار مسلم حول العالم من الانزلاق لمستنقع من الحقد والكراهية والعنصرية والدم ثأرا للذين قتلوا لكن بحكمة وحنكة نيوزيلندا حكومة وشعبا وطدوا أواصر المحبة والتسامح بينهم وبين المهاجرين المسلمين واصبح الشعب النيوزيلاندي يقف حارسا على مساجد المسلمين لحمايتهم وتوفير لهم كل وسائل الطمأنينة والأمن. ما أروع هذا المثل بأن يضرب للحث على تعليم أبنائنا مكارم الأخلاق اولا ومن ثم العلم.
اخيرا وليس آخرا اطلب من الشعوب العربية أن يركزوا على المنشأ المبني على القيم والأخلاق الكريمة التي تبني مستقبلا باهرا لأجيال لاحقة لن يعانوا من صراعات فكرية او عقائدية، لن يخلقوا عقدة الانا عند الاطفال الذين سيكبرون يوما ويحملوا فكر ما تربوا عليه. يجب ان يفهم القاسي والداني ان القيم والمباديء الحياتية تأتي في المقدمة ومن ثم العلم الذي سيتجمل بمكارم الاخلاق.
الأخلاق نبتة جذورها في السماء، أما أزهارها وثمارها فتعطر الأرض.

1