أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
الشيكات بدون رصيد!!
بقلم : د.عبد الستار قاسم ... 22.01.2020

يشكل التهرب من الدين عنصرا أساسيا في تدمير الاقتصاد الوطني في دول العالم. التهرب من الدين وإصدار شيكات بدون رصيد يشكلان خطرين كبيرين مدمرين وهما: إضعاف الثقة بين الناس، وتقوية عنصر الشك وعدم الثقة في العلاقات الاجتماعية والمعاملات التجارية، وعرقلة عملية التنمية الاقتصادية والتجارية بسبب انهيارات مالية وخروج مصالح اقتصادية من السوق. كم من الجرائم حصلت بسبب عدم سداد الدين، وكم من المصالح دمرت بسبب عدم قدرة التاجر أو الصانع على الاستمرار في العمل. رأس مال التاجر والصانع يضيع بين أيدي النصابين والدجالين واللصوص الذين يماطلون كثيرا في تسديد الديون أو لا يدفعون بتاتا.
هاك حديث صباح هذا اليوم الأربعاء الموافق 22/كانون ثاني/2020 حول الدائن والمدين، ويبدو أن مجلس القضاء الأعلى قد قرر تعديل بعض القوانين لتقليص أعداد الشيكات الراجعة في الأرض المحتلة/67، وتشديد العقوبات على المدينين. لم أطلع بعد على تفاصيل قرارات المجلس، لكنني سأفعل في الساعات القادمة.
من المعروف أن مئات آلاف الشيكات لا يتم تحصيلها بسبب عدم وجود رصيد، وهذا عدد ضخم لاقتصاد صغير مثل اقتصاد الضفة الغربي وقطاع غزة. وواضح أن القوانين الفلسطينية المعمول بها الآن في الضفة والقطاع تشجع على الحرمنة واللصوصية وتحمي المدين على حساب الدائن، وتكلف الدائن المزيد من الأعباء والجهود والمطالبات والمقت والهم والغم، وقد تؤدي إلى جرائم. القوانين الفلسطينية تتطلب إجراءات من الدائن تكلفه الكثير من الجهد والمال والوقت وسم البدن. على الدائن أن يقدم إخطارا أولا للمدين ويصبر عشرة أيام قبل الذهاب إلى القضاء بشكوى ضد المدين. ومن بعد الشكوى تبدأ إجراءات القضاء المقيتة المتسمة بجلسات عديدة تطول مدتها أحيانا إلى سنوات. القاضي يحكم في النهاية لصالح الدائن، لكنه قد يقسط دفع المبلغ وبذلك تضيع القيمة التنموية للمال بالنسبة للدائن. التقسيط لا يساعد على الاستفادة التنموية من المال، وتذهب الأقساط على مصاريف يومية لا تدر فائدة على الدائن. هذا فضلا عن أن الدائن يتحمل مسؤولية التنفيذ.والمدين عادة يتهرب ويعد بدفع المال هذا الأسبوع أو الذي يلي، ومن ثم الشهر القادم والسنة القادمة، الخ.
أحيانا يتم سجن المدين 91 يوما، وأحيانا يتم الحجز على بعض ممتلكاته. لبيعها في المزاد العلني. والبيع لا يتم بين ليلة وضحاها، وإنما هناك إجراءات مقيتة تدفع الدائن إلى التخلي عن حقه، والبحث عن زعران لتحصيل المال أو اقتراف جريمة انتقاما لنفسه. وإذا ذهب الدائن إلى محامي فإن المحامي يتطلب نسبة من المال يدفعها الدائن ولا يتحمل المدين مسؤوليتها. وإذا وكل الدائن محاميا، فإن القاضي في العادة لا يحكم بالعدل حول أتعاب المحاماة. حصل معي ذات مرة أن دفعت للمحامي 1500 دينار وحكم لي القاضي ب 200 دينار فقط. ومرة أخرى دفعت للمحامي عن قضية بسيطة 250 دينار وحكم لي القاضي ب 50 دينارا.
توصل أغلب الناس إلى أنه من الأفضل عدم الذهاب إلى القضاء بسبب الإجراءات المقيتة، وبسبب عدم جدية الشرطة في تنفيذ الحكم القضائي. والأفضل، كما توصل أغلب الناس، الاستنجاد بزعران يحملون أسلحة ولهم صولة وجولة لتحصيل الحق مقابل مبلغ من المال. الزعران يحصلون الحق في مدة قصيرة جدا، ولا يكلفون صاحب الدين الكثير من الجهد والمال.
عندما يتدهور مستوى الأخلاق لدى الناس، لا بد من تشديد القوانين على الانحرافات الاجتماعية والمالية حتى يرتدعوا ويعودوا إلى جادة الصواب. من المفروض إعادة صياغة القوانين الفلسطينية بطريقة تسمح للشرطة فورية التصرف بحق أصحاب الشيكات الراجعة، وبحق النصابين واللصوص. الشيك الراجع لا يحتاج إلى إخطارات ومحاكم، وإنما يحتاج إلى قانون يخول الشرطة بالتصرف الفوري ضد النصاب، والتصرف الفوري أيضا بالحجز على بعض الممتلكات وبيعها. يجب أن يكون القانون قاهرا وقاسيا إذا أردنا لعجلة البناء الاقتصادي أن تتسارع. وإلا سنبقى في دوامة منالاستهتار وغياب الثقة المدمرة.

1