أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
تَصنُّع الْقَبُول . . . !
بقلم : د .نيرمين ماجد البورنو ... 16.03.2020

التصنع يفقدك أشياء كثيرة أولها نفسك, كثير من الناس في خضم محاولاته للحصول على الاهتمام لمجرد أن يتقبلوه الآخرين يتصنع ويسرف في التصرف والكلام والهندام للحصول على الاعجاب والرضا والقبول ويخفي أشياء في داخله لكي يبقي مقبولا ومنصهر اجتماعيا, كل هذه الافعال مجرد مضيعة للوقت ولصحه وللنفس والأحاسيس, فلا تحاول أبدا أن تبهر أحد لان القبول من الله عز وجل, كل شيء يمكن أن يشتري من الناس الا القبول, لان القبول يُوْهَب لا يُكْسَب, فلا تسرف في المحاولة لأنك ستصاب بالخيبة والتلون والخداع وتلك عناوين تندرج تحت ظاهرة النفاق.
لا تتصنع ربما عفويتك تكون أجمل, ولا تكن ماركة ثمينة تعرض لكي يقال عنك مميز الحضور أو أنك شخصية محبوبة مبهرة ومشهورة ومقبولة اجتماعية وأيقونة للمحبة والجمال, أو لكي أن يقال بأنك مميز وجذاب ومحط لإنظار الجميع بعربيتك الفاخرة اخر صيحة, أو لشنطتك التي تحملها أو لنوع النظارة التي تقتنيها, أو لأنك في عهدة سائق تتباهي به وأنت مضطر للتعامل معه يوميا, أو لأنك تلبس ساعة يد ماسية فريدة, أو لأنك غني تملك الأموال, حتى بتنا نلاحظ تلك المواقف في حياتنا بشكل جلي عندما يتحدث شخص بنعومة ويستخدم بعض الكلمات الأجنبية ويتظاهر بانه من مجتمع مخملي آخر, لا مانع أن تملك كل تلك المقتنيات وتكون غني لكن تذكر فقط أن تكن أنت كما تحب, البس الجديد واسعد وافخر بنفسك وذكائك وفطنتك وتفوقك وتفانيك في العمل وبروحك الجميلة النقية, لكن لا ليقال عنك كلمه بها ثناء واعجاب, وأعمل بجد واقرأ كي تعرف وتثقف وتسلح بالعلم وأثرى عقلك ولا تضيع وقتك باحثا في عيون ترفض أن تري وعقول لا تعرف كيف أن تستوعب.
هناك أشخاصٌ مرنون لا تشعر بأنهم غرباء يألفون ويأنسون ويؤنسون يتصرفون على سجيتهم في تواضع وأدب, وفي المقابل هناك أناس تشعر أن حياتهم بأكملها هي مصطنعة كلها تكلف وتكبر وتعجرف يظهرون للناس بوجوه متلونه غير حقيقية تمل منهم ومن أروحهم الميته الشريرة, ولقد صدقت الحكمة الشهيرة "مصطنع الود تفضحه الشدائد, ومتصنع الأخلاق تفضحه الخصومة, متصنع الود تفضحه المصالح". وهي جملة تظهر الانسان وتكشفه معدنه وانسانيته من الداخل, وتعري سرائره فهناك من يتودد لمصلحة ما واذا ما انقضت هذه المصلحة ذهب بلا رجعة, فلا تحزن وتكدر حياتك من أجل أناس يتلونون ويكنون لك المكر والخبث والمصلحة ولا تؤمن لفاضح السر ولا للشخص المادي ولا لصاحب المصلحة وناكر الجميل وكاسر الخواطر ومن يأتيك وقت فراغه فان لم تتخذ الحذر مما سبق فأنت على نفسك لا تؤتمن! ولقد صدق الشاعر حينما قال« صام وصلى لأمر كان ينشده.. فلما انقضى الأمر لا صام ولا صلى», لذا أختر نزلاء قلبك بدقة فلا أحد سيدفع ضريبة سكنهم سواك, فالمصطنع سينكشف دائما في النهاية لذلك كن حقيقيا!
يرى خبراء النفس أن للتصنع أسبابًا نفسية عدة, فالمتصنع قد يكون لديه حساسية كبيرة بالتعامل مع الآخرين مما يدفعه الى ان يعاملهم بشخصية مصطنعة مزيفة يحاول فيها ان يبدو شخصا مهما ذا قيمة, وقد يكون شخصا يشعر بالنقص إزاء نفسه وسلوكياته الطبيعية ويظنها مدعاه للسخرية من الاخرين مما يضطر بان يهرب من شخصيته التي تمنحه قدرا أقل من الاهتمام ليصطنع نوعا وشكلا أخر من الطبائع السلوكية للتعايش والاندماج بشكل أفضل حسب اعتقاده, وقد يصطنع لكي ينال هدفا ما بحيث قد يبدو مغفلا وبليدا ليبعد نظر الآخرين عنه أو قد يبدوا جذابا فيسحر الناس لينال اعجابهم وتقديرهم, وقد يتصنع لأسباب مرضية نفسية مرتبطة بخلل عقلي أو نتيجة لإصابة عقلية وفي كلا الحالتين هم معروفون لدي خبراء علم النفس بكونهم يتصنعون حوارات وينسجون قصص خياليه للفت الانتباه فقط, ولقد أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير في بروز نماذج تدعي وتتصنع المثالية عبرها وهم بالأصل يفتقدون عموما للمنطق, هؤلاء أناس فشلوا من إثبات شخصياتهم وسلوكياتهم الواقعية فلجأوا إلى العالم الافتراضي.
يعتبر التصنع مرضاً اجتماعيا منتشراً بين الكثير من الناس, ويعني التكلف والرياء وقيام الانسان بأعمال بعيدة عنه وعن واقعه والتظاهر بما ليس فيه سواءٌ كان ذلك مرتبطاً بالجانب المادي أو النفسي, فلو أدرك الشخص المتصنع خطورة تصنعه لفكر مليا قبل ان يسلك سلوكا متصنعا وذلك لان السلوك المصطنع يولد لدي الآخرين نفورا من الشخص المتصنع لانهم يشعرون بأنه يمثل ويكذب مما يدفعهم لتجنبه ويقلل من احترامهم له, ولتجاوز التصنع يجب عليك أولا أن تقنع نفسك بأن حقيقتك هي أفضل هيئة تبدو عليها, وأن تتجاوز الأسباب التي دفعتك للتصرف بتلك الافعال, وأن تظهر بملبسك وهيئتك الحقيقة ولتغربل المواقف والأشخاص والأحداث والمصالح من حولك لأنك سترتاح نفسيا وصحيا وجسديا وان تقتنع بنفسك لأنك ستشعر لحظتها بأن وزنك أخف وستفضل ذلك الاحساس على التصنع المتلون المتعجرف لأنه آفة ينبذها المجتمع, وأعلم بأن التصنع يجيده أي شخص وأي أحد وان التشبع بغير الواقع بضاعة الخاسرين في سوق الرياء والنفاق فلا تتصنع وتتقمص شخصية الغير لأنها تعرض ضميرك للبيع في مزاد العزة والشرف وأعلم الجمال والسلام الذهني يزيد فيك على قدر قربك من سجيتك التي فطرت عليها واعترافك بمقامك ورضاك بما وهبك الله من عطايا, فكن على طبيعتك وعفويتك وشخصيتك المستقلة تكن أجمل, و كن صادقا واضحًا انسانا في فعلك وقولك, أنت جميل فقط حين تكون على حقيقتك, ولتعش حياتك كما هي ببساطتها وحلوها ومرها بعيدا عن التكلف والتماهي ولتحافظ على واقعيتك ومصداقيتك دون اللجوء الى الأساليب الملتوية والتصنع والتكلف, وازرع نفسك وأثمر قوة صنيعتك ولا تكن هشا, وكن عزيز النفس شماً أبياً شامخا كالشجر والجبال لا تعترف بالانحناء.

1