عندما يستمع اي مواطن عربي الى خطبة ميشال عون العصماء حول ما آل اليه الوضع في لبنان، يظن لأول وهلة ان المتحدث هومراقب سياسي يوضح الأسباب التي جعلت لبنان يتزحلق من العلو الى الهاوية، وبعض التحليلات التي أدلى بها الرئيس عون تحمل وجهين هما المنطق واللامنطق، فعندما ينتقد عون الأحزاب الرئيسة ورؤساء مجلس الوزراء السابقين ويتهمهم بالفساد وعدم المسؤولية واختراق الدستور، فأنه ينسى ان هذا الفساد واللامسؤولية مرت من بين ساقيه، لأنه رئيس الجمهورية ومسؤوليته تنحصر في تطبيق الدستور ومراقبة أداء السلطة التنفيذية، فان وجد أي خلل فمن المفروض ان ينبه السلطة النتفيذية على انتهاكاتها كراعي للدستور لا أن يبلع الإختراقات كحبات الأسبرين، عندما تغرق سفينة ما فإن القبطان وطاقمه جميعا هم المسؤولون عن غرقها، وان كان الغرق بسبب التقصير فأن القبطان وطاقمه يتحملان مسؤولية أرواح من غرق من الركاب.
ان الرئيس عون هو قبطان السفينة، ومساعد القبطان صهرة جبران باسيل، والطاقم الرئيس حزب الله وأمل، وخدام الطاقم هم سعد الحريري وبقية الأحزاب اللبنانية، لذا فجميعهم يتحمل المسؤولية، ولكن المسؤولية الكبرى يتحملها عون، الذي سلم لبنان العربي الأشم الى ولاية الفقيه عبر حزب الله هو الرئيس عون، ومن تسبب بالفساد الحكومي هو الرئيس عون وصهره والثنائي الشيعي، وازمة الكهرباء التي عصفت بالبلد كانت بيد جبران باسيل، وضياع الموارد المالية كان ابطالها الثنائي الشيعي، وان كان عون قد وقف موقف المتفرج أما هذا الانهيار فهو المذنب الأول وعليه تقع المسؤولية، قبل ان يرمي بطوق النجاة الى صهوه ويحمل الآخرين مسؤولية غرق السفينة.
عون أدرى من غيره بان الرئيس سعد الحريري لم يكن دوره يتجاوز الديكور، فهو رئيس وزراء مهلهل لا يصلح ان يدير حظيرة خنازير وليس دولة صغيرة الحجم، كبيرة الشأن مثل لبنان، لذلك فقد استهدفته ثورة تشرين واطاحته به ورمته من الباب، لكنه عاد اليها من الشباك، على الرغم من تصريحاته السابقة بأنه لم يتسلم اية مسؤولية وزارية خلال هذا العهد، لكن لعن الله كرسي الحكم كم هو لذيذ وشهي، وليس من السهوله أن تفارقه مؤخرتك بعد أن أراحها طويلا، وان أجبرت على مفارقته فإن حنين العودة اليه سوف يلازمك كظلك طوال حياتك. الكرسي في منطقتنا العربية يختلف عن كراسي الغرب، فهؤ يؤمن لمن يجلس عليه كل الصلاحيات والإمتيازات سواء تطابقت أم لم تتطابق مع الدستور، الدستور عندما مرن يمكن ان يمططه الحاكم كما يشاء.
ثلاثة في لبنان كان عليهم الرحيل من المناصب الرسمية وهم الرئيس ميشال عون وصهره الرضيع جبران باسيل، وسعد الحريري، فقد رفضهم الشعب اللبناني، ومن العار عليهم أن يتولوا اية مسؤولية، وللتأريخ لسان سوف يحاسبهم في يوم ما، وطرفان عليهما العودة الى رشدهما الوطني، وتغليب مصلحة الوطن على مصالح ايران وهما الثنائي الشيعي، لا أحد يجهل ان المساومات وتأخير استشارات الرئيس عون بشأن رئيس الحكومة كان الغرض من تأخيرها ـ بإيعاز من الجانب الإيراني ـ لمعرفة مصير ولاية الفقية بعد الإنتخابات الامريكية القادمة، فالثنائي الشيعي وحليفهم عون يخدمان الأجندة الايرانية، وبات الأمر أوضح من اشعة الشمس في رابعة النهار.
من الطريف ان يكلف الرئيس عون سعد الحريري بتشكيل الوزارة القادمة، فقد وضعه في حقل ألغام برلمانية، واسلاك شائكة حزبية، ومشاعل عثرة طائفية وطلب منه ان يجتازه بسلام وأمان، ان كان الرئيس غير قانع أصلا بالحريري، والحريري غير قانع بعون وصهره، والثنائي الشيعي غير قانع بسعد الحريري، واطراف حزبية غير قانعة لا بالحريري ولا بالثنائي الشيعي ولا بعون وصهره، والشعب اللبناني باصق في وجوه الجميع، فأية حكومة ستشكل لو افترضنا تشكيلها قبل الإنتخابات الامريكية مع كل هذه التناقضات والصراعات والتكالب على المصالح الحزبية؟ وماذا ينتظر الشعب اللبناني من زمرة منشطرة ما بين الفساد والعمالة؟
وهل يمكن لمثل هذا الحكومة الوليدة المسخ أن تحقق اي منجز للشعب اللبناني المرهق بمصائبه ومثقل بمصيره المجهول؟ وهل يتمكن المجرب سعد الحريري من أحياء المبادرة الفرنسية وهي رميم؟ بسبب اصرار الثنائي الشيعي على التمسك بوزارة المالية، واصرار جبران باسيل على التمسك بوزارة النفط، بلا ادنى شك بقية الأطراف الحزبية الأخرى سوف تطالب بحقائب وزارية حالها حال الثنائي الشيعي وجبران باسيل، وهذا يعني ان الحريري سيدور في حلقة فارغة، وسيكون العنوان الرئيس لوزارته (فشلنا أكيد وحتمي في علاجك يا شعبنا الجريح).
الغريب في خطبة عون انه لم يتطرق الى أهم معظلة في الشأن الداخلي اللبناني وهي النفوذ الايراني في لبنان عبر عمليها الثنائي الشيعي، وتسخير الثنائي المسخ كل مقدرات لبنان لصالح الولي الفقيه، ربما هذا خط أحمر لا يمكن للرئيس عون ان يتجاوزه، ولكن اليس من الأجدى به ان يخبر الشعب اللبناني عما آل اليه التحقيق في تفجير مرفأ بيروت وقد وعد بإنجازه خلال خمسة ايام، وها نحن مقبلين على مائة يوم من العزلة عن مسيرة التحقيقات الوهمية. كل الشعب اللبناني يعرف من هو المسبب في تفجير مرفأ بيروت ما عدا الرئيس عون ولجنته التحقيقية!!!
من يطلع على خطبة عون يظن انه صار في المعارضة وخرج كلاجيء سياسي من لبنان الى فرنسا، وليس كرئيس لبناني تمت كل الإخفاقات في عهده الأغبر. او ربما أراد ان يوصل رسالة الى الشعب اللبناني ان (الرئيس القوي) كان (أضعف من الجرذ)، وانه كان متفرجا على مسرح الأحداث، ولم يكن بمقدرته ان يفعل شيئا، انه رئيس عاجز، ولكن الدستور يحمله المسؤولية ولا يسمح بوجود رئيس عاجز، ويفترض به ان يصارح الشعب اللبناني بأن (الرئيس القوي) أضعف من ان يقف أمام التيار الشيعي، او ان يحفظ القطرات المتبيقة من كرامته ويستقيل من الرئاسة احترما للشعب اللبناني الذي يمر بأسوأ حال في تأريحه، لبنان بحاجة الى زعيم قوي، يؤمن بشعبه، ويعمل على تحقيق مصالحه العليا، وان يكن ثابتا في مواقفه وليس الى نعامة تخفي رأسها في الرمال.
ان التيار الوطني الحر بعد ان تيقن بأن الرئيس الحريري قد نفض يده منه، وعدم اتصال الحريري بصهر الرئيس جبران حول تشكيل الحكومة القادمة هو الذي يقف وراء تهجم الرئيس عون على الحريري، ومطالبته مجلس النواب بعد تكرار المجرب، مع ان عون نفسه مجرب، وموقفه لا يختلف عن موقف الحريري كمجربين، كان على عون ان ينظف نفسه قبل ان يطلب من مجلس النواب ان ينظف الحكومة.
أن قيام عون برمي كرة الفشل من ملعب الرئاسة الى ملعب مجلس النواب، انما يعني ان الصراعات الحزبية سوف لا تغادر الملعب اللبناني مطلقا، وعلى الشعب اللبناني ان لا يقف متفرجا على المباراة، مصير لبنان على كف عفريت، وآن للشعب اللبناني أن يحي ثورته الجبارة، ويقلع الفاسدين من أرضه المعطاء، لبنان دولة جميلة ومتحضرة وغنية وقبلة العرب، وشعبها واعي ومثقف، لا ينقصها سوى حكومة وطنية وزعماء شرفاء، وسيادة حقيقية بعيد عن الصراعات الإقليمية.
مسار التأليف سيكون اكثر صعوبة وتعقيدا من مسار التكليف، ويبقى الموقف الأقليمي والدولي أكثر تأثيرا على التكليف من الداخل اللبناني، فمخاض التأليف قد يستغرق فترة غير قليلة للخروج من عنق الزجاجة، وربما يتعدى ظهور نتائج الإنتخابات الامريكية. وفي كل الأحوال فأن الحريري بتكليفه الحالي رهن تأريخه ومستقبله السياسي بها، فالتحديات أكبر من الحريري، وستُفضح الصفقات السرية عاجلا أم آجلا ، ولات ساعة ندم يا سعد الحريري.
ميشال عون: هل هو رئيس جمهورية أم مراقب سياسي؟
بقلم : علي الكاش ... 01.11.2020