أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
الضّوْضاء البَشرّية!!
بقلم : مها صالح ... 29.09.2021

بات عالمُنا مَشاعًا لمن يتمكن من فرض سطوتِه بطريقة غير مَشروعة أو اقتناص الفُرص بطريقة غير سوية أو التسلق على نجاحات البعض بطريقة لا أخلاقية. ترنح الضّوابط في العلاقات الاجتماعية بين البشر أدت إلى فُقدان الخصوصية ووضع الناس بعضهم البعض تحت المِجهر والمُحاسبة والمُناكفة واصطياد الاخطاء لغايات خبيثة ونوايا شريرة. قالها ناجي العلي في إحدى رسومه الكاريكاتورية:" أخشى ما أخشاه أن تصبح الخيانة وجهة نظر". لكن انا هنا أُضيف لم تتحول فقط الخيانة إلى وجهة نظر، بل تحول الكذب إلى وسيلة مشروعة للوصول على مبدأ ميكافيلي الغاية تبرر الوسيلة، تحول النفاق إلى شرط لكسب التأييد، تحولت النرجسية إلى متلازمة العنجهية المطلوبة لتحويل الحق إلى باطل، تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى وسائل الدجل الاجتماعي، تحولت العلاقات الإنسانية الطبيعية والتي نجد فيها الخير والشر إلى علاقات مشبوهة امتزج فيها الخير والشر ولم نعد نُميز الخبيث من الطيب، تحول السّتر إلى قِناع لِنُخفي وراءه سلوكيات شاذّة. تحولت العَولمة الصحيحة والمطلوبة إلى أداة لطمس الهوية. كل شيء تحوّل للنقيض وليس فقط الخيانة يا ناجي!
أعود أكرر واكتب مرة أخرى أنا لست ضد التغيير والانفتاح، لست ضد التطوير الذي يتناسب مع المرحلة، والرقي والذي هو شرط في الحياة لنحافظ على نقاء أنفسنا ودواخلنا، لكني ضد الخروج عن القاعدة والتي هي رِهان الغير أسوياء في مجتمعاتنا العربية. ضد الأقنعة التي باتت منظومة حياة عند البعض الكثير، ضد الكذب واللف والدوران والنفاق والذي بات مِلحُ الحياة عند الأغلب.. كل ما ذكرت أصبح رائجاً ومن غيره لا يصل البعض إلى غاياتهم. بات الحٌكم على الأشياء من المظهر من أعلى مستويات الغباء المُجتمعي والذي يَخدع كثيرا ونقع فيه فريسة التصور الخاطيء بناءاً على معطيات شكلية خادعة تِبعاً لنوايانا السليمة. كُنا نعتقد بأن المستورة لا تَغوي، وبأن من يُصلي لا يَكذب، وبأن الكبير ورِع وبأن الصغير بريء وبأن الأم أم مثالية ومُضحّية وبأن الأُسرة عِماد الحياة، وبأن صاحب الكفاءة والخبرة والعلم مُقدّر وبأنك في وطنك لا تجوع وبأن الغربة نِقمة، وبأن العلم نور، وبأن التنافس شريف... كنا وكنا وكم كنا أغبياء أو صادقون أو طيّبون!
لا أدّعي المثالية أو الكمال، لكن على الأقل صادقة مع نفسي ومع من حولي، حتى الصدق يُكلفني ويفقدني الكثير لأن مُجتمعنا تَعوّد على الرّياء والزيف والخِداع. مُتصالحة مع مكنوناتي ولا ادّعي عِلما ليس لي، أو صفةً ليست من حقي. أعمل ما يُسعدني ويُريحني، لا ما يُعجِب الغير لأصل لهم. أُعطي مَن يستحق العطاء، أُثني على من يَستحق الثّناء، أصلي لله، أربي أولادي لأني مسؤولة عنهم أمام الله وليس فقط لأني أم، ليس كل من تُنجِب أُم! تبدلت القِيم والمفاهيم بطريقة خَطرة جدا فأصحبت الطيبة عند البعض عُنوانا للغباء والاستغلال، أصبح الصدق مكروها، أصبحت الاستقامة اعوجاج، أصبحت المرأة عدو المرأة، أصبح الحَسد وسيلة للشعوذة والانتقام، أصبح الجمال أداة للابتزاز، أصبح الحقير الغني خَيرٌ عند البشر من الطيب الفقير، أصبح النجاح ذريعة للتدمير.
اذا وصلنا إلى هذه المُعادلة البَسيطة بأن تكون أنتَ لأنك أنتَ وليس إرضاءا لغيرك أو انتقاماً لخصمك حتى تثأر لنفسك وأن يكون ضميرك يَقِظاُ نكون قد وفّرنا على أنفسنا وعلى غيرنا ضَريبة خسارة العلاقات وتَراكم الاحقاد وتزاحُم الآثام وضَياع المجتمعات وفوضى الغايات.
كما قال الشاعر أحمد شوقي: " إنما الأُمم الأخلاق ما بَقيت...فإن هُم ذَهَبت أخلاقُهم ذَهبوا. صَلاح أَمرِك للأخلاق مَرجعه أنت...فقوّم النفس بالأخلاق تَستقم لك الحياة وغير ذلك فَنحنُ مُقبلون على الأسْوأ على جميع الأصعدة..
لا أحِب أن أبدو سلبية بطرحي لكن موضوعية بدون تعميم ويبقى لكل قاعدة شواذ، لكن رغبةً مني بأن نضع أصبَعُنا على الجرح لنوقف نزيف تدهور الأخلاق والقيم والمفاهيم الصحيحة للحياة. أردت أن أكون موضوعية وأدق ناقوس الخطر حتى يَتنبّه الجميع بالخطر المُحدق على الجيل الحالي والاجيال القادمة. إن قبِلنا بالخطأ سَيتحول إلى خطيئة مثل الخيانة إلى وجهة نظر وقِس عليها كل شيء.
الله يرحمك يا ناجي!

1