أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
في بلاد الربيع العربي. المرأة أول المتظاهرين وآخر المواطنين !!
بقلم : الديار ... 06.09.2013

مكاسب المرأة العربية تشهد تراجعا بعد مسيرة عقود من النضال ضد عقلية التخلف التي تريد العودة بها إلى عصر الحريم.
تشير الإحصائيات والتقارير إلى أن المكاسب التي حققتها المرأة العربية بعد مسيرة عقود طويلة من النضال تشهد اليوم تراجعا مقارنة بما تحقق في الماضي.
لم تكن نسرين تعلم أن صوتها الذي صرخ يوم 14 يناير-كانون الثاني مناديا بإسقاط النظام، سيتحوّل يوما ما إلى «عورة» يجب حجبها و»نشاز» يجب إخراسه في تونس، هذا البلد الذي تحظى فيه المرأة بحقوق لا مثيل لها في أي دولة عربية.
وشعرت نيفين بخيبة كبرى بعد أن قضت الأيام والليالي في ميدان التحرير، متحدّية أدوات قمع رجال نظام مبارك وظلمهم، ليأتي حاكم إخواني يأمر بحبسها داخل «بيتها» ويمنع خروجها.
وتعلّق نيفين بسخرية على حال المرأة المصرية خلال فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي: «لو كان قاسم أمين يعلم أن نساء بلاده في الألفية الثالثة سيعود بهنّ الحال إلى عصر الجاهلية لما كان أتعب نفسه وجاهد في سبيل أن تنال المرأة حقوقها».
في ذات السياق، تقول نسرين، المرأة التونسية كانت في الصفوف الأولى وتظاهرت جنبا إلى جنب مع الرجل ضدّ نظام بن علي، واستبشرت خيرا بعد نجاح الثورة التونسية واعتبرتها بداية لإكمال مسيرة المدافعين عن حقوق المرأة في تونس.
لكن، فجأة تحوّل هذا الربيع إلى شتاء قاتم عاد بالمرأة التونسية خطوات كثيرة إلى الوراء عوض أن يتقدّم بها، «حتى أننا أصبحنا نخشى على مكاسبنا السابقة وحقوقنا التي تعتبر الأفضل بين النساء في العالم العربي بل وفي بعض دول العالم المتقدّم».
سوسن ونيفين نموذجان يعكسان خيبة الأمل التي أصيبت بها المرأة العربية من تونس إلى مصر إلى اليمن وليبيا وسوريا؛ حيث كان للمرأة حضور بارز في الثورات العربية، لكن حين وصلت بعض الثورات مرحلة «قطف الثمار» وجدت المرأة نفسها مغيبة.
وتجسّدت خيبة الأمل والقلق حول مستقبل المرأة العربية، في ظل التطوّرات التي تشهدها المنقطة، محور منتدى المجتمع المدني الأورومتوسطي في العاصمة البلجيكية، بروكسل.
وعبرت ناشطات مدافعات عن حقوق المرأة عن القلق والتوجس خلال استعراض حصيلة تحولات «الربيع العربي» على وضع الناس مع إبدائهن إصرارا على الضغط لمواجهة القوى الإسلامية وتحديات تصاعد العنف، خلال النقاشات التي دارات في نطاق المنتدى.
إطار ديني
شارك في المنتدى، الذي استمر يومين، ممثلو العديد من جمعيات المجتمع المدني وحقوق المرأة، من أوروبا والعالم العربي، ليتركز النقاش حول أوضاع المرأة في الدول التي تشهد تحولات ما يسمى «الربيع العربي»، كما قدمت ناشطات من سوريا ومصر وليبيا وتونس شهادات وتوصيات.
ورأى المدير التنفيذي للشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان مارك شايد، أن «هناك قدرا كبيرا من الإحباط، وشعورا بأن المعركة هي أكثر قسوة مما ظن الناس». وأوضح شايد أن «الإحباط كبير لوجود قوى عديدة محافظة رفضت تضمين حقوق النساء في الدستور، وأرادت وضعها في إطار ديني».
وتخشى نساء في بلدان «الربيع العربي» من أن تتحوّل الصورة المشرقة التي تطمح إلى رسمها إلى صورة قاتمة في ظل المد الديني المتطرّف الذي تم تعتده كثير من هذه البلدان، على غرار تونس التي تعدّ منارة الإسلام المعتدل.
وفي حين أن حركة النهضة، التي فازت في الانتخابات بأكبر عدد من المقاعد في المجلس التأسيسي، وعدت بعدم فرض سلوكيات معينة على المجتمع التونسي واحترام حقوق المرأة، تقول الكثيرات من الناشطات إنهن لا يصدقن وعودها. وخرجت التونسيات في مسيرات للمطالبة بعدم المساس بالقوانين والمكتسبات التي تضمن حقوقهنّ، على غرار مجلة الأحوال الشخصية وقانون 1956 الذي يمنح المرأة التونسية مساواة كاملة مع الرجل.
في مصر، وبعد وصول الإخوان إلى الحكم، فقدت المرأة أحد أبرز مكتسباتها التي ظلّت تطالب بها لسنوات، حيث ألغيت الحصة التي كانت مخصصة لها وهي 64 مقعدا ليتراجع تمثيل المرأة في مجلس الشعب من 12 بالمئة إلى 2 بالمئة بعد حصول حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين إلى جانب السلفيين على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية.
وبعد سقوط الإخوان تؤكد المصريات على أن المعركة مستمرة من أجل حقوقهن خاصة وأن الإسلاميين نجحوا، خلال الفترة القصرة التي سيطروا فيها على الإعلام وبعض المؤسسات الحيوية في الدولة، على غرار المؤسسات التعليمية والدينية، في تشويه صورة المرأة واعتبار كل من يطالب بتحريرها من سلطة المجتمع الذكوري «كافرا».
ومن الحقوق التي تتمتّع بها المصريات وتسعى إلى الحفاظ عليها بل وتحقيق تقدّم فيها قوانين الأحوال الشخصية الخاصة بالحضانة والولاية التعليمية وقانون الخلع.
مكافأة المرأة الليبية
مثّلت المرأة الليبية الحدث حين خرجت بعد سنوات طويلة من «الاحتجاب» إلى الشوارع ونظّمت المسيرات المنادية بسقوط النظام وبالحرية والكرامة، فكان جزاؤها أن تم إلغاء كوتة المرأة التي تبلغ 10 في المئة في أول مسودة لقانون انتخابات رغم المعارضة الشديدة من جانب منظمات حقوق المرأة، أيضا تم إقرار قانون يجيز تعدّد الزوجات في ليبيا بعد أن كان هذا الأمر محدّدا بشروط صارمة.
وفي اليمن مثّل حصول الناشطة توكّل كرمان على جائزة نوبل للسلام إنجازا هاما للمرأة اليمنية إلا أن ذلك لا يمنع أن يكون اليمن البلد الأسوأ بالنسبة إلى أوضاع المرأة على مستوى العالم. وتعاني النساء في اليمن من التمييز والتهميش، ومن مظاهر ذلك ارتفاع نسبة الأمية في صفوف النساء وتدني نسبة المشاركة الاقتصادية والسياسية وضعف تمثيلها في مجلس النواب وفي مراكز صنع القرار مما يساهم في وجود التمييز عند تشريع القوانين الخاصة بحقوق المرأة وتعطيل المطالب المنادية بالمساواة بين الجنسين.
ورغم الدعوات العديدة والمستمرة التي تطالب بتحقيق حقوق المرأة في المجتمعات العربية تشير الإحصائيات والتقارير إلى أن المكاسب التي حققتها المرأة بعد مسيرة عقود طويلة من النضال، دفعت خلالها ثمنا باهظا للخروج من بين أسوار «الحرملك» إلى الحياة، قد تعثرت، بل إنها تشهد اليوم تراجعا مقارنة بما تحقق في الماضي؛ وبعد أن كانت تفكّر في السبل التي ستجعلها تتقدّم في مسيرتها نحو تحقيق المزيد من الحقوق أصبحت تفكّر كيف تحمي حقوقها التي حصلت عليها في الماضي.
ويرى المدير التنفيذي للشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، مارك شايد، أنه رغم الوضع الصعب الذي وجدت فيه المرأة العربية، في بلدان مثل تونس والعراق ومصر…، إلا أنها في المقابل ترى في هذا الوضع فرصة تجعلها مصرة على التأثير في مجرى التحولات. ويقول: «لصوت النساء حضور أكبر، وهذا يرتبط بتحسن الحقوق المدنية والسياسية عموما في المنطقة»، ويضيف «لكن لا يوجد ضمانة بأن هذا التحسن سيدوم». ورغم «القلق الشديد حول تدهور وضع النساء في البلدان الخاضعة لعملية الانتقال»، إلا أن التطورات في تلك البلدان «جلبت أسبابا للأمل في مجالات الحرية والمساواة والديمقراطية».
سوريا على خطى العراق
كانت الأوضاع في سوريا من أبرز عناوين «القلق». وتوجهت ناشطة تونسية إلى المشاركات في إحدى الورشات بالقول: «هل هنالك أتعس من هذا؟»، بعدما كانت تندد بما سمي «جهاد النكاح»، وشرحت كيف إن فتاوى دعت التونسيات إلى ممارسته في سوريا دعما للإسلاميين المتطرفين الذي يقاتلون النظام السوري. وأكدت المشاركات خلال النقاشات أن النساء هن أكثر من يدفع ثمن تحول الصراعات إلى عنف وحروب، وتعتبر المرأة العراقية خير دليل على هذه المعاناة، وهناك مخاوف من أن تلاقي جارتها السورية مصيرا مشابها.
سيطرة التيارات الإسلامية تضع قضايا النساء في خطر
لقد سلبت الأحزاب الدينية والطائفية حرية المرأة العراقية، التي كانت في الماضي تصنّف على أنها الأفضل من بين نظيراتها العربيات، لكنها اليوم تعيش واقعا متخلفا مريعا تحت سطوة سلطة أعادتها إلى قرون الظلام والحريم. ولا تخفي الصحافية السورية رولا أسد وجود «خطورة كبيرة» تهدد وضع المرأة والحقوق في بلدها الذي تعيش خارجه منذ أواخر 2011، وهي عضوة في «شبكة المرأة السورية» التي تأسست قبل أشهر في القاهرة. وبشيء من الحسرة، تروي كيف تغير الدور الذي لعبته المرأة من «فعّال وكاسر للتقاليد» في المرحلة السلمية ثم بعد التسليح «انقلب إلى تقليدي من تمريض وطبخ».
لكن طوال تلك المراحل كانت المرأة تدفع الثمن كما تقول «المرأة استخدمت كأداة في الحرب، عبر تعرضها للاغتصاب والاختطاف للمساومة عليها، سواء من النظام أو من الجهات السلفية» المعارضة.
الصحافية الشابة تعمل مع أخريات الآن لتشكيل شبكة «صحفيات سوريات»، وتشدد على أهمية الضغط على «كتل المعارضة، فكلها لم تلحظ حقوق المرأة في إعلاناتها وبياناتها».
خوف من الإسلاميين
أبرزت المداولات، خلال المنتدى، عدم ثقة عميقة بالإسلام السياسي، وشكلت تجربة حكم جماعة الإخوان في مصر مثالا لتخوف الناشطات، بعدما تراجع تمثيل المرأة في البرلمان هناك من 12 بالمئة إلى أقل من 2 بالمئة.
وأمام حضور الجلسة الافتتاحية للمنتدى، روت رئيسة الاتحاد النسائي الليبي سميرة مسعودي كيف أن حجابها لم يمنعها من الوقوف في وجه رجال السياسة وهم يصوغون ملامح مستقبل بلدها. وقالت إنها طالبت بأن يتم ضمان حقوق المرأة عبر «الدستور وليس الشريعة»، شارحة أن 10 أحزاب وافقت على ذلك «إلا حزب العدالة والبناء المرتبط بالإخوان المسلمين». وطالبت الناشطات بتضمين التوصيات بأن تمارس الدول الأوروبية ضغوطا على الدول العربية لتطبيق حقوق المرأة. وتوحدت المطالبات لاشتراط ضمان المساواة بين المرأة والرجل في الدستور والقانون مباشرة وصراحة، كأساس لا يمكن استبداله بعبارات «مراوغة ومطاطة عن احترام حقوق الإنسان»، كما قالت إحداهن. وعلت الأصوات المطالبة بدساتير تكرس فصل الدين عن الدولة، ورفض ربط تطبيق حقوق الإنسان بما يسمى «الخصوصية الثقافية» خوفا من العودة إلى تقييدها بمرجعيات الشريعة وغيرها.
وقال رئيس منبر المجتمع المدني الأورومتوسطي زياد عبدالصمد «أحذركم، غير مقبول القول إن حقوق النساء مسألة ثانوية مقارنة مع كفاحات أخرى».

1