**الجمعيات النسائية ترجع استفحال ظاهرة السلفية في المجتمع إلى انتشار الفقر وقلة الوعي في الأحياء الشعبية والمناطق النائية.
تونس- تشدد المرأة التونسية على أن معركتها مع الجماعات الإسلامية هي "معركة مصيرية، لأن الإسلاميين يهدفون إلى إسقاط نمط مجتمعي وهابي سلفي على المجتمع التونسي الذي يعتنق المذهب الأشعري المتسامح" الذي يرفض التعامل مع المرأة كـ: "حريم" بل يمنحها حريتها في المجتمع لتساهم إلى جانب الرجل في الحياة العامة بما في ذلك طبعا الحياة السياسية.
وخلال الأشهر الأخيرة نجحت النساء التونسيات في إنشاء عشرات الجمعيات النسائية، التي تدافع عن حقوقهن السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وطورت أشكال نضالها من مجرد مظاهرات عفوية ومتناثرة إلى أشكال من التنظيم، ما أثار حفيظة الإسلاميين الذين يخشون من بروز "قوة معارضة" نسائية، تضاف إلى المعارضة العلمانية فتعزز صفوفها وتضعف من احتمالات أسلمة المجتمع.
وتحولت هذه المخاوف إلى واقع، عندما نزل عشرات الآلاف من نساء تونس يوم 13 أغطس الماضي، في مظاهرة ضد حكومة حركة النهضة بمناسبة صدور قانون الأحوال الشخصية، الذي أصدره زعيم تونس التاريخي الحبيب بورقيبة عام 1959.
ويعد هذا القانون من أهم القوانين العربية ريادة، لكونه يمنع تعدد الزوجات وينص على الزواج المدني ويكفل للمرأة حقوقها الاجتماعية في علاقتها بزوجها وبالمجتمع.
ويرمز القانون الذي تفتخر به المرأة التونسية، إلى انتصار نساء دولة الاستقلال المدنية على القوى التقليدية والدينية التي فشلت آنذاك في منع إصدار القانون.
وتعكس "المواجهة" بين المرأة التونسية والجماعات الإسلامية معركة حول "النمط المجتمعي"، إذ في الوقت الذي تتمسك فيه نساء تونس بالدفاع عن "مجتمع حديث ومتحرر"، يدفع الإسلاميون باتجاه بناء "مجتمع ديني سلفي" يقوض من الأساس طبيعة المجتمع التونسي، وفق ما يذهب إليه الأخصائيون الاجتماعيون. ويشدد الأخصائيون على أن المرأة التونسية مثلت لعقود طوال "عنوان الحداثة ورمزها"، لا فقط من خلال الأدبيات الثقافية ومنظومة القيم وإنما أيضا من خلال تجربتها في المجتمع بعد أن نجحت في اكتساح أغلب المجالات.
ولهذا الرأي ما يؤكده في الواقع، فالمرأة التونسية تمثل اليوم أكثر من 30 بالمئة من القوى النشيطة، وأكثر من 50 بالمئة من المدرسات في مؤسسات التعليم بجميع مستوياتها وتمثل حوالي 30 بالمئة من سلك القضاء. كما اكتسحت المرأة وبنفس النسب تقريبا قطاعات حيوية أخرى مثل المحاماة والطب والصحافة وقطاع الإعلام الذي يبدو اليوم "شوكة في حلق الإسلاميين".
ونجحت المرأة في نحت صورة متحررة لنفسها في المجالات الثقافية مثل المسرح والسينما والفنون التشكيلية ما جعلها تثير غضب الإسلاميين الذين يرون في "أعمالها الثقافية انتهاكا للقيم الإسلامية".
أما اجتماعيا فقد تحولت المرأة التونسية خلال العقود الماضية إلى شريك فاعل تساهم جنبها إلى جنب الرجل، في تنمية المجتمع وتحسين أوضاع الأسرة دون أية قيود ما جعلها تحتل مراتب متقدمة في تصنيفات منظمات إقليمية متخصصة في قياس دور المرأة في المجتمع.
غير أن مثل هذا الوضع يمثل مصدر قلق بالنسبة للإسلاميين الذي يستنقصون من مكانتها، ويسعون إلى بناء مجتمع ذكوري ينسف من الأساس حقوقها بما في ذلك حقها في الشغل، حتى أن قادتهم يرون أن حرمانها من العمل سيوفر فرصا للقضاء على بطالة الشباب.
ومنذ وصول حركة النهضة إلى الحكم إثر انتخابات 23 تشرين الأول 2011، باتت الجماعات الإسلامية تهدد حقوق المرأة ،في بلد كثيرا ما اعتبرها رمزا لحداثته، بل علمانيته حتى أن ما يسمون أنفسهم أمراء تلك الجماعات، لا يترددون في المجاهرة بتعدد الزوجات، وهو مطلب تعتبره المعارضة والمرأة التونسية خطا أحمرا، والرجوع بالمجتمع إلى عصور الانحطاط. وإزاء الأخطار الجدية التي باتت تهدد حقوقها تحت ضغط الجماعات الإسلامية تحركت المرأة التونسية في الأشهر الأخيرة ونظمت صفوفها في إطار جمعيات حقوقية وقانونية وتنموية واجتماعية لتقف ضد مشروع أسلمة المجتمع.
وترى الجمعيات النسائية أن استفحال الظاهرة السلفية في المجتمع التونسي دليل على أن المعارضة العلمانية ضعيفة غير قادرة على تقديم بديل يحمي التونسيين من "تسونامي الوهابية"، الذي اكتسح نساء أميات وفقيرات في الأحياء الشعبية وفي الجهات المحرومة، في نوع من الابتزاز الاجتماعي والثقافي أو المقايضة بلبس النقاب مقابل خدمات اجتماعية.
تونس: المرأة التونسية تخوض معركة الحداثة ضد الإسلاميين !!
بقلم : الديار ... 18.09.2013