" قضبان النوافذ في السجن تنقلب أوتار قيثارة لمن يعرف أن ينفث في الجماد حياة" هذا ما قالته الأديبة والشاعرة العبقرية "مي زيادة" شاعرة القرن العشرين عم من يريد أن يفعل ولا يفعل, ينتج ولا ينتج, يخلق من الموت حياة ولا يسعى, يستسلم ولا يثور.
عندما كنت أدرس بالجامعة طلب عمل بحث في مادة للغة العربية والحديث عن أى شخصية أدبية تعبر عن آراؤك وشخصيتك, فأول من جاءت في مخيلتي الأديبة" مي زيادة". كنت قد قرأت عن مسيرتها الشعرية والأدبية في المدرسة, لكن لم أكن أعي تماما العمق اللغوي والمفردات التعبيرية والصور الشعرية التي كانت تتمتع بهم "مي زيادة" , لكن شعرت بانجذاب لشخصيتها وهذا ما جعلني أختارها لبحثي والحديث عنها.
أبحرت في محيطها وشربت من ماءها وأينعت عندي جمال الحياة من ناحية وظلم العباد لها من ناحية أخرى وقهر الحياة والعباد لها معا من ناحية ثالثة.
لست في معرض الحديث عن " مي زيادة" كأديبة وشاعرة كان لها وزنها وثقلها في عالم الأدب العربي الحديث, وإنما إستحضرتها كنموذج نسائي تحدى الصعاب وأذاب الجليد عن أفكار رجعية, ودعت إلى الإنفتاح على الآخر بكل إختلافه حتى أنها رسمت أجمل صور العلاقة بين الرجل المرأة المبنية على الإحترام والتبادل الثقافي بمعزل عن إنحصار رؤية الرجل للمرأة على أنها أنثى وجسد بلا عقل وفكر.
"مي زيادة" أزاحت الستار عن النظرة الدونية للمرأة في ذلك الوقت وعملت جاهدة على رفع مستواها الفكري والثقافي. " مي زيادة" فرضت على الرجل إحترام المرأة وعقلها وقدرتها على صنع التغيير. فتحت "مي زيادة" باب الحوار والصالونات الأدبية مع كبار الشعراء والكتاب.
أين المرأة اليوم من النضوج الفكري؟ لن أقول الأدبي لأنه ليس المفروض على جميع النساء أن يكن أديبات أو شاعرات, ولكن ما أقصده أين الثقافة والعلم ؟ والتي باتت بمتناول اليد بفضل التكنولوجيا , لكن ندير لهم ظهورنا بلا أي ندم. أين البناء والتربية؟ أين إنكار الذات والتضحية؟
كل تلك التساؤلات إستفزتني لأطرح هذا الموضوع المهم والمتعدد الجوانب على "مجتمع النساء" في القرن الواحد والعشرين. " خير تشبيه لمعظم" مجتمع النساء" فقاعة الهواء, براقة من الخارج وفارغة من الداخل, الصورة النمطية للمرأة الجميلة وأن تكون كمقولة " كوني جميلة واصمتي" لماذا؟؟ كثرة الثرثرة لا تعني البلاغة عند مجتمع النساء, قليل مفيد خير من كثير بلا مضمون.
كثرت الثرثرة وقل الإبداع, كثرت المجلات وقل العطاء, كثرت الموارد وقل الإنتاج, كثرت الأفكار وقل الخلق, كثرت البشرية وقلت البركة. نملك العقل, لكنه عند الكثيرات نضب وجفت منابعه. الفراغ يقتل الكثير من سيدات المجتمع اللواتي لا يبغين الحيلولة دون منعه من الجفاف وملئه ب طاقة إيجابية نزود بها ماكينات الجسد الفكر.
سيدات المجتمع القرن العشرين بالرغم أن السواد الأعظم منهمن لم يكن متعلمات, لكن كن مثقفات وعلى علم ودراية على مايجري في فلك الأرض, علمتهم الحياة وثقفتهم الأرض معنى الإنسان وقيمة الوجود.
معظم "نساء المجتمع" في هذا الزمان يتسلين بالغيبة, والنميمة, والثرثرة, والحسد والغيرة, وووو, .. واللاتي لا توصل إلا لخلق مشاكل ونزاعات أسرية أو حتى في نطاق العمل. معظم النساء في هذا العصر أينما يكونوا يمشون على مبدأ " فرق تسد" لا يهنأ لهم بال حتى ينفثوا جام غضبهم على العلاقات التي تسعى إلى إحداث تغيير إيجابي أو زرع بذرة الخير في المجتمع والتي من شأنها أن تعلي من شأن الإنسان.
" النفاق" والتلون حسب ما تقتضيه الحاجة بات الصبغة الأساسية للوصول إلى أعلى المراتب أو للوصول إلى غاية ما ضاربين بعرض الحائط القيم والمباديء والأخلاق التي أوصت بها كافة الأديان السماوية. وهنا ألخص ما قالته " مي زيادة" عن التركيبة البشرية : "كنت أحسب الباطل مركباً معقداً والحق بسيطاً واضحاً أما الآن فقد بدأت أرتاب وأتساءل لماذا ترى الناس أقرب ما يكونون إلى اعتناق الباطل؟"
الإنسان بطبيعته يحمل في نفسه قيم الخير والشر, لكن بإرادته يستطيع أن يربي نفسه ويهذبها ويجعلها مطواعة للخير إن أراد, إذا هنا الإرادة هي الفيصل والمفصل بين الخير والشر وبين ما نريد وما لا نريد.
لن أنسى دور الكثيرات من سيدات المجتمع الحالي الذين قاموا بإحداث طفرة علمية وقفزة عالمية أوصلتهم إلى أعلى المراتب, وباتت المرأة تنافس في كافة المجالات وأصبحت الرقم الصعب في المعادلة الحياتية والتي في أغلب الأحيان تكون مقتصرة على الرجل. لكن في معرض موضوعي هذا أردت أن ألقي الضوء على السواد الأعظم من نساء المجتمع الحالي لأنهن الأساس في تربية أجيال المستقبل,فإن صلحوا صلح المجتمع وإن فسدوا فسد المجتمع.
" حتى ولو سار العمود أمامك يهديك سواء السبيل فلا بد أن تكون لنفسك المصباح والدليل"
إعملوا بها وسترون الفرق بمعنى الحياة والوجود وأنكم وجدتم لتهزموا الشر لا أن تحتفوا بموت الخير.
مجتمع حواء!!
بقلم : مها صالح ... 28.04.2017