أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
المرأة العراقية ضحية منسية في مجتمع تحكمه الطائفية!!
بقلم : يمينة حمدي ... 10.09.2017

ّالمرأة العراقية تعيش كالرهينة في مجتمع ذكوري يحرمها من الكثير من الحقوق وخطاب ديني متشدد يفرض حصارا على جميع تحركاتها وصراعات طائفية وأخرى مسلحة تجعلها إما أرملة أو ثكلى أو سبيّة.
علقت المرأة العراقية على إثر نهاية عهد الرئيس الراحل صدام حسين الكثير من الآمال في أن تكون من أكبر المستفيدين، إلا أنها كانت من أكبر الخاسرين بعد أن سادت الفوضى السياسية وأصبحت للميليشيات الطائفية اليد الطولى في البلاد، وبرزت التنظيمات الإرهابية في مناطق متفرقة من العراق.
ورغم أن العراق يملك حزمة من التشريعات والآليات والمؤسسات الوطنية المعنية بالمرأة كوزارة الدولة لشؤون المرأة ودائرة الرعاية الاجتماعية للمرأة وقسم المرأة الموجود في كل وزارات الدولة ومؤسساتها وقسم الرصد في وزارة حقوق الإنسان ولجنة المرأة والأسرة في مجلس النواب العراقي ولجان المرأة في كل مجالس المحافظات، إلا أن التوجّه السياسي والعقائدي والعشائري، فضلا عن التخلف الاجتماعي الذي ساد في البلاد بعد صعود الأحزاب الدينية إلى الحكم، تعدّى على حقوق النساء التي كفلها لهنّ الدستور.
وتعاني النساء في العراق من التهميش والأمية والبطالة، إذ أصبحت نسبة الأميات أكثر من 50 بالمئة، بعد أن كانت نسبة المتعلمات 90 بالمئة خلال خمسينات القرن الماضي، فيما لا تتجاوز مشاركة العراقيات في سوق العمل الـ14.5 بالمئة حاليا.
وسجلت منظمات حقوقية انتهاكات عديدة لحقوق المرأة وبأشكال مختلفة في العراق، حيث تتعرض أكثر من 46 بالمئة من النساء المتزوجات بين سن 15 و54 عاما للعنف وبكافة أشكاله.
ووقعت أبشع أنواع العنف على المرأة العراقية في الآونة الأخيرة وخاصة في ظل تمدد التنظيمات الدينية المتطرفة وفي مقدمتها تنظيم داعش الذي أمعن في إلحاق الأذى والذل بالنساء الإيزيديات في الموصل وسنجار، وقام بسبيهن واغتصابهن والمتاجرة بهن.
وبينت بعثة الأمم المتحدة في العراق أن نحو 1.2 مليون امرأة عراقية قد شرّدن من منازلهن بسبب الخوف من العنف وانتهاكات حقوق الإنسان والتهديدات بالقتل.
وتتزايد أعداد النساء بلا معيل بسبب ترمل الكثيرات نتيجة للحروب وعمليات القتل على الهوية، وأيضا جراء تفاقم عمليات الطلاق بشكل كبير لم يشهده العراق على مدى تاريخه المعاصر، حيث كشفت الإحصاءات الصادرة عن السلطة القضائية الاتحادية العراقية أن حوالي 53182 حالة طلاق مقابل 196895 حالة زواج في العام 2016، ويمكن أن يكون الرقم أعلى من المعلن لأن بعض حالات الزواج غير الشرعي لا يتم تسجيلها في المحاكم لعدم بلوغ الشابات المتزوجات السن القانونية.
ولا تحصل إلا نسبة قليله من النساء اللاتي ليس لهن معيل سوى على معونات مالية بسيطة من الحكومة، فيما يعيش أغلبهن في ظل دوامة من الفقر واليأس، وتتعرض أرواحهن يوميا للخطر وتهدر كرامتهن باستمرار. وينتقل وضع النساء العراقيات يوما بعد يوم من سيء إلى أسوأ في بلدهن الذي تصدر المركز الثاني في قائمة أسوأ البلدان العربية التي يمكن أن تعيش فيها المرأة.
ورغم ظهور الكثير من النساء العراقيات في الواجهات السياسية واحتلالهن 25.2 بالمئة من مقاعد البرلمان ومجالس المحافظات إلا أن المحاصصة الحزبية وسطوة الأحزاب الدينية حالت دون حدوث أيّ تغيير في حياة المرأة الفقيرة والمطلقة والأرملة وزوجة المفقود وأمّ اليتيم.
معاناة في صمت
صحيفة “العرب” تسلّط الضوء على بعض القصص التي تعكس حجم الإحباط الذي تعانيه المرأة العراقية والضائقة المالية والمشاكل الاجتماعية التي تعيشها جراء المصائب اليومية التي تواجهها.
وتكاد تكون قصة الإعلامية صباح عباس الدليمي مرآة تعكس ما آلت إليه أوضاع المرأة العراقية في زمن يرفع فيه العالم قانون حقوق الإنسان على منصاته الدولية.
عباس التي كان صوتها يصدح على موجات الأثير في إذاعة صوت الجماهير العراقية ورافقت مستمعيها منذ سنة 1974 وشاركتهم الأوقات الرائقة والعصيبة لأكثر من ربع قرن ومثلت مصدرا مهما لمعارفهم ومعلوماتهم ترقد اليوم على فراش المرض وتعيش ظروفا اجتماعية صعبة ولا تجد من يساعدها على استعادة عافيتها.
تقول عباس لـ”العرب”، “أرقد على فراش المرض منذ حوالي 4 أشهر بسبب كسر في مفصل الحوض، ولا طاقة لي على تحمّل تكاليف العملية الباهظة جدا، وقد ناشدت وزارة الصحة العراقية وعدة جهات مسؤولة ولكنّي لم أجد من يأخذ بيدي ويساعدني على إجراء العملية لأتمكن من العودة إلى سالف نشاطي” . وأضافت “زوجي توفي منذ 11 عاما، ولا مدخول لي غير راتبي التقاعدي ومقداره 350 ألف دينار عراقي في الشهر، وأعيل منه ابنتي المريضة وأبناءها الأربعة الذين تركهم والدهم في كفالتي وسافر”.
وأوضحت عباس “يجب عليّ تسديد 750 ألف دينار عراقي شهريا مقابل إيجار البيت الصغير الذي نسكنه، وراتبي أقل من نصف معلوم الإيجار، فأضطر أحيانا لبيع بعض أثاث المنزل أو للتداين من الأقارب والجيران والبعض منهم يساعدني بمبالغ بسيطة على وجه الإحسان، ولذلك من الصعب عليّ توفير تكاليف العملية التي تفوق العشرة ملايين دينار عراقي والتي بسببها أعيش طريحة الفراش”. وتابعت “لم أعتد على الشكوى ولكنّ الآلام المبرحة التي أعانيها جعلتني أبحث عن بصيص أمل يعيد لي صحتي، وأتمنى أن أجد قلوبا رحيمة تساعدني على إجراء العملية قبل انقضاء الستة أشهر التي حدّدها الأطباء، لأن بعد هذه الفترة ستصبح بلا جدوى، وقد مرّ الآن حوالي أربعة أشهر”.
وختمت عباس قولها “كم أتمنى النهوض على قدميّ من جديد لتكملة مسيرتي الحياتية، ومعاضدة أحفادي الصغار الذين هم في أمسّ الحاجة إلى الرعاية، بعد أن مرضت أمّهم وتخلى عنهم والدهم”.
ومثل صباح عباس يوجد الآلاف وربما الملايين من العراقيات ممن يعانين في صمت اليأس والحزن والشعور بغياب الحماية، بعد أن أصبحت المعاناة والمآسي من يوميات الحياة في المجتمع العراقي.
وفي مدينة الأعظمية تعيش المرأة الخمسينية فاتن عيسى التي اختطف زوجها من قبل مسلحين من المتجر الذي يعمل فيه منذ أكثر من عامين، ولا تعلم إن كان سبب الاختطاف طائفيا، إلا أنها رجحت، رغم أنّ لا مشاكل لزوجها مع أيّ كان، أن يكون استهدف بسبب مذهبه.
فاجعة اختطاف زوجها ليست المعاناة الوحيدة التي تواجهها عيسى، بل تتجاوز محنتها إلى المعاناة اليومية لتوفير الاحتياجات الأساسية لأسرتها.
تقول عيسى لـ”العرب” وبصوت تعلوه الحسرة “اختطف زوجي ولا أعلم إن كان ما زال على قيد الحياة أم قتلوه، لقد أخذه مسلحون من المتجر، وإلى اليوم لا أعلم شيئا عن مصيره، وترك لي مسؤولية كبيرة قسمت ظهري وحوّلت حياتي إلى عذاب وشقاء”.
وأضافت “ليس لديّ أيّ شغل يحفظ كرامتي وكرامة أبنائي، إننا نعيش على إعانات أهل البر والإحسان التي تصلني من الجامع المحاذي للمنزل وبعض مساعدات الأهل والجيران، ولكنها غير كافية، فلديّ ابنتان تدرسان واحدة في الجامعة والثانية في الإعدادي، أما البنت الكبرى فزوجها تعرض لحادث سبب له عجزا بـ90 بالمئة، ولذلك فلا خيار لها غير العيش معي في نفس المنزل وأنا من يعيلها، فيما تواجه ابنتي الرابعة ظروفا اجتماعية قاسية لأن زوجها عاطل عن العمل أيضا”.
وتابعت “لم يعد يهنأ لي بال أو يغمض لي جفن من بعد اختطاف زوجي الذي كان عائلنا الوحيد، وأصبح همّي الكبير تدبير مصاريف أسرتي التي تزداد يوما بعد يوم بسبب غلاء الأسعار وظروفنا الاجتماعية السيئة”.
وأكدت عباس في خاتمة حديثها أنها طرقت مرارا أبواب دائرة الرعاية الاجتماعية العراقية من أجل الحصول على إعانة مالية تساعدها على مجابهة احتياجات أسرتها، إلا أنها لم تحصل على أيّ رد لا بالإيجاب ولا بالسلب.
قصة فاتن عباس تشبه قصص الكثير من العراقيات ممن رفضن الظهور في دائرة الضوء الإعلامية، وخيّرن كتم معاناتهن في صدورهن.
مدفونات بالحياة
ترى الكاتبة العراقية بان الجميلي أن وضع المرأة في بلادها قد أصبح أكثر قتامة ومأساوية وأن كثرة المسؤوليات الملقاة على عاتق النساء اليوم، وخاصة في ظل تدهور الأوضاع الأمنية وصعوبة الظروف المعيشية، أكبر بكثير من قدرتهن على التحمل.
وقالت الجميلي لـ”العرب” إن “المرأة العراقية تعيش في كل يوم أزمة ومعاناة جديدة تجعل الشمس تغيب عن وجهها، لكن رغم ذلك تبقى أدوارها مشرقة وتضحياتها كبيرة في سبيل ضمان حياة كريمة لأسرتها”.
وأضافت “ترمّل الكثير من النساء بسبب معاناة العراق المستمرة من أعمال العنف وعمليات القتل أو الخطف أو التفجيرات، فهناك من فقدت زوجها وهناك من فقدت ابنها وهناك من فقدت شقيقها وربما عائلتها بأكملها.. والكثير الكثير من حالات الفقدان التي نخرت قلوب العراقيات واضطرتهن لإعالة أسر كبيرة العدد بمفردهن”.
وأوضحت “لكن المرأة العراقية لا زالت صامدة وشامخة ومتحدّية قسوة الحياة، وفي كل يوم نرى الكثير من النساء في طريقهن إلى مهنهن التي أصبحت مشابهة كثيرا لمهن الرجال، وأحزانهن مكتومة في صدورهن لا تبصرها الأعين ولا يعلم بها إلا الله”.
وواصلت الجميلي قولها “هناك فئة من النّساء مدفونات بالحياة في العراق ومنسيات بسبب بعض الأعراف القبلية والعادات الموغلة في التخلف، هؤلاء النسوة عاجزات عن اتخاذ أبسط القرارات التي تخصّ حياتهن، فتموت أحلامهن كلما تقدمن في العمر ولا ناصر لهن سوى الله”.
وتمنت الجميلي أن تسعى الأجيال الجديدة والنخب المثقفة في العراق إلى تغيير النظرة الدونية للمرأة وتقطع مع كل أشكال التخلف التي تستعبد المرأة وتجعلها حبيسة المنزل. وختمت بقولها “النساء العراقيات مزيج من الألم والقيح والحزن لكنهن سيبقين يافعات وشامخات كبغداد تماما”.
ولا يبدو أن الحمل هيّن حتى على المرأة العراقية التي تمتلك وظيفة، فالإعلامية أسماء عبيد كرست جهدها وحياتها لإعالة إخوتها بعد أن توفّي والدها ولم يترك لهم غير راتب زهيد لا يسمن ولا يغني من جوع.
عبيد قد ينظر لها على أنها محظوظة لأنها تعيش في دائرة الأضواء الإعلامية وتحظى براتب شهري يساعدها على مجابهة قسوة الظروف، ولكنها في الواقع لا تعيش في رغد من العيش وحياتها ليست هانئة كما يظن الكثيرون، وبالرغم من ذلك فقد كرّست جهدها لمساعدة العراقيات المعوزات وحاولت أن تكون لهن العضد والسند في غياب الدعم الحكومي.
عبيد قالت لـ”العرب”، “عانيت كثيرا في عملي الإعلامي بسبب الحروب والوضع الأمني المتأزم، ومع ذلك كانت لديّ الشجاعة الكافية للعمل والاستمرار رغم كل الصعوبات والتهديدات تجاه الإعلاميين عموما والإعلاميات خصوصا”.
وأضافت “بصفتي إعلامية ومدافعة عن حقوق الإنسان ومتطوّعة للأعمال الإنسانية لم أدخر أيّ جهد في سبيل مساعدة نساء العراق اللواتي أتعبتهن الحروب والظروف الاجتماعية الصعبة”.
وواصلت “قمت طيلة أربع سنوات بتقديم أقصى ما يمكنني من مساعدات إنسانية للعراقيات وبشكل منفرد، وبعدها انخرطت ضمن فريق متطوعي المركز الوطني للتنمية والإبداع، ثم فريق متطوعي اتحاد الإذاعيين والتلفزيونيين، وجمعنا تبرعات للنساء المعوزات والمهمشات والنازحات، وحاولنا قدر المستطاع الإحاطة بهن ماديا ونفسيا، فتقربنا منهن كصديقات وشقيقات حتى نهوّن عليهن محنهن المتعاظمة”.
وأشارت عبيد في ختام تصريحها إلى أن رقعة المحتاجات وخاصة من النازحات والأرامل قد اتسعت بشكل كبير في العراق وتحتاج إلى دعم أكبر من أصحاب البر والإحسان لانتشال هذه الشريحة من البؤس والضياع للتخفيف من معاناتها.

المصدر : العرب
1