عن هذه الزاوية الضيقة جدا أتحدث، هذه الزاوية التي يخاف الكثيرين التطرق لها والخوض في تفاصيلها، هذه الزاوية التي سيظن البعض أنها زاوية فقط، لكن من زاويتي أراها ركنا أساسيا وعماد صحة العلاقات الإنسانية وخاصة عند النساء. المرأة هي السهل الممتنع، تراها حيينا صاحبة أكبر قلب ومنها ينبع الحنان، وحينا آخر تراها تغزل من غموضها حكايات وروايات لا تشبه احدا غيرها. المرأة كائن حير الحيارى والهب مشاعر الشعراء وسطر من أنامل الكتاب أجمل القصص . المرأة قصة لا تنتهي فصولها بخاتمة، بل تبقى الحكاية بلا نهاية فقط عندما يكون محور الكلام عن المرأة. المرأة لا تفهم نفسها في الكثير من الأحيان لذلك نجد من الصعب من يفهما إلا في حالات معينة وهذا مبني على المرأة التي استطاعت أن تروض شراستها وتهذب ذاتها وتؤمن بنفسها.
نسمع من الكثيرين والكثيرات أن "المرأة عدوتها المرأة " فلماذا قيلت هذه الجملة وما هي مدلولاتها؟ في يوم من الأيام وبصفتي رئيس اتحاد رؤيته الاساسية تمكين المرأة وتأهيلها وإعطائها الفرصة لمكنوناتها أن ترى النور لنهضة ورفعة المجتمعات ، قابلت في أحد الأيام عالمة من علماء العالم العربي لكي تنضم الى هذا الإتحاد وكنت وقتها متحمسة جدا لها ولانضمامها معنا وبدأت بشرح رؤية وأهداف هذا الكيان وكم نحن بحاجة لقامة مثلها. تفاجأت هي هنا وسألتني ممازحة :"ألست خائفة على مكانك عندما تأتي بمن هو قوي ولربما يكون أقوى منك بالشهادات العلمية والانجازات؟ " ، فاجأني سؤالها لكن أسعدني بنفس الوقت، فاجأني لان سؤالها لم يكن مزحة ولا برئ لكن سؤالها كان بعين الكثيرات من النساء اللاتي يعتقدن بأن من تملك شهادة أعلى او خبرات اكثر هي من تستحق أن تكون في القيادة، او لا تعمل تحت قيادة إمرأة مهما كانت محترفة بعملها. أجبتها:" لا أخاف طبعا، بل كل مميز يعمل معي يزيد رصيدي من التميز وليس العكس. كل إمرأة قادرة او عالمة او باحثة أو متمكنة تتمم عملي المحترف الذي لا أقبل أن يكون في إلا في القمة وعليه لا استقطب سوى من يضيف لي لا ينقصني، ويكمل الرسالة معي لا يأدها، ويقوي من رؤيتي لا يعميها. واسعدني سؤالها لأنها صرحت بما تشعر به الكثير من النساء اللواتي ينقصهن الثقة بالنفس والتصالح مع الذات. لماذا أخاف أن يكون في مملكتي ملكات وليس فقط متوجة واحدة؟ لماذا أخاف وأنا أؤمن بمقولة "في الاتحاد قوة وفي التفرقة ضعف"! لماذا اخاف وأنا اؤمن بذاتي ومكوناتي وأعرف أين حدودي! لماذا بعض النساء يعتبرن المرأة عدوة لها في العمل والحياة والعلاقات الاجتماعية؟ لماذا تغلغل هذا الفكر وتجذر في عقولهن وأفئدتهن؟
لا أنسى يوما كنت أتعامل مع من كنت أظنها شريكة في العمل والنجاح بما يخص تمكين المرأة وكم تواصلت معي لاحتياجها لشخص مثلي يملأ مكانا فارغا في عملها وحبها الدؤوب بأن تصبح معروفة وصاحبة إسم، لم ادخر جهدا لمساعدتها والوقوف بجانبها وعلمتها ما لم تكن تعلم حتى عرفت ولمع اسمها، وعندما اشتد عودها ورأت كيف إسمي ينافس إسمها لم يعجبها وأرادت أن تكون الحلبة لوحدها بعد أن عرفت اسرار المهنة. تفاجأت وأيقنت أن المرأة التي تنادي بالعدل والمساوات مع الرجل هي نفسها من تحارب المرأة! والمرأة التي تناشد المسؤولين لحماية حقوق المرأة هي نفسها من تنسفها، عندما يفرغ المحتوى من مضمونه نفقد ما ننادي به من اعتراف بالتواجد. لذلك كانت إجابتي في احدى المقابلات الصحفية عندما سألني الصحفي: “ما رأيك بالمرأة "؟ ، وكانت إجابتي مغايرة تماما عن توقعات الصحفي فقلت له:" المرأة هي عدو المرأة تبحث عن من ينصفها وهي أكثر من يظلم نفسها وغيرها . لنكن واقعيين وحياديين في هذا الطرح ولا نجمل القبيح، بل على العكس تضع اصبعنا على الجرح لنطهره ونمنع عنه أي التهاب مزمن قد يزيد ويفاقم هذه الحالة في مجتمع النساء. عندما تحب المرأة نفسها بعيدا عن الغرور والأنانية ستجد لنفسها مكانا بين الشخصيات المهمة في الحياة. عندما تؤمن المرأة بقدراتها ستبني لنفسها مملكة وتتوج ملكات معها. العمل المحترف لا يقوم على فرد بل على فريق عمل يآزر بعضه البعض لا يتسلق على نجاح الآخرين ولا إنكار لجهود أحد بل عمل مشترك يجمع في أركانه كل عوامل النجاح والتميز. وهكذا أنا أسرد تجربتي بكل موضوعية وتجرد ولدي من القصص الواقعية ما يؤكد حقيقتي بعيدا عن التنظير الذي فعلا مللناه من الكثيرات اللاتي يقلن عكس ما يفعلن.
المرأة قد تدعي حبها للمرأة ومحاباتها طالما أنها لا تشكل خطرا او تهديدا لمصالحها أو أن تزاحمها في العمل والانجاز . المرأة التي تعرف حقيقة شهرة إمرأة وكيف صعدت الى سلم النجاح فتحاول أن تتخلص منها بالتجاهل او حتى محاربتها، لكن عندما تشعر المرأة ان إمرأة أخرى مستسلمة هادئة وأقل منها مكانة فتصاحبها وتجلس معها وتمتدحها وتجاملها بما هو حقيقي وبما هو نفاق. لا أقول عن نفسي ملاك لكن أقول وبفخر أني استطعت أن أرفع من قدر الكثير من النساء وأشد على أيديهن إلى أن أوصلتهن إلى عنان السماء فرحة بإنجازي الحقيقي ورؤيتي وهدفي بأن أمكن المرأة حتى لو كانت تملك أعلى الكفاءات. يجب على المرأة أن تفهم نفسها اولا وتحدد اولوياتها وتؤمن بما تملك وتستثمره في الحياة لتنطلق بشجاعة نحو هرم التميز لأن القاع مليء بمن يشبهن بعضهن البعض.
تعلمت من الحياة التشاركية وأن يد واحدة لا تصفق، تعلمت بأن لكل إنسان مكانه ومكانته الخاصة ولن يزاحمك عليها أحد حتى لو تفوق عليك بالشهادات العلمية او الخبرات العملية لكنه يكملك برسالتك في الحياة او هكذا يجب أن يكون الدور الحقيقي للمرأة عندما تصبح صديقة المرأة . لنجعل من صداقة المرأة للمرأة وحبها لنجاحها والأخذ بيدها عدوى بين النساء بدون أي لقاحات للحد منها. لنجعل منها ظاهرة وليس حالات فردية. لتكن نهج حياة وليس ضمن إطار. عندما تكون المرأة صديقة المرأة هو تجسيد لجمال لوحة مكتملة الألوان والأركان .
ليت هنالك الكثير من النساء بالوطن العربي بفكرك النير وثقتك الجامحة، وكيف يكون هنالك وقد خُلق التميز لك...
ليت التميز يُقاس بالشهادات لكان هنالك الكثير من أصحاب الشهادات العُلياء بالقمة، بدل من حملهم لبعض اوراق ورؤوس جوفاء....
خُلقتي لا تكوني بلا منازع يا مها، وخُلق التميز لك...