أحدث الأخبار
الأربعاء 13 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
"غسل العار" مبرر يحرك آلة الإجرام ضد النساء في الجزائر!!
بقلم : الديار ... 14.12.2023

لم تستطع حزمة القوانين التي وضعها المشرع الجزائري حماية المرأة من العنف، كما أن النظام القضائي في البلاد لا يوفر الحماية للنساء بشكل كاف ويصدر أحكاما مخففة على بعض مرتكبي جرائم قتلهن، ما ساعد في تفشي الظاهرة. وغالبا ما تكون الموروثات والأعراف الاجتماعية وراء جرائم القتل التي تستهدف النساء، حيث تكون الضحية عادة قد أقامت علاقة غير شرعية ما يبرر قتلها.
الجزائر - لا تزال الأرقام المقدمة من مختلف الجهات الرسمية حول حالات العنف ضد المرأة تفزع الجزائريين، وبالرغم من حزمة القوانين التي وضعها المشرع للقضاء على الظاهرة، إلا أنها تستمرّ في منحىً متزايد عمّا سجل في السنوات الماضية.
وقدم ناشطون مدنيون مؤشرات مقلقة حول ارتفاع العنف ضد المرأة في الجزائر، حيث يتم تسجيل مقتل امرأة كل أسبوع منذ العام 2019، لأسباب تتصل بموروثات وأعراف اجتماعية كالشرف والعفة، وهو ما يطرح إشكالات تفشي ظاهرة العنف بشكل مطرد ضد الفئات الهشة كالأطفال والنساء.
وكشفت الناشطة في جمعية “فيمينيسد الجزائر” وئام أوراس أن بيانات بحوزتها تشير إلى مقتل 33 امرأة خلال العام الجاري، بينما تم تسجيل مقتل 261 امرأة جزائرية منذ العام 2019، وهو ما يعادل امرأة كل أسبوع، مستندة في ذلك إلى إحصائيات يتم جمعها من صفحات الحوادث في وسائل الإعلام المحلية، مما يبقي الرقم غير ثابت في ظل فرضية عدم وصول المعلومة في بعض الحالات إلى الصحف والمواقع الإخبارية.
ولفتت المتحدثة إلى أن غالبية الضحايا هن من الأمهات، و16 منهن كن حوامل وقت وقوع الجريمة في حقهن، وهو ما يشير إلى أن الموروثات والأعراف الاجتماعية وراء جرائم القتل التي تستهدف النساء، حيث عادة ما تكون الضحية قد وقعت في علاقة غير شرعية، سواء كانت عزباء أو متزوجة، الأمر الذي يندرج في التقاليد المحلية ضمن “العار الذي يتوجب غسله”.
وذكر تقرير الجمعية بأن “غالبية الضحايا تعرضن للطعن أو الذبح أو الحرق أو القتل بأسلحة نارية، وأن القاسم المشترك بينهن هو أنهن نساء يعشن في مجتمع تهيمن عليه العقلية الذكورية والسلطة الأبوية، وأنه من الأسباب البارزة في تلك الجرائم هي حماية الشرف والاضطرابات النفسية”.
وأضاف التقرير أن “80 في المئة من الحالات يكون فيها الجناة من أفراد عائلة الضحية، وأنه من ضمن 61 في المئة من الحالات، كان القتلة هم الأزواج وبعضهم ضباط شرطة أو جنود قتلوا زوجاتهم بسلاح الخدمة، وفي حالات أخرى قتلت أمهات على أيدي أبنائهن، في حين تم تسجيل تواطؤ عائلات بأكملها في عملية القتل، كما كان الحال مع نهال البالغة 19 عاما التي قُتلت في مارس 2022 على أيدي أقاربها لأنها كانت حاملا وهي غير متزوجة”.
وتابعت الناشطة المهتمة بشؤون المرأة أن معظم عمليات القتل وقعت في بيئة مغلقة مثل المنزل ومكان العمل، في إشارة إلى وقوع الجرائم في دائرة الإصرار والترصد.
واعتبرت الجمعية أن النظام القضائي الجزائري يعتريه بعض القصور في هذا المجال، كونه لا يوفر الحماية للنساء بشكل كاف من العنف ويصدر أحكاما مخففة على بعض مرتكبي جرائم قتل النساء، فخلال أربع سنوات صدر 13 حكماً بالإعدام في الجزائر على خلفية قتل نساء، تم تخفيفها كلها إلى السجن المؤبد بموجب وقف تنفيذ عقوبة الإعدام في البلاد المعمول به منذ عام 1993.
وقال المختص في علم النفس حمزة لعزازقة إن “الأسباب المؤدية إلى العنف ضد النساء عديدة ولا يمكن حصرها، فمنها ما هو شخصي يتعلق بالمعتدي وحتى المعتدى عليها، ومنها ما هو راجع إلى النسق الأسري وأخرى نتيجة التحول الاجتماعي والثقافي للمجتمع الجزائري، أين نلاحظ فرقا بين مكانة المرأة في الأسرة التقليدية والحديثة، حيث كانت السلوكيات العنيفة نادرة الحدوث في السابق مقارنة بالوضع الحالي، وهذا نتيجة تغيرات كبيرة مست المجتمع الجزائري سواء على مستوى القيم أو العادات والتقاليد، إلى جانب عوامل أخرى مثل تزايد نسبة تعاطي المخدرات، والتفكك الأسري، والعولمة وغيرها”.
**غالبية الضحايا تعرضن للطعن أو الذبح أو القتل بأسلحة نارية، والقاسم المشترك بينهن هو أنهن يعشن في مجتمع ذكوري
ويشرح لعزازقة أن هناك تصنيفات للعنف وللأشخاص الممارسين للعنف، وحتى ضحايا العنف، ففي مجال الإجرام يصنف الشخص العنيف في بنية نفسية مرضية تدعى بالشخصية السيكوباتية العدوانية، وهي تحتاج إلى علاج نفسي متخصص.
وأضاف أن هناك سلوكات عنف نتيجة اضطرابات أخرى مثل الإدمان على المخدرات أو الضغط النفسي أو حتى أمراض عقلية وعصبية، أين يكون العنف ممارسا ضد المقربين ومن بينهم المرأة التي تكون في محيط تعامل المضطرب.
وأشار لعزازقة إلى أن “الأنواع الأخرى كالعنف اللفظي أو العنف الجنسي أو التنمّر، هي مظاهر قد تختلف مسبباتها باختلاف الحالات التي قامت بها، والمرأة قد تجد نفسها كل مرة ضحية لهذه السلوكيات نتيجة خلل عميق على مستوى القيم والمعايير الاجتماعية والأخلاقية، أين يحاول المعتدي فرض نفسه والبحث عن إثبات وجوده بفرض القوة والاعتداء على الآخر الذي يكون غالبا ضعيفا أمامه أو يتفادى مواجهته والشكوى به”.
وأمام استشراء ظاهرة العنف ضد المرأة، أكد المدير العام للمعهد الوطني للصحة العمومية عبدالرزاق بوعمرة أن المعهد سيشرع خلال السنة المقبلة في إجراء تحقيق وطني حول العنف ضد المرأة من أجل تحديد مختلف العوامل المؤدية إلى هذا السلوك.
وصرح في ندوة تحسيسية انتظمت بالعاصمة حول “دور الوقاية في مكافحة العنف ضد المرأة” أن المعهد الوطني للصحة العمومية “سيبادر في سنة 2024 بإجراء تحقيق وطني يعد الثاني من نوعه، بعد ذلك الذي تم في سنة 2003، وذلك من أجل تحديد العوامل المؤدية إلى هذا النوع من السلوك واتخاذ الإجراءات المناسبة لمكافحة هذه الظاهرة”.
وأضاف “لم نقم بتحقيق حول هذه الظاهرة منذ 20 سنة، مما يؤكد أهمية إجراء تحقيق جديد للتحكم فيها، وأن هذا اللقاء قد نظم بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة الذي يتم إحياؤه في 25 نوفمبر من كل سنة”.
وأكد المتحدث على ضرورة إشراك القطاعات المعنية بالموضوع، على غرار الدرك الوطني والأمن الوطني والفاعلين في المجتمع المدني.
وكان المعهد قد أجرى تحقيقا العام الماضي وأبرزت نتائجه أن المستوى التعليمي لم يقف حائلاً أمام الميل إلى استعمال العنف، فمعظم المعتدين تبين أنهم متعلمون.
وبين المعهد أن العنف ضد المرأة يتنامى بشكل مخيف عبر جميع دول العالم، ويأخذ منحى أخطر في المجتمعات العربية، حيث لم تكن الجزائر بمنأى عن الظاهرة.
وأضاف المعهد أن المشرع الجزائري وضع منذ العام 2014 ترسانة قانونية لحماية المرأة من جميع أنواع التجاوزات، لكن القوانين تظل حبراً على ورق ما لم تبلغ المرأة عن العنف الممارس ضدها، موضحاً أن فئة واسعة داخل المجتمع ترفض المساواة بين الرجل والمرأة، وترفض أن يكون لها كلمة داخل الأسرة، وتنظر إلى القوانين والتشريعات من زاوية قاصرة تسيطر عليها العادات والتقاليد والأعراف والفهم الخاطئ للدين.
أما رئيس مصلحة الطب الشرعي بالمركز الاستشفائي الجامعي مصطفى باشا رشيد بلحاج، فقد أكد من جهته ارتفاع حالات العنف ضد المرأة على المستوى العالمي، وهو ما يعكس وجود أشكال جديدة من العنف على غرار العنف الرقمي، وإدمان المخدرات، وهي عوامل أدت إلى ارتفاع معتبر للعنف ضد المرأة وفئات هشة أخرى.
ودعا المشاركون في الندوة المذكورة إلى مواصلة تفعيل محاور الإستراتيجية الوطنية حول مكافحة العنف ضد المرأة، وعلى أهمية توفير بنك معطيات حول الحالات المسجلة على المستوى الوطني، فضلا عن تنسيق الجهود في عمليات التكفل والمرافقة لفائدة النساء ضحايا العنف وتعزيز تدابير خلايا الإصغاء وتدعيمها بالوسائل الضرورية لإنجاح مهامها.
وعلى عكس الجمعية المستقلة التي انتقدت الأداء القضائي في التعاطي مع الظاهرة، فإن مشاركين في الندوة أبرزوا الجهود المبذولة من قبل السلطات العمومية والتدابير المتخذة في مجالات التكفل والوقاية والمرافق مع التطرق إلى الإنجازات المحققة في مختلف المجالات، لاسيما القوانين التي تم سنها في هذا الإطار وآليات تطبيقها في الميدان.
وأكد رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان عبدالمجيد زعلاني على جهود الدولة في شتى المجالات لحماية المرأة من مختلف أشكال العنف، بما فيها المجال التشريعي، وذكّر بما جاء في بعض مواد الدستور حول حماية النساء.
ولفت إلى “وجود عمل كبير من حيث التدابير والإجراءات المتخذة من قبل السلطات العمومية، والبرامج المتخذة في مختلف القطاعات المعنية بالتكفل، فضلا عن آليات المرافقة كمراكز استقبال وتوجيه النساء ضحايا العنف”.

1