تونس - أجمع المشاركون في مائدة مستديرة بتونس بعنوان “النساء في مواجهة التهميش والفقر والحقوق المسلوبة”، على أن الواقع المعيش لا يعكس أهمية التشريعات الوطنية المتعلقة بالدفاع عن حقوق النساء في تونس ومكافحة كافة أشكال التمييز ضدهن وحمايتهن من التهميش والفقر.
ولفت المتدخلون في هذا اللقاء الذي نظمته الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، وفق ما أوردته وكالة تونس أفريقيا للأنباء، إلى وجود فجوة بين التشريعات والواقع برزت من خلال ارتفاع نسبة العنف المسلط على النساء في مختلف المجالات وخاصة في المجال الاقتصادي “حيث لا تتساوى المرأة مع الرجل في الأجر وظروف العمل والمعاملة في العديد من القطاعات رغم تمتعهن بالمستوى العلمي والتكوين اللازم والذي قد يتجاوز مستوى الرجال في محيط العمل ذاته.”
وبيّنت الباحثة المختصة في النوع الاجتماعي هيفاء ذويب أن القوانين الهامة مثل القانون عدد 58 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، لا يقع تطبيقها إضافة إلى مركزية الخدمات التي تحول دون وصول كل النساء المتعرضات للعنف إلى الآليات التي تتضمنها القوانين ذات العلاقة.
واستعرضت أهم النتائج التي توصلت إليها دراسة تحليلية شملت 35 ملفا تتعلق بالعنف الاقتصادي والاجتماعي، تلقتها الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات في فرعيها بصفاقس وتونس، ومن بينها بالخصوص أن النساء غير متمكنات من التصريح بالعنف والإبلاغ عنه لأسباب عديدة.
♦ وجود فجوة بين التشريعات والواقع برزت من خلال ارتفاع نسبة العنف المسلط على النساء وخاصة في المجال الاقتصادي
وأشارت في هذا الصدد إلى أن أكثر من 42 في المئة من النساء يتراجعن بعد المرحلة الأولى من التبليغ وذلك بسبب المسار الصعب والمعقد للتبليغ والتعهد، إضافة إلى صعوبة الولوج للقضاء بالنسبة للنساء، والصعوبات الاقتصادية وغياب الموارد المالية لمتابعة المسار حتى النهاية، لاسيما بالنسبة لضحايا العنف المادي.
وأظهرت هذه الدراسة أيضا أن تعرض النساء للعنف الاقتصادي يرافقه أثر نفسي كبير، وفق ذويب التي كشفت أن أكثر من 80 في المئة من النساء اللاتي تعرضن للعنف الاقتصادي صرحن بتعرضهن لأثر نفسي كبير.
وذكرت أن أكثر من 70 في المئة من النساء ضحايا العنف من مستوى تعليمي عال وأكثر من 42 في المئة منهن يتمتعن بوظيفة، مشيرة إلى أن ذلك بيّن أن هذه الفئة لها القدرة على التبليغ عن العنف والولوج للخدمات.
وشددت على ضرورة إيجاد الآليات الضامنة لتطبيق القوانين الموجودة ومنها القانون عدد 58 والقوانين ذات العلاقة بسوق الشغل والعمل اللائق وخاصة بالنسبة للنساء في القطاعات الهشة، داعية إلى العمل على تطوير الخطاب المتعلق بتهميش النساء في اتجاه البحث عن الأسباب وراء هذه الوضعية.
ومن جهتها بيّنت منسقة لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات مفيدة بشير أن أكثر من 80 في المئة من النساء يتعرضن لكل أشكال العنف، وأن النساء ذوات الإعاقة يتعرضن للعنف المزدوج باعتبارهن نساء وكذلك باعتبارهن ذوات إعاقة ولكافة الأشكال التمييزية في سوق الشغل وفي الحياة الاجتماعية، ما يعمق وضعية الهشاشة التي يعشنها.
♦ أكثر من 42 في المئة من النساء يتراجعن بعد المرحلة الأولى من التبليغ وذلك بسبب المسار الصعب والمعقد للتبليغ والتعهد
وذكرت أن العشرات من النساء في القطاع الفلاحي يمتن سنويا بسبب وسائل النقل غير المهيئة التي يتنقلن فيها والمئات من النساء يتعرضن لجروح خطيرة تعيقهن عن العمل، خاصة في ظل غياب التغطية الاجتماعية والعلاج المجاني، إضافة إلى أنهن يمارسن العمل لساعات طويلة تتجاوز الساعات القانونية المفروضة مقابل أجر زهيد يتقاسمنه مع الوسطاء الذين يستغلونهن.
ولفتت في سياق متصل إلى أن المرسوم عدد 4 لسنة 2022 المتعلق بتوفير التغطية الاجتماعية للنساء الفلاحات غير قابل للتطبيق ولا يتماشى مع وضعيتهن غير المستقرة، داعية إلى إيجاد الآليات الكفيلة بتفعيل المرسوم على أرض الواقع وتحسين وضعيات النساء على مستوى الأجر والتغطية الاجتماعية والتمتع بكافة الحقوق الشغلية.
وخصصت الأستاذة الجامعية في علم الاجتماع درة محفوظ عن جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية مداخلتها للحديث حول “الهشاشة واللامساواة بين النساء والرجال في عالم الشغل”، مبينة أن وضعية النساء بالرغم من تحسنها خلال عقود فإن المساواة لم تتحقق في تونس في هذا المجال حد اللحظة.
وكشفت أن البطالة تتهدد النساء مرتين أكثر من الرجال حتى بالنسبة لخريجات التعليم العالي، موضحة أن 4 نساء من بين 10 من خريجات الجامعة يعانين البطالة مقارنة بشخصين من عشرة بالنسبة للرجال، وهو ما يعكس وجود تمييز على مستوى الحظوظ بالنسبة للجنسين، وفق تقديرها.
وبيّنت أن هذا الوضع ينسحب أيضا على مسألة الأجور، حيث كشفت دراسات لجهات متعددة من بينها البنك الدولي أن المرأة تتحصل على أجر أقل من الرجل بنسبة تتراوح بين 17 و20 في المئة وخاصة في القطاع الخاص في مجالات الفلاحة والنسيج والخدمات، مضيفة أنه ورغم التساوي في المستوى فإن المرأة لا تتحصل على أجر يساوي أجر الرجل، وهذا التمييز يبرز بالخصوص في قطاع الفلاحة حيث تتحصل المرأة على نصف أجر الرجل.
وأثارت الدراسة التي أنجزتها جمعية “النساء الديمقراطيات” حول العنف الاقتصادي ضد النساء في تونس، حفيظة العديد من المنظمات الحقوقية التي سارعت إلى المطالبة بوضع حد لتنامي هذه الظاهرة، حيث كشفت الدراسة أن 93 في المئة من المبلغات عن هذا النوع من العنف هن نساء عاملات في شتى المجالات.
واقع التونسيات لا يعكس أهمية التشريعات المتعلقة بحمايتهن!!
بقلم : الديار ... 22.01.2025