قيل لفيلسوف ممن تعلمت الأدب؟ قال: تعلمته من قليلي الأدب.
من مظاهر السيادة الناقصة عدم إمتلاك الدولة الحرية المطلقة في ممارسة سياستها الداخلية والخارجية، وذلك بسبب خضوعها لسلطان دولة أخرى أو منظمة دولية حيث تحرمها من ممارسة حقها الدستوري في رسم سياستها الخارجية، ولا يسمح لها إلا بممارسة جزء يسير من سيادتها الداخلية، وتكون نشاطاتها رهن تصرف الدولة الحاكمة بالنيابة بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ويلاحظ إن العلاقة الشاذة بين الدولة التابعة والمتبوعة لاترتبط بعوامل قانونية، وانما بعوامل سياسية تتباين بأختلاف درجة التبعية واسبابها واهدافها المعلنة او غير المعلنة.
مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية واحد من مظاهر السيادة الكاملة للدول، فلا تسمح بموجبه الدولة بأن تتدخل دولة أجنبية في شؤونها الداخلية والعكس صحيح، حتى في حال وجود أقليات عرقية ودينية او قومية ترجع في أصولها للدولة الأجنبية، فالشعب بكل شرائحه الاجتماعية يخضع لسلطان الدولة، والقانون الدولي فصل هذا الموضوع بما فيه الكفاية.وبالرغم من ظهور مصطلح أفول السيادة فـأن هذا الأفول الناجم عن تعاظم القوى الكبرى وإنحرافها عن بوصلة الشرعية الدولية، مما يشكل تناقضا جوهريا مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. فالضربة الإستباقية والإحتلال بحجة دعم الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان وإرساء الحريات الرئيسة في الدول المستضعفة تمثل إنتهاكات للقانون الدولي. لكن قانون الغاب غلب القانون الدولي وإستعبده وأذله.
جميع دساتير دول العالم تضمنت مبدأ السيادة الكاملة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبقية الدول وعدم السماح لها بـأن تتدخل في الشأن الداخلي للدولة. وهذا محور جوهري في السياسة الخارجية لا غبار عليه طالما ان الدول تتعامل به وفق رؤية مشتركة ومعيار واحد. لكن عندما يُطبق المبدأ بمسافات مختلفة تجاه الدول، سيكون هناك تقاطع حاد في السيادة ومنعطف خطير في العلاقات الخارجية مما يضعف مكانة الدولة بسبب ازدواجية معاييرها، ويقلل من هيبتها في المحافل الدولية، وكذلك يقلل من قيمتها بنظر شعبها كما يفترض!
بعد الإحتلال الامريكي للعراق كانت كل مفردات السياسة الخارجية والداخلية بيد قوى الإحتلال، ففي كل وزارة ومؤسسة يوجد ممستشار امريكي أو أكثر يُسيرون أمورها وفق مصلحة الإدارة الامريكية، وقد أدت سياسة المحتل بحل أجهزة الدولة وإجتثات الكفاءات العلمية والادارية الى فوضى عارمة في مؤسسات الدولة كافة، وهذا واحد من الأهداف الرئيسة لقوى الإحتلال، وإلا كيف يمكن تصور بلد مهم مثل العراق يحكمه سفير أمريكي ويسيطر على كل مقدراته السياسية والاقتصادية والثقافية، سفير يعني درجة مدير عام.
كان العراق بعد الإحتلال الغاشم أشبه برقعة الشطرنج يلعب عليها الرئيسان السابقان بوش ونجادي وكان كلاهما حريصا على مصالحه ويحركان بيادقهما المحلية العميلة بتأني وحذر، وعندما انسحب بوش من المباراة وحل بديله اوباما ليكمل المباراة، صعب عليه فهم إصول اللعبة، فإنتهز نجادي ضعف ورخاوة أوباما وتخبطه فحسم اللعبة(كش أوباما) لصالح إيران.
إنفردت جمهورية الملالي بالعراق، وصار العراق الفناء الخلفي لإيران، وأخذ النظام البهلوي المعمم يتحدث بوقاحة عن تبعية العراق وسوريا ولبنان واليمن لسلطانه، رغم إنها حقيقة لا يمكن إنكارها. فبيادق الخامنئي هم أصحاب القوة والنفوذ في هذه البلدان. وفي الوقت الذي فشل فيه الخميني من تصدير الثورة العارية للخارج، فإن الخامنئي نجح في المهمة تحت ذريعة نشر المذهب ونصرته وإستغفال الشيعة. وقد ساعده في مسعاه الشيطاني المد الطائفي والجزر الوطني في هذه البلدان، علاوة على الجهل وإنتشار الأمية في وقلة الوعي وإنحسار الثقافة.
مبدأ تصدير الثورة الذي طرحه الخميني وسار على نهجه الخامنئي يمثل إنتهاكا للقانون الدولي وتدخلا سافرا في شؤون الدول الأخرى، ومع هذا لم تستنكر الشرعية الدولية هذ التوجه المنحرف، رعم تأكيد الخامنئي عليه في خطابه للطلاب الدارسين خارج إيران " إن حضوركم في الأوساط الشعبية والجامعية في الدول الأخرى، من أجل تصدير أفكار الثورة الإيرانية ورسالتها، يعتبر مفيدا للغاية". وتصريح علي لاريجاني سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني" إن إيران توافق على وقف برنامج تخصيب اليورانيوم مقابل حصول شيعة الخليج على حقوقهم ". وسرعان ما تحول مبدأ تصدير الثورة الى مبدأ الإحتلال، وهذه نتيجة طبيعية ومكلمة لفصل تصدير الثورة، ووصلت الأمور بأن يحل عقيد في الحرس الثوري محل السفير بريمر في حكم العراق. يا للمصيبة! لم نرض بجزة بوش فرضينا بخروف الخامنئي!
عندما كان الرئيس النافق جلال الطالباني يتسلم الأوامر من الجنرال سليماني فتلك بربٌي مصيبة سيادية، وعندما يعلن بأن نظام الملالي الحاكم في ايران منعه من المصادقة على تأليف الوزارة من قبل أياد علاوي فتلك كارثة سيادية. وعندما يعلن المجرم الدولي أحمد الجلبي زعيم المؤتمر الوطني العراقي بأن النظام الحاكم في طهران هو الذي منع الرئيس النافق جلال الطالباني من عملية سحب الثقة من رئيس الوزراء المالكي، فتلك مصيبة المصائب. عندما تتدخل ايران في كل واردة وشارة عراقية فإن هذا لا يعتبر من وجهة نظر حكومة المالكي تدخلا في الشؤون الداخلية. وعندما يصرح سليماني" ان ايران حاضرة في لبنان والعراق، وهما يخضعان بشكل أو آخر لإرادة طهران وأفكارها. وبإمكان إيران تشكيل حكومات إسلامية في هذين البلدين وكذلك تحريك الأوضاع في الأردن". فهذا لا يعتبر إهانة للسيادة العراقية الملثومة ولا تدخلا في شؤون العراق وبقية الدول المذكرة التي لم تتجرأ حتى على الرد. يا للخزي والعار!
عندما تقوم حكومة المالكي بدعم جزار دمشق بألوية مسلحة لقتل السوريين، وهذا ما كشفته مؤخرا رسالة من وزير الخارجية الزيباري الى نظيره السوري المعلم، فهذا لا يعتبر تدخلا في شئون دولة أخرى! وعندما تُفتح في النجف وكربلاء مكاتب للحوثيين والبحرانيين المعارضين لحكوماتهم، وتخصص لهم معسكرات تدريبة في مناطق حدودية نائية بين العراق وايران للقيام بأعمال إرهابية لاحقا في دولهم، فأن هذا لا يعتبر تدخلا في الشئون الداخلية لدولة أخرى! وعندما تطلق ميليشيا إرهابية مدعومة من الحكومة(جيش المختار) صواريخا على السعودية، لا يعتبر هذا عدوانا على سيادة دولة أخرى ولا يستوجب حتى الإعتذار! وعندما تصرح إيران بأن قواتها مستعدة لللتدخل في الأنبار بإنتظار إشارة من ربيبها المالكي، لا يعتبر هذا تدخلا في شئون العراق! وعندما يهدد مقتدى الصدر حكومة البحرين من مغبه إعتقال وعقوبة رجل دين متطرف مثله يدين بولائه لإيران وليس البحرين ويحرض على التمرد ضد الحكومة، فهذا لا يعتبر ا تدخلا في شئون دولة أخرى.
وعندما إنبرى أقزام إيران في البرلمان العراقي المتفرس إلى عقد جلسة خاصة لإستنكار إستخدام القوة المزعوم من قبل حكومة البحرين ضد المتظاهرين الذين ينفذون أجندة إيرانية واضحة للعيان، لا يعتبر هذا تدخلا في شئون دولة أخرى. وعندما وصف رئيس الوزار السابق إبراهيم الجعفري مفجر الحرب الطائفية عام 2006 احداث البحرين بأنها تمثل ظلما كبيرا للشيعة، مطالبا اقرانه البرلمانيين بنصرة أصحاب مظلومية البحرين ماديا وعسكريا، وتلاه تصريح أحمد الجلبي مهندس البيت الشيعي الذي تهدم على رأسه الفارغ قبل أن يقف بنيانه، بمطالبة الحكومة العراقية بالتبرع ب(5) ملايين دولار من أموال الشعب المستغفل لنصرة شيعة البحرين، وتلاه الوزير السابق باقري صولاغي مضيفا بأن العراق لن يقف ساكتا أمام ما يجري في البحرين! وتناول الشيخ السفيه جلال الدين الصغير المسألة من جانب أخطر عبر مناشدة إلهه الخامنئي" نناشد قائد الثورة الإسلامية في إيران سماحة السيد الخامنئي حفظه الله بضرورة إتخاذ كل الإجراءات التي يحس من خلالها أبناء شعبنا في البحرين بأنهم ليسوا لوحدهم في معركة حريتهم وكرامتهم وإباءهم". كل هذا لا يعتبر تدخلا في شئون دول أخرى!
لكن عندما صرح امير قطر الشيخ تميم بن حمد ال ثاني في كلمته خلال في افتتاح القمة العربية في بالكويت بأنه " لا يجوز ان ندمغ بالارهاب طوائف كاملة وان نلصقه بكل من يختلف معنا سياسيا فشأن ذلك ان يعمم الارهاب بدلا من ان يعزله". مضيفا" كما لا يليق ان يتهم كل من لا ينجح في الحفاظ على الوحدة الوطنية دولا عربية اخرى بدعم الارهاب في بلده. فقد آن الاوان ان يخرج العراق الشقيق من دوامة الشقاق والعنف، ولا يتحقق ذلك باقصاء قطاعات اجتماعية اصيلة او اتهامها بالارهاب اذا طالبت بالمساواة والمشاركة، فنحن هنا جميعا ندين الارهاب ولا خلاف في هذا الموضوع". قلبت حكومة المالكي الدنيا عليه، وأعتبرت موقف السعودية وقطر من العراق إعلان حرب! سبحان الله إعلان حرب! فهل تصريحات نظام الملالي كانت إعلان حب وسلام؟
وبدلا من ان تعلق وزارة الزيباري على التصريح بإعتباره من إختصاصها، إنطلق الببغاء سعد المطلبي من قفصه، أجيرا وليس مأجورا مصرحا بأن" هذه التصريحات تدخلا سافرا بالشأن العراقي اذ لايحق لقطر او السعودية او اي دولة اخرى التدخل بشؤون العراق". ومهددا بكل صفاقة إن "هذه التصريحات تتيح للعراق التدخل ايضا من الان فصاعدا بشؤونهم. وتقديم النصائح لانظمتهم السياسية المتهاوية". أنظمتهم إذن متهاوية وليس النظام الحاكم في العراق! وكل التدخلات العراقية السابقة بشؤونهم أهملها المطلبي، وسيبدأ من جديد بالتدخل في شؤونهم بقوله من الآن فصاعدا! أصعب شيء يسمعه الإنسان ويتأسف فيه على جور الزمان، إنه في ظل حكم البغايا والخصيان، تلقى عاهرة سفيهة محاضرة عن العفة والشرف المصان.
شبح العروبة يطارد غلمان دولة الفقيه في العراق!!
بقلم : علي الكاش ... 28.03.2014
كاتب ومفكر عراقي