أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
العراق عزُ مضى ومجد ولٌى!!
بقلم : علي الكاش ... 20.04.2014

نشر جبرائيل سيايل وهو من علماء فرنسا كتاباً أسماه (التربية والثورة) ومما جاء فيه " عَلَى الرجل الحر أن يتعلم ويتيقظ كل التيقظ لما فيه عظمته بإعتباره حارسا لها، وأن يثق كل الثقة بأنه لا يوجد من الأعمال ما هو وضيع بحد ذاته، وأن العظائم في هذه الدنيا هي مجموع ثمرة أعمال كثيرة، فإذا عمل المرءُ لنفسه عملا جيدا، فنتيجة عمله تعود عليه وعلى بقية الناس، والعكس صحيح".
في مقال سابق وصفنا الشعب العراقي بعد الغزو الامريكي الايراني للعراق عام 2003 بالتخلف والجهل والفقر والتعصب وعدم الشعور بالمسؤولية، والتغافل عن حقوقه، علاوة على صفات أخرى سنتجاوزها لكي لا ننشر المزيد من غسيلنا الوسخ على الآخرين، فالعراقيون أعرف من غيرهم ببواطن الأمور، وأسباب العلل ومواقع الحمى. هذا لا يعني عدم وجود النخب الإجتماعية والعلمية والدينية والثقافية، ولكننا نتحدث عن الصورة التي أفرزها الواقع الإحتلالي، فهذه النخب بعيدة طوعا أو قسرا عن المشهد العام، وسنتحدث عنها في مقال قادم.
لقد أثار المقال حفيظة البعض ممن يعتبرون أنفسهم عظماء كتحصيل حاصل لإنتمائهم لشعب العظيم، او من منطلق التشدق بحضارة قديمة صنعها الأجداد وبددها الأحفاد.
كما إنتقد البعض الآخر مسحة الكآبة واليأس، اللذان خيما على المقال رغم ان الشعار المطروح على المشهد العراقي " كل يوم عاشوراء، وكل عراقنا كربلاء". ولم تبخل علينا العناية السماوية بتسهيل الحصول على مرادنا وهدفنا هذا. لكل شعب غاية في الحياة، فهناك من يفكر في العدالة الإجتماعية وآخر في التنمية الإقتصادية، وغيره في الرفاهية والإزدهار، وآخر في السلام والوحدة وآخر في الإشتراكية وتقاسم الثروات، وآخر تصدير ثورته الصفراء للآخرين.. وهلم جرا. لكن العراقيين يفكرون بهمة ودهاء بتجديد ملحمة كربلاء!
دافع البعض عن الشعب العراقي تعصبا وليس إيمانا، وجهلا وليس علما، متناسين ان الكاتب هو عراقي مثلهم، يستنشق هوائه العليل في زمن النسيم، ويتوجع ويئن من رياحه المكفهرة المغبرة، يتفاخر بعنفوان قوته، ويطأطأ رأسه أرضا بضعفه، يفرح لسلامته ويموت كدرا لعلته. الوطنية لا تحتاج الى المزايدات فكلنا في سفينة واحدة ومصيرنا واحد، ما عدا الفئران التي وفدت مع الغزاة، فإنها أول من يهرب عندما تجنح السفينة الى الغرق. ربما ألمنا أشد من غيرنا فأجيال الأربعينيات والخمسينيات وربما منتصف الستينيات شهدوا غير هذا الزمن الأغبر. فقد عاشوا زمن الحب والتآخي والمواطنة الصميمية وصفو النية بين الشعب الواحد، والإنتماء الحقيقي للوطن، وليس زمن المليشيات الحاكمة والمخبر السري ومحاكم التفتيش والقتل على الهوية وحرب الجوامع، والتمايز العنصري والمذهبي.
إنهم لم يقفوا في يوم ما على ضفاف بحار الدم بين السنة والشيعة، ولم يشهدوا مباراة دموية بين فريقي يزيد والحسين على ملعبهم الوطني. عندما بنوا العراق لم يجيروه لأتباع آل البيت فقط، بل لكل العراقيين بلا إستثناء. ولم يكونوا بحاجة الى فيزا وكفيل لزيارة شمال الوطن او الناصرية لأن العراق من شمالة الى جنوبه ومن شرقه الى غربه ملك للكل العراقيين. لم يشهدوا ترسانات بعلو السماء تفصل أهل الأعظمية عن أهل الكاظمية. ولم يشاهدوا قطعات من الجيش تردح في ساحات التدريب رقصا كزال السنة، أو تنحب وتلطم في شهر عاشوراء. ولا جنودا يسبون أم المؤمنين وأبا بكر وعمر الفاروق علنا وهو يداهمون بيوت الغير بحجة الإرهاب وهم واجهة من واجهاته. فقد كان الجيش هو جيش الشعب وليس جيش الحاكم. ولم يشهدوا تسول القضاء على عتبة الحاكم، كان القضاء هو السيد وليس العبد الذي يؤدي مراسم الخضوع للحاكم الأوحد. ولم يشهدوا شيوخ عشائر يمارسون القوادة السياسية ويبيعون شرفهم وشرف عشائرهم للحاكم بثمن بخس. ولم يشهدوا برلمانات عراقية ـ أجنبية مشتركة، فلم يطأ عتبة البرلمان إلا من حمل جنسية العراق أو مولود من أبوين عراقيين. ولم يشهدوا إعلاما يتمنطق بمصطلحات الفتنة، الشيعة والسنة، وإلا لقطعوا لسانه السليط بسيفي الفاروق وذي الفقار معا. كانوا ينشدون في باحات المدارس صباحا" لاحت رؤوس الحراب" وليس نشيد" كلنا وياك سيد علي(علي السيستاني)". كانوا يرتجفون حماسا عند سماع " وطني حبيبي الوطن الأكبر" ولم يخطر ببالهم ان يتحول الى وطن ضعيف مشتت. كانوا يستمتعون بمتابعة اخبار جيفارا ونهرو وعبد الناصر وسيكاتوري وجميلة بوحيرد وهوشي منه وغيرهم، ويلتهمون كتب الثورات والتحرر والحريات الأساسية وحقوق الإنسان، ولم يلتفتوا الى الكتب الصفراء التي تحرض على الفتنة والكراهية والتفرقة.
الفرق اننا لا نرى تلك العظمة التي يراها غيرنا في الشعب العراقي في الوقت الحالي على أقل تقدير، إننا لا نرى وهمٌ العظمة ليس لأننا نلبس النظارة السوداء، إنما نظارة بعد النظر، وننطلق من وحي المنطق والتجربة المريرة، وليس من وحي الطيرة وقراءة الكف والزايرجات. الحقيقة هي الوسيلة والغاية التي نتمسك بها لتحليل الواقع المؤلم الذي يبدو انه لن ينجلي في القريب العاجل، بل يتجذر وينمو بطريقة مخيفة، مع الإعتراف ضمنا بأن الحقيقة دائما عارية، والكذبة دائما محجبة. ورحم الله الشاعر الذي قال:
من كان يعلم إن الشهد مطلبه فلا يخاف للدغ النحل من ألم
البعض الذي توارى خلف الحضارة القديمة لوادي الرافدين عجز عن مواجهة الحاضر، وتفاخر بأمجاد الأمة قبل سبعة آلاف عام. مع ان الفتى من قال ها آنذا وليس الفتى من قال كان أجدادي قبل آلاف السنين. لأن سيكون اشبه بمليونير أشهر أفلاسه ويعيش عيشة الشحاذين متفاخرا بملاينه السابقة التي لم تنفعه اليوم ولم يحسب لها حسابا. نحن لا نتنكر لمجد حضارتنا فهي الشمس التي أشرقت على بقية الحضارات، ولكن الماضي وقد ولى وأدبر، وعلينا بالحاضر والمستقبل. الحضارة القديمة لا تصلح كمقياس صحيح لمعرفة ثقلنا الحضاري الحالي بين الأمم. وليس العراق من كان له حضارة قديمة فقط، لقد تلته حضارات مهمة كوادي النيل والصين والهند واليونان والرومان وغيرها، مع إحتفاظنا بالسبق الحضاري وهذا من دواعي الفخر والإعتزاز. لكن حضارتنا القديمة لم تعد ميزة لنا في الوقت الحاضر، بل هي مؤشر سلبي علينا. عندما يقارن المرء بين ماضينا وحاضرنا يقف مذهولا من المستوى المتدني الذي وصلنا اليه، سيما بعد ما يسمى بالفتح الديمقراطي الامريكي الايراني للعراق. ونقول بكل صراحة لمن يعيش الماضي فقط، عليك أن لا تنتقد من يطالب بثأر الحسين بعد (14) قرنا لأنه مثلك يعيش الماضي!
عندما نتفاخر بأجدادنا، وبما قدموه للإنسانية والحضارة، بماذا سيتفاخر أحفادنا بأجدادهم أي نحن؟ هل قدمنا لهم أو للأنسانية شيئا يستحق الذكر؟
هل سيفتخرون بالغزو الامريكي وتدمير مقدرات الدولة العراقية بمساعدة أجدادهم وخيانة البعض منهم؟ أم بالقتل على الهوية والخطف والإرهاب الحكومي وغير الحكومي الذي يعصف بهم من كل جانب؟ أم بأن من حكم أجدادهم كانوا من العملاء والجواسيس واللصوص والمزورين؟ أم بسرقة المليارات من خزينة الدولة دون ان يسائل أجدادهم السارقين المحصنين من قبل الحزب الحاكم؟ أم بـأن بلد أجدادهم كان الأول في الفساد المالي والسياسي والأخلاقي؟ أم بأن خط الفقر وصل الى 45% من الشعب مع إن ميزانية أجدادهم تجاوزت المائة مليار دولار سنويا؟ أم يتفاخرون بأن عاصمة أجدادهم كانت الأوسخ بين عواصم العالم بما فيها الأفريقية؟ أم ان البطالة وصلت عند أجدادهم الى 35%؟ أو ان عدد الأميين بلغ 7 مليون؟ أم بحرب المساجد والجوامع وحرقها وقتل روادها؟ أم بعدد القتلى جراء التفجيرات اليومية؟ أم بإنتفاء الكهرباء وشحة الماء الصالح للشرب؟ أم برفع صور قتله أجدادهم من الزعماء الإيرانيين وتأليههم؟ أم بأن دولة أجدادهم كانت الأولى في العالم بعدد المعتقلين؟ أم بأن أجدادهم كانوا يغتصبون المعتقلات في السجون؟ أو بإنتظار المتهمين من أجدادهم عشر سنوات قبل ان تعرض قضيتهم على القضاء أو بدقائق في حالة وفرة الدولارات عند البعض؟ أم سيتفاخرون بأن حكومة أجدادهم إحتلت المرتبة الأولى في إعدامات مواطنيها سيما الأبرياء منهم؟ أم إن دولة أجدادهم الأولى في عدد القتلى من الصحفيين. أو إن دولة أجدادهم يحكمها رئيس وزراء هو نفسه القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع والأمن والداخلية ومحافظ البنك المركزي، ورئيس السلطة القضائية الفعلي؟ هل سينفاخرون بأن معظم المسؤولين في الدولة هم من أصحاب الشهادات المزورة؟ أم أن البلد في موقع عالمي متقدم في نسبة الرشاوي والعقود الفاسدة؟ أم يتفاخرون بأن عقيد ميليشياوي لدولة جارة كان يحكم أجدادهم؟ أم يتفاخرون بأن أجدادهم إنتخبوا الفاسدين لدورتين إنتخابيتين رغم علمهم بأنهم فاسدون من كل النواحي؟ أم يتفاخرون بأن مجلس نواب أجداهم كان يضم البغايا وسماسرة علب الليل؟ هل سيتفاخرون بأن أربعة رجال دين من غير جنسية بلاد أجدادهم لا يجيدون اللغة العربية ويتحكمون ببلد أجدادهم؟ هل سيتفاخرون بأنه لم تخرج تظاهرات من قبل أجدادهم ضد الفساد إلا بعدد أصابع اليد؟ علما بأن بلد أجدادهم احتل المرتبة 171 من بين 177 دولة في مستوى الفساد .أم يتفاخرون بأن الأموال العراقية المهربة والمتواجدة في الدول العربية والأجنبية بلغت ترليوناً و14 مليون دولار؟
أم يتفاخرون بإن عاصمة أجدادهم إحتلت المركز الأخير كأفضل مكان لعيش البشر. أو أن بلد أجدادهم احتل المرتبة التاسعة في قائمة الدول الأكثر إثارة للخوف لعام 2013 في إطار الدراسة العالمية تحت المؤشر العالمي للأمل واليأس؟ أم إن بلد أجدادهم إحتل المرتبة الأخيرة(179) بسرعة الأنترتيت الذي أصبح ركيزة العلوم والمعرفة؟ أم إن بلد أجدادهم إحتل المرتبة الرابعة في العالم بإضطهاد الأقليات؟ أم بأن بلد أجدادهم إحتل المرتبة العاشرة في حالات الخطف؟ أم إن بلد أجدادهم تصدر العالم في نسبة الإفلات من العقاب؟ أم أن بلد أجدادهم إحتل المرتبة (130) في العالم حسب مؤشرات الرفاهية؟ أم سيفتخرون بالمئات من مدارس الطين التي لا تختلف عن حظائر الحيوانات؟ أم أن بلد أجدادهم إحتل المركز الثاني بنسبة العنوسة حوالي85%؟ أم يتفاخرون بعدد الأرامل (مليون) وعدد الأيتام(5) مليون طفل دون أية رعاية إجتماعية تذكر؟ أم أن نسبة العنف ضد الأطفال تطال(3) مليون طفل عراقي؟ أم أن بلد أجدادهم جاء في المرتبة الثانية كأسوأ بلد عربي في حقوق المرأة؟ أم يتفاخرون بأن بلد أجدادهم الذي كان الأسوأ في العالم ،ومعدل التفجيرات إسبوعيا(50) تفجيرا في ضوء وجود أكثر من مليون رجل أمن شغلهم الشاغل الإعتداء على شعبهم وإبتزازه؟ أم يتفاخرون بأن الفساد الإداري وصل إلى نسبة 60% في مؤسسات الدولة؟ أم يتفاخرون بأن نسبة الطلاق كانت في بلد أجدادهم أكثر من 50% بسبب زواج القاصرات وفتاوى المرجعية التي تحرم التزاوج مع الطائفة العدوة؟ هل سيتفاخرون بأن جيش أجدادهم المليوني كان رخوا متعاطفا من الأعداء، لكنه كان قويا جسورا مع شعبه؟ فيشنُ عليهم الغارات الجوية والمدفعية الثقيلة والدبابات لمجرد أنهم طالبوا بمطالب مشروعة.
هل نزيد أم يكفي يا أصحاب الشعب العظيم؟ الشعب
صدق الشاعر:
قلت يوما لدار قوم تفانوا ... أين سكانك العزاز علينـــا؟
فأجابت: هنا أقاموا قليلا ... ثم ساروا، ولست أعلم أينا؟
لنا عودة بإذن الله تعالى.

1