وسط القاعة الملكية على شاطئ بحر غزة استقبل الدكتور محمود الزهار المهنئين، كان الرجل يفيض فرحاً وقبلات، وكان الرجل متألقاً إلى الدرجة التي شجعت السيد إسماعيل هنية ليقو: أنت اليوم عريس هذا الاحتفال يا أبا خالد.
الاحتفال جاء بمناسبة إصدار رواية "العصف المأكول" للدكتور محمود الزهار، حيث لم يعكس حجم الحضور مدى الاهتمام بالعمل الأدبي فقط، وإنما عكس الحضور النوعي تشابك الحالة الفلسطينية بين الخاص والعام، والتي تتمثل في:
أولاً: الاحترام والتقدير المميز الذي يبديه أهل غزة لشخص الدكتور محمود الزهار ولاسيما ان الرجل قد أعطى من عمره وولده للوطن، وجاد بماله قبل أن يغمد قلمه في حبر التجربة، ليوثق أيام فلسطين، وتاريخها من خلال يوميات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
ثانياً: الثقة بالنفس والاعتزاز بالمقاومة هي التي دفعت الناس للحضور، ولاسيما أن الرواية قد تناولت سيرة المقاومين الذي أبدعوا في مقارعة العدو، وسجلوا علامات الإعجاز المبهرة، ونالوا محبة وعشق كل أبناء الوطن، فكان الحضور دليل وفاء للمقاومة، وعهد على مواصلة المشوار.
وحين تحدث كاتب الرواية الدكتور الزهار، فاض الرجل شعوراً إنسانياً، ونزف حنيناً رقت له الأفئدة، وقد تنفس الآه، وهو ينطق بالعبارات الوجدانية التي لامست أحاسيس الحاضرين مرتين؛ كانت الأولى حين اختزل الزمن، وتخيل أن الأرض الفلسطينية قد تحررت، وزالت دولة الصهاينة. وكانت الثانية، حين عاد بالحضور إلى تلك الأيام العصيبة من الحرب العدوانية على قطاع غزة، فتحدث عن الأمل والقلق والترقب والعزيمة والإصرار، وتحدث عن المقاومة بكلمات بسيطة بسطت نفوذها على الوجدان، وألزمت الجميع هدوء المكان، بعد أن هامت أرواحهم مع تفاصيل المواجهة اليومية التي عشاها كل سكان قطاع غزة دون استثناء.
وحين تحدث إسماعيل هنية، توعد العدو بخسائر أشد، وبمفاجأة أعظم، تحدث عن اللقاء القادم، بل وصل الأمر إلى حد المطالبة بالتوافق الفلسطيني على اسم المعركة القادمة، ولا داعي لأن نختلف على التسمية طالما توافقنا على الموجهة، وفي تقديري أن هذا يعكس واقع قطاع غزة، حيث ما زالت يد المقاومة قابضة على السلاح، ولما تزل تقوم بإعداد الرجال للمواجهة القادمة، والتي قد تفرضها عنجهية العدو في كل لحظة.
لقد اتفق إسماعيل هنية في حديثه عن مستقبل فلسطين مع الزهار، وكلاهما عبر بطريقته عن حتمية الانتصار، وعن زوال دولة الكيان، وغاب عن حديث الرجلين ما يقال عن دولة فلسطينية سواء في غزة أو في الضفة الغربية، فالحديث الذي يتدثر بالفعل هو حديث طامح، والطموح هو تحرير فلسطين، كل فلسطين، ولا مشروع آخر لدى هؤلاء الرجال كما يشين عليهم البعض، ولاسيما أنهم قد نذروا أنفسهم لما هم مقتنعون فيه، ولا أدنى قناعة لهؤلاء القوم بقبول العدو على أرض فلسطين. إنها الاستراتيجية التي توجه مسار حماس السياسي.
في عرس محمود الزهار كانت العروس فلسطين المحررة، وكان مقدم الصداق هو الشهيد خالد محمود الزهار، وأخيه الشهيد حسام محمود الزهار، والقائمة الطويلة من الشهداء.
ملاحظة: لقد حضرت الاحتفال شخصياً دون أن توجه لي الدعوة، وهذا يؤكد على استقلاليتي عن كل التنظيمات التي تمت دعوتها، والتي حضر بعضها، وغاب بعضها، كدليل على عدم التوافق السياسي، ولاسيما أن رواية "العصف المأكول" تتحدث عن المواجهة مع العدو الصهيوني، وهذه المواجهة المسلحة هي نقطة الخلاف، وكان الأجدر أن تكون المواجهة هي القاسم المشترك الذي تنطلق منه سهام الوحدة إلى صدر العدو الإسرائيلي.
في عرس محمود الزهار!!
بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 26.08.2015