لن أكتب مقالا ًهذه الأيام التي ينشغل فيها الناس بعدد القوائم المشاركة بالانتخابات، ويتابع الشعب أخبار الانشقاقات داخل بعض التنظيمات من جهة، وأخبار التآلف بين بعض القوائم من جهة أخرى، وحتى ينجلي المشهد النهائي عن القوائم المشاركة في الانتخابات، سأكتب قصة مختار إحدى القرى الفلسطينية، لما في القصة عظة وحكمة، ومدى موائمتها لحال الفلسطينيين.
يحكى أن مختاراً من إحدى قرى فلسطين ورث المكانة والديوان عن أبيه، وصار مختاراً في غفلة من الزمن، وبعد أن تربع المختار على العرش، واستقوى بميراث أبيه، وصار له أنصار ومؤيدون، أقاموا لأنفسهم أجهزة أمنية تأخذ أوامرها من المختار، الذي حرص على حسن الجوار مع أعداء القرية، بل أكثر من التقرب منهم، والتودد لهم، وحماية أمنهم، مقابل مساعدته في جمع الضرائب من أهل قريته، والضرب بعصاه الغليظة ظهر كل من عصاه، وفي المقابل كان يمنح عطاياه ورتبه ووظائفه لكل مرتشٍ وخانع، وقد تجبر المختار على أهل القرية، حتى صار يطلب رضاه كل طائع، ويتجنب غضبه كل طامع.
ولما كان رجال القرية ووجهاؤها قد تعودوا على الحضور كل مساء إلى ديوان المختار الأول، يقضون بعض الوقت، يتشاورون، ويتسامرون، ويتقاسمون الهموم، فقد قرر الوجهاء ألا يقطعوا هذه العادة، رغم حداثة عهد المختار الجديد بالمسامرة، وعدم قدرته على فهم طبائع الناس، الذين توافدوا على ديوانه وفق العادة، وكلهم يرجو أن يؤثر في قرارات المختار، وان يأخذ بيده إلى طريق الصواب، وأن يأخذ نصيبه من متاع الحكم، مع الحرص على رضا المختار، والعمل على إسعاده، وتحقيق نزواته، حتى صاروا ينتظرون بشاشة وجهه رغم عبوسه، وينتظرون منه مواقف عاقلة ورزينة، بعيدة عن جلافة طبع المختار، ووقاحة تعامله، وسوء تقديره للأمور.
وتقول الرواية: في إحدى الأمسيات، غضب المختار من حديث أحد الوجهاء، فثار عليه، وصرخ في وجهه، وأهانه، وسط دهشة الجميع، وخوفهم من غضبة المختار.
في اليوم التالي: سأل المختار عن الشخص الذي أهانه، فقيل له: لقد حرد، ولم يرجع إلى الديوان.
غضب المختار وقال: لينصرف إلى الجحيم، ضعوا بدلاً منه حذاءً، وفي المكان نفسه الذي كان يجلس فيه.
ولم تمض بضعة أيام حتى غضب المختار على شخص آخر من رجال الديوان، فرفع صوته عليه، وأهانه، بل أمر حراسه بضربه، فما كان من الرجل إلا أن حرد عن المجلس، ولم يعد إلى الديون ثانية.
وحين سأل المختار عنه في اليوم التالي، قيل له: لقد حرد، ولم يرجع إلى الديوان.
قال المختار ضعوا مكانه حذاءً، حتى يتعلم غيره، وحتى يعرف أن قيمته حذاء
وهكذا تكرر نزق المختار، وتكررت إهانته لرجال الديوان، وتكرر حرد الشخصيات والقيادات، وفي كل مرة، كان يطلب المختار من حراسه أن يضعوا بدل كل حردانٍ حذاءً.
وبعد عدة سنوات من الاستبداد والتفرد بالقرار، دخل المختار الديوان، فوجد نفسه يجلس وحيداً، ويحيط به صف من الأحذية، بعضها من الحرس القديم، وبعضها جديد، ولكنها أحذية.
قصة مختار إحدى القرى الفلسطينية!!
بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 02.04.2021