عندما أصدر ماركس ورفيقه إنجلز بيانهما الشيوعي الموجه لعمّال العالم توجاه بالنداء: يا عمّال العالم اتحدوا...
كان العمّال في العالم ضائعي الحقوق، فهم يداومون ساعات طويلة، وعملهم شّاق، وأجورهم قليلة، و( السادة) يمتصون دمهم ويتركونهم للمرض هم وأسرهم، ولذا نبههم ماركس وإنجلز إلى سّر قوتهم: وحدتهم كطبقة عاملة للثورة على مصاصي دمائهم، المثرين من عرقهم وسرقة جهودهم، ونبهوهم إلى أنهم أخوة في الشقاء، وأنهم قوّة قادرة على الفعل إذا ما جمّعوا جهودهم معا، وأن البشر في كل مكان في هذا العالم قضيتهم واحدة، ولا بد من أن يدركوا ذلك، وتتجاوب صرخاتهم، ودعواتهم للتضحية من أجل حقوقهم.
اليوم نرى أن الطلبة في كل جامعات العالم، سيما في الغرب، والقلب منه الولايات المتحدة الأمريكيّة ناهبة العالم ومفسدة الحياة وسارقة حقوق الشعوب يثورون.. على مزورة الحقائق على البشرية كلها بادعائها أنها حامية الديمقراطية في العالم وأنها رافضة للظلم والعنصرية..في حين أنها تملك أكثر من 800قاعدة عسكرية تنتشر في العالم، أي تحتل بلادا ليست لها، وتقهر شعوبها، وتمتص خيرات تلك الشعوب، وتحرمها من الحريّة والتمتع بكرامتها وتجعل من حياتها جحيما بتنصيب حكّام عليها ليسوا سوى منفذين لأوامرها، وامتهان حياة الشعوب التي يدّعون الانتساب إليها..وأنها أوّل من استخدم القنابل النووية ودمّرت مدينتين في اليابان هما هيروشيما وناغازاكي، واستخدمت الأسلحة المحرّمة في الحروب على الشعوب، وبخاصة في فيتنام التي تبعد ألوف الكيلومترات عن أميركا والبيت الأبيض في واشنطن.
وعندنا نحن العرب فقد تم تدمير العراق، واستخدمت الأسلحة المحرّمة دوليا وفي مقدمتها المنضبة نوويا، بحيث ما زالت الولادات مشوهة، والأرض غير صالحة للزراعة، والقواعد الأمريكية الاحتلالية تحرم العراقيين من استعادة سيادتهم..بحجة محاربة داعش التي هي اختراع أمريكي استخدم وما يزال للابتزاز والهيمنة والنهب..فهي من أوجدت (داعش) وهي من تحركها لتبقى مُحتلة للعراق!.
وفي سورية تحتل القوات الأمريكية بالقوة وبدون موافقة الدولة السورية شمال شرقي سورية، وتنهب النفط السوري وحقول القمح السورية حارمة الشعب العربي السوري من ثرواته، والهدف تجويعه حتى يثور على دولته ويدمّر بلده.(التجويع سلاح أمريكي).
وأمريكا هي التي تتسيّد بالقواعد العسكريّة في عديد ( الدول)، ويتوارث (الحكّام) الحكم ويتنافسون على الحكم..في خدمة أمريكا، ويضمنون دوام تمزّيق الوطن العربي في ( دويلات)، ولا يعنيهم ماضي ولا حاضر ومستقبل الأمة الواحدة وحريتها واستقلالها...
ومنذ ما بعد رحيل الدولة العثمانية التي انهارت في الحرب العالمية الأولى، وبدء الغزو لبلادنا واحتلالها، سيما في المشرق العربي، وبدء بريطانيا احتلالها للمشرق العربي، بلاد الشام مع فرنسا، وتقاسمها في صفقة سايكس –بيكو، ومن بعد تحكّم الانتداب البريطاني بفلسطين متسلحا بوعد بلفور..غاب التأثير والفعل العربي الرسمي، وافتضح في حرب ال48 ومن بعد في حرب ال67..وفي كل الأوقات برز دوره في التآمر على فلسطين بعد حرب ال48، فقدغُيّب اسم فلسطين بعد إعلان دولة الكيان الصهيوني ( إسرائيل) وطمس هوية ما تبقّى بعد النكبة والإلحاق...
قاتل عرب فلسطين رغم ضراوة التآمر عليهم، وتمزيقهم، ومطاردتهم، وملاحقة ناشطيهم، وأبقوا فلسطين بدمهم حتى بلغوا ( طوفان الأقصى) فأبهروا العالم، وهزّوا ضميره المُغيّب، فاستيقظ طلاب وطالبات الجامعات في أميركا، وقد هالهم ما يرونه من وحشية ودموية الكيان الصهيوني الذي يقصف مدن ومخيمات وبلدات قطاع غزّة بهدف الإبادة، وهو ما لم يشاهد من قبل في تاريخ البشرية المعاصر، ولا في أي مكان من العالم، واستيقظوا على تزويد الكيان الصهيوني بمتفجرات تعادل عدّة قنابل نووية من التي أُسقطت على هيروشيما وناغازاكي!.
طلاّب جامعات العالم يتحركون، ويعتصمون، ويهدفون باسم فلسطين، ويباغتون أعداء البشرية الصهاينة وحماتهم، وتتوسع حراكاتهم من جامعات أمريكا العريقة إلى بريطانيا وفرنسا وكندا و..المكسيك، وتتعمّق شعاراتها من رفض الحرب على قطاع غزّة إلى شعارات تحمل أهدافا غير مسبوقة، وما كان لأحد أن يتوقعها، بخاصة قادة أمريكا والكيان الصهيوني: فلسطين من النهر إلى البحر..وهذا الشعر يقول بوضوح: فلسطين لأهلها وليست للصهاينة، أي فلسطين عربيّة وهذا هو العدل الصريح والحق الذي له أصحاب ظُلموا والذين يثورون وتقصفهم الصواريخ الأمريكية بدعم من بايدن وإدارته.
أين أنتم يا طلاّب وطالبات الجامعات المصريّة العريقة؟ ألستم في الدنيا؟! ألستم أنتم ورثة تراث الطلبة الذين تصدوا للتطبيع وحاصروه وأفشلوه شعبيا؟ كيف اضمحّل الوعي في جامعاتكم، وإلى أين جرّتكم(ثقافة) إقليمية لم تعد على مصر سوى بالعزلة والفقر والمزيد من التبعية. وصلت بكم الحالة أن تتفرجوا على أهلكم في قطاع غزّة والأبنية تدمّر على رؤوسهم بالأسلحة الأمريكية..ولا تبادر سلطات بلدكم بتزويد أهلكم الغزيين بالغذاء والأدوية والماء الصالح للشرب! وهذا أقل واجباتكم مع أهل غزّة الذين يدافعون عن مصر وأمنها.
استيقظ طلبة وطالبات أميركا على أن جامعات بلادهم توظّف أموالهم في المشاركة بالصناعات العسكرية( الإسرائيليّة)، وأنهم محرومون من عائدات ضرائبهم في حين تضخ ( لإسرائيل) التي تبيد الشعب الفلسطيني وتدمّر قطاع غزّة !.
أدرك الطلاّب والطالبات في الجامعات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والمكسيكية والكندية واليابانية .. أن انحيازهم لغزّة وفلسطين هو انحياز لقضاياهم، لمصالحهم، لحقوقهم، وأنهم لا يتظاهرون ويعتصمون ويواجهون ترفاً، ولكنهم يخوضون معركة مصيرية مفصلية مع حكم مستبد معتد يمتص الدماء في بلادهم وفي كل مكان، وأن قضايا البشر واحدة، وأنهم لا بد أن (يتحدوا) في كل العالم لأن قضاياهم واحدة...
أنتم وأنتن يا طلبة وطالبات الجامعات في الدول العربية الخليجية ألا تسمعون دوي الهتافات في جامعات العالم، وزحوف طلبتها وطالباتها، وهم ليسوا عربا ولا مسلمين؟!
النفط الذي يتدفق في بلدانكم والذي تشكلت دولكم بعد ظهوره ..هل هو ضمانة لمستقبلكم ومستقبل أجيالكم القادمة؟ أتم (دول) بلا زراعة وبلا اقتصاد حقيقي، فأنتم تتمتعون بما يُقدّر لكم من الشركات المحروسة النهب بالقواعد العسكريّة..وعندما ينتهي تدفق النفط العوض بسلامتكم..ستعودون لرمال الصحراء وسيتبدد وهم الثروات التي تراكمت لحكامكم في بنوك الغرب التي لن تشفق عليكم!
استيقظوا واتحدوا مع أخوتكم وأخواتكم في فلسطين وكل بلاد العرب، واستنهضوا أمتكم من حالة التفكك والتخاذل..من التطبيع..والتبعية، واكنسوا قواعد الاحتلال الأمريكية ..وكونوا عربا أحرارا، واهتفوا مع طلبة وطالبات العالم: فلسطين حرة من نهرها لبحرها حتى تعيشوا أحراراً...
يا طلاّب وطالبات العرب…استيقظوا واتحدوا!!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 07.05.2024