أحدث الأخبار
الأحد 28 كانون أول/ديسمبر 2025
1 2 3 41404
المقاهي الأردنية طقس يومي وامتداد للحياة!!
28.12.2025

تحولت المقاهي في الأردن من أماكن ترفيه عابرة إلى جزء أساسي من الحياة اليومية، تجمع الشباب والعائلات للعمل والدراسة ومتابعة الرياضة، وتعكس تحولا اجتماعيا وثقافيا مدعوما بانتشار واسع وثقافة قهوة راسخة، جعلت منه فضاءً للتواصل والراحة
عمان ـ تعد المقاهي في الأردن مجرّد أماكن عابرة لاحتساء القهوة أو تمضية وقت قصير، بل تحوّلت خلال السنوات الأخيرة إلى جزء لا يتجزأ من تفاصيل الحياة اليومية للأردنيين، بمختلف فئاتهم العمرية والاجتماعية. فبعد أن كان ارتياد المقاهي مقتصرًا على شرائح محددة، أصبحت اليوم فضاءات مفتوحة تحتضن الشباب والعائلات والطلبة والموظفين وأصحاب الأعمال، وتؤدي أدوارًا اجتماعية وثقافية واقتصادية متزايدة الأهمية.وشهدت المقاهي الأردنية حضورًا لافتًا خلال البطولات الرياضية الكبرى، إذ باتت محطات رئيسية لمتابعة الدوريات العالمية ومباريات المنتخبات الوطنية، سواء بالنسبة للمواطنين أو للجاليات العربية والأجنبية المقيمة في المملكة. ومثلما ازدحمت مقاهي عمّان خلال بطولة كأس العرب التي أقيمت في قطر، عادت الجماهير الرياضية، المحلية والوافدة، للتوافد بكثافة لمتابعة مباريات بطولة الأمم الإفريقية المقامة حاليًا في المغرب، لا سيما اللقاءات التي يكون طرفها منتخب عربي.
هذا الحضور الكثيف عزّز مكانة المقهى كجزء أصيل من ثقافة المجتمع الأردني وحضارة المكان، حيث لم يعد مرتبطًا بالترفيه فحسب، بل تحوّل إلى مساحة جامعة للقاء والتواصل والعمل والدراسة. وتشير بيانات وزارة الصناعة والتجارة والتموين الأردنية إلى وجود 4271 منشأة مرخّصة تمارس نشاط المقاهي في مختلف مناطق المملكة، ما يعكس اتساع هذه الظاهرة وانتشارها.ويرتبط الأردنيون بعلاقة خاصة مع القهوة، إذ يُعد شربها طقسًا يوميًا متجذرًا في الثقافة المحلية. ووفق إحصائيات غرفة تجارة الأردن، يبلغ الاستهلاك السنوي من القهوة نحو 20 ألف طن، ما يفسّر المكانة المتقدمة التي تحتلها المقاهي في الحياة اليومية، بوصفها امتدادًا للبيت وملتقى اجتماعيًا دائمًا.
ويقول سيف عبد المنعم، صاحب مقهى “السنترال” في وسط العاصمة عمّان، وأحد أقدم المقاهي الشعبية التي تأسست عام 1930، إن المقهى يمثّل جزءًا من ذاكرة المدينة الاجتماعية. ويضيف، وهو من الجيل الثالث الذي يدير المكان محافظًا على طابعه التراثي، أن المقاهي في الأردن تشكّل عنصرًا أساسيًا في نمط الحياة اليومية، ولا سيما في وسط العاصمة، حيث يفضّل كثيرون اللقاء في المقاهي القديمة لما تحمله من عراقة وأجواء تعكس روح المكان. ويشير إلى أن انتشار المقاهي الحديثة أثّر على عمل المقاهي التراثية، رغم محافظتها على طابعها الأصيل، إلا أنها ما تزال ملتقى لروادها لشرب القهوة والشاي، ومتابعة المباريات، وممارسة ألعاب شعبية كـ“الشدة”، بما يعزز دورها كمكان للتواصل الاجتماعي.
من جانب آخر، باتت المقاهي خيارًا عمليًا للموظفين والعاملين بنظام مرن. وتقول رهام حسين، الموظفة في القطاع الخاص، إنها تفضّل أحيانًا العمل من المقهى بدل المكتب، هربًا من الروتين والقيود التقليدية. وتوضح أن انتشار المقاهي المجهّزة بخدمات الإنترنت ومساحات العمل جعلها بيئة مناسبة للإنجاز والتركيز.
أما المواطن صلاح أبو الغنم، فيرى أن المقاهي تحوّلت إلى طقس اجتماعي يجمع الأصدقاء والأقارب، سواء لمتابعة المباريات أو تبادل الأحاديث، مؤكدًا أنها باتت مساحة للراحة وتخفيف ضغوط الحياة اليومية، واستعادة الذكريات الجميلة في أجواء ودّية.وبالنسبة لطلبة الجامعات، أصبحت المقاهي بيئة بديلة للدراسة. وتوضح الطالبة راما محمد أن المقهى بات مساحة مريحة تقضي فيها جزءًا مهمًا من أسبوعها، حيث تلتقي بزملائها لحل الواجبات أو التحضير للامتحانات، فيما تختاره أحيانًا مكانًا للقراءة الهادئة. وتؤكد أن التصميم الداخلي والإضاءة والأجواء العامة تساعدها على التركيز، معتبرة ذلك جزءًا من نمط حياتها.ويشاركها الرأي الشاب أحمد سيف، العامل في القطاع الخاص، الذي يعتبر ارتياد المقهى حاجة اجتماعية ونفسية بعد ساعات العمل الطويلة. ويقول إن الجلوس مع الأصدقاء في المقهى يمنحه فرصة لكسر رتابة اليوم واستعادة التوازن، في ظل صعوبة اللقاء في المنازل بسبب ضغوط الحياة وتسارع وتيرتها.
من جهته، يرى المستثمر في قطاع المقاهي أنس أبو عودة أن التوجه العالمي نحو “بيوت القهوة” انعكس بوضوح في الأردن، حيث أصبحت المقاهي الحديثة تنافس التقليدية من حيث جودة المشروبات، وتنوع الخدمات، والتصميم، ما خلق حالة من التنافس الإيجابي واستقطب شرائح واسعة من المجتمع. ويشير إلى أن المقهى لم يعد مكانًا للترفيه فقط، بل أصبح مساحة للعمل عن بُعد، وعقد الاجتماعات، والدراسة، وتنظيم الفعاليات الاجتماعية والعائلية.
ويؤكد الأكاديمي والخبير الاجتماعي الدكتور حسين الخزاعي أن ارتياد المقاهي يعكس تحولًا إيجابيًا في أنماط الحياة اليومية، حيث بات المقهى وسيلة للتواصل والتحاور وملتقى ثقافيًا، خصوصًا للشباب والطلبة، إضافة إلى دوره المتنامي في العمل والدراسة غير التقليديين. ويرى أن تنوّع أنماط المقاهي يسهم في شغل أوقات الفراغ بأنشطة اجتماعية إيجابية، ويعزز التفاعل المجتمعي.بدوره، يؤكد نائب رئيس غرفة تجارة الأردن جمال الرفاعي أن المقاهي أصبحت بديلًا عمليًا عن جلسات المنازل، وجزءًا ثابتًا من المشهد الحضري اليومي، معتبرًا إياها امتدادًا للبيت والعمل، وفضاءً للراحة وتبادل الآراء ومتابعة الأحداث، بما يلبي احتياجات مختلف فئات المجتمع.
*المصدر : العرب


1