سبعة أشهر مضت مذ غادرني.. قبلها.. كانت سبعة أشهر هي كل تأريخي معه...
- أليس غريبا..
كل المصادفات غريبة.. أنا أيضا صرت أشعر إني غريبة..
- بعض المواليد يعيش عندما يولد في الشهر السابع
وبعضهم يموت
- لكنك مازلت حية
هو قال ذلك أيضا.. قالها لي في آخر مرة سمعت فيها صوته
- وهل سمعت صوته بعد رحيله.. متى كان ذلك؟؟
في الشهر السابع لرحيله.. رماني بشك .. قتلني بأغنية.. قال اني أعيش حياتي طولا وعرضا فلم أشكو الحزن.. هل تصدقين إني التقيته في شهر تموز؟
- ماهذا.. كل الأشياء في حياتك معه ترتبط بالرقم سبعة، هل هي مصادفة أم ماذا؟
لأن أكبر الأشياء في هذا الكون تقف على الرقم سبعة، الكون خلق في سبعة أيام، أيام الإسبوع سبعة، السماوات سبعة، يوم سابع للعروس.. ويوم سابع للميت.. كل النهايات تختم بالرقم سبعة..
- تعلمين إذن انها النهاية، فلم لاتضعين الخاتمة أنت أيضا.. لم تعيشي معه سوى سبعة أشهر.. كفى ولتنتهي من عمليات العد والحساب؟
وكيف لي أن أفعل وشتان مابين السبعتين، نعم.. كانت سبعة أشهر فقط.. أصحو فيها كل يوم على صوته.. أرطب المساءات بغزله.. أضع تأريخ أيامي على مواعيد شحيحة أراه فيها.. وأسهر ليلي بانتظار عودته.. يكابر النوم.. تعاند الاجفان.. تصم الآذان عن كل شئ فلا أغفو الا بعد سماع صوته. نعم كانت سبعة أشهر.. لكن فيها اكثر من مئتي يوم.. مئات الساعات وآلاف الدقائق والثواني التي انتشرت ذكريات بين خلايا جسدي وكريات دمي.. ملأ كل الفراغات وسد كل الثغرات.. ردم هوة الحزن في صحراء أيامي وفتح للفرح بابا لم ألجه من قبل.. لن تدركي ماكانت..
سبعة أشهر تعادل سبعون عاما من الفرح..
- اذن يكفيك مافيها من ذكريات لتعيشي سنوات عمرك الباقية!!
قال لي ذلك أيضا بعد رحيله.. قال إن له معي ذكريات لن ينساها هي الأجمل في حياته.. لم أحتمل سبعة أشهر فراقه فكيف لي أن أحتمل سنواتي الباقية.. انت لاتفهمين.. لاتفهمين ماذا تعني سبعة أشهر من الموت البطئ.. أن أصحو كل يوم على خيبتي.. أن أمط النهار وأمضغ الليل وأتقيأ الفجر.. أن تشرق الشمس ولا أراها.. أن تغسل وجهي دمعة كل صباح وترطب وسادتي دمعة أخرى كل ليلة.. أن أسير وأنا واقفة.. أن أتنفس، لكن دون حياة..
- أفهم ماتقصدين.. منذ صغري كنت أشعر بالحزن كلما شاهدت مانيكانا في واجهة محل.. كم هي جميلة لكنها سجينة الزجاج.. كنت أحدث أمي عن حزني فتضحك وتخبرني بأنها مجرد دمية من المطاط او البلاستك او حتى الشمع.. لكني كنت أرى دمعة على خد المانيكان كلما مررت قربها ومازلت اشعر بذلك حتى إني لاأرغب بشراء ثوب يغطي جسد مانيكان
هذا ماقلته له.. لست سوى دمية ملونة في واجهة محل.. منذ غادرني ماعدت أميز بين ألوان أثوابي أو روائح عطري.. أحيانا لاأعرف ملامح وجهي رغم إني أنظر يوميا مرتين او ثلاثة في المرآة كأن كل مابي كان له فقط.. أخذ كل شئ معه ولم يترك لي سوى جسد خاو وصوت مشروخ.. وعيون برمجت على مرآى صورته فقط..
- وبماذا أجاب؟؟
رماني بوعد كعادته.. كثيرة هي الوعود التي غادرت معه.. وربما يكون هذا وعده الأخير
- وما أدراك.. قد يعود الغريب؟؟
لا أدري .. ولكنها كانت المرة السابعة التي أسمع فيها صوته منذ رحيله؟؟
سبعة × سبعة!!
بقلم : بشرى الهلالي ... 08.10.2014