أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
المُفكّر الأسير وليد دقّة يكتب روايات للفتيان!!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 11.03.2023

وليد دقّة (الأسير) منذ ستة وثلاثين عاما، والذي سيقضي قرابة ثلاثة أعوام أيضا حتى يغادر سجون الاحتلال التي تنقّل في أكثرها، وعرف زنازينها.
وليد دقة فاجأ عارفيه ومتابعيه بإصداره روايته الأولى للفتيان والتي تحمل عنوانا لها (حكاية سّر الزيت) عام 2018، والتي تكرر طبعها ثلاث مرّات، وهذا برهان على الحفاوة بها، ومن بعدها صدرت روايته الثانية( حكاية سر السيف) في العام2021والتي أنا بصدد التوقف عندها.,
لعلّ كتاب المفكّر وليد دقّة ( صهر الوعي) الصادر عام 2010 قد عرّف القراء به، وجعل كثيرين يقفون أمام جدّة وعمق ما طرحه في كتابه، وهو مخالف لما هو سائد، ويذهب عميقا في دور سجون الاحتلال واختلافها عن ما سبق وعُرف عن السجون في العالم، ويفتح العقول على أن الاحتلال الصهيوني وممارساته تختلف عمّا عرفه العالم من ممارسات الاحتلالات التي سبقته، وهو يقدّم دراسة غير مسبوقة فلسطينيا، وأذكّر بأن وليد دقّة فلسطيني من فلسطينيي الداخل المحتل منذ 1948مواليد باقة الغربيّة 1961وهو سجين منذ عام 1986ومحمكوم بالمؤبد.
إرادة الحياة دفعت وليد دقّة أن يُهرّب نطفة لزوجته سناء، بعد سنوات على زواجهما، ونجاح (العمليّة) و.. حمل الزوجة و.. إنجابها، وبهذا بات لوليد ورفيقة عمره السيدة سناء التي قضت نصف عمرها متنقلة على أبواب السجون، كما يصفها، بنتا جميلة هي ميلاد، و(ميلاد) الجميلة بلغت سنتها الثانية والتقيناها مع والدتها في عمّان قبل أيام في رابطة الكتاب الأردنيين حيث احتفينا بهما.
لعلّ أبوة وليد دقّة قد أينعت واخضرّت بولادة( ميلاد) الجميلة المفرحة.. ميلاد الأمل رغم عقود قضاها وليد في معاناة السجون فدفعته للكتابة للفتيان، بعد أن انشغل بالتنظير والتأمل وطرح الأفكار، فكتب رواية أولى(حكاية سّر الزيت)، ثم كرر التجربة في روايته الثانية (حكاية سّر السيف)، وقد علمت أنه على وشك أن ينجز روايته الثالثة رغم معناته الصحية مع مرض السرطان.
حكاية سّر السيف:
يهدي وليد دقّة الرواية الصادرة سنة 2021: إلى زوجتي ورفيقة دربي سناء، إلى من أمضت وما زالت نصف عمرها عند بوابات السجون على أمل أن تستعيد نصفه الآخر، وإلى ابنتنا ميلاد التي حولت اسمي لجملة مفيدة، ومنحت حياتنا والحرية معنى جديدا. (ص5)
في المدخل يتعرف قارئ الرواية على لينا وحصانها المدلل رهوان العائدين في الصباح الباكر من سهول القرية حيث يرعى العشب الطري قبل أن تشرق الشمس...
في الفقرة الثانية نلتقي ب(جود)، وهو كما عرفناه في الرواية الأولى (حكاية سّر الزيت) ابن أنابيب، والده في السجن، وقد دارت مغامراته هو وأصحابه، لتمكينه من رؤية والده، والمغامرات مشوّقة، وتعرّف القارئ ببعض مناطق فلسطين، وبما يتسبب به الجدار من متاعب وآلام للفلسطينيين.
يمزج وليد دقّة في روايته الثانية بين كل ما يتواجد في الطبيعة الفلسطينية، من بشر، وحيوانات، ونباتاتـ، وكلها تتعاون لتحقيق الهدف بروح جماعية، وبعد حوارات ديمقراطية بينها، فليس لأحد أن يفرض رأيه، وليس لأحد أن يقلل من رأي الآخر.
وكما هو متوقع فهناك أشرار في الحياة، وفي الطبيعة، كالضبع الذي يوصف بأنه نتن، وهو مفسد ومخبر وكاره للخير وفي خدمة الأعداء.
تبدأ أحداث الحكاية بالصوت القادم من الجهة الشرقية للقرية ومصدره الكلب أبوناب، والبس خنفور: الجيش ..الجيش يا جود. ويركضان بسرعة، ويخبران جود لاهثين: الجيش يا جود.. الجيش بيدوروا عليك. أُنبه إلى أن الحوار يجري باللهجة العامية المبسطة، فهناك لهجات شعبية فلسطينية كثيرة، وهذه إحداها، ولكنها سلسة ومفهومة ومستساغة.
الحيوانات تتكلم مع بعضها، ومع البشر، وهي تتعامل مع (العدو) على أنه عدو لها، فهي وأصحابها ينتمون لوطن واحد، ويعانون من نفس المتاعب التي يتسبب بها الاحتلال.
إذا كنا نلتقي بالحصان، والكلب أبو ناب، والقط خنفور، فلا بد أن نلتقي بالحمار أبوبراط الذي يتصف بشئ من الغباء وبالكثير من الطيبة، فهو غالبا يكرر ما يقال لمجرد أن يتنطع بالمشاركة في الحديث.
ينصح الخنفور جود: الواضح أنه انكشف أمرك يا جود، أكيد عرفوا إنك إنت يلي بتهرب الأطفال عن الحواجز بعد ما تدهنهم بزيت الإخفاء لتأخذهم ع بحر يافا. (ص9)
في الحكاية شجرة معمرّة يزيد عمرها على ألف وخمسمائة عام، وهي أيضا تتبادل الكلام مع جود ولينا ورؤية، ومع الحيوانات الأليفة ابنة البيئة الفلسطينية، وتخبئ الجميع بين اغصانها الكثيفة عن عيون أفراد العدو، وتمكنهم من النجاة والأمان.
تخفي رؤية جود في بيتها لأنه مُطرف عن القرية، وهناك يتعرف بجدتها المصابة بمرض النسيان، والتي لا تميّز بين السيف والمفتاح.. لقد أصبح السيف مفتاحا لذاكرتها، ويوضح لها حفيدها زين:
هذا سيف اشتراه لي عمي من البلدة القديمة في القدس.(ص34)
يقول الحاج صالح:
هاظ (هذا) المفتاح هو سيفي. إن فرطت فيه كمفتاح ما بفرّط فيه كسيف.
هذه المجموعة، من حيوانات، وفتيان وفتيات، يتوجهون إلى حيث سيحضرون (زيت الإخفاء)، وهو نوع من زيت (الجرجير) الذي يتم المسح به على الأجسام فلا يستطيع الأعداء رؤيتهم، وهو ما يمكنهم من عبور الأماكن إلى حيث يبلغون هدفهم.
تمّر المجموعة بواد الحوارث، وهو سهل استحوذ عليه(اليهود) قبل احتلال فلسطين، وطردوا الفلاحين منه، وهدفها الوصول إلى قاقون لإحضار زيت الجرجير.. ويتمكنون من إحضار كواشين أرضهم، ولعبة الجدة فريدة التي تركتها في القرية عند مغادرتها مع أهلها وهي طفلة.
يقترح جود على المجموعة: لازم نزور قاقون، زيارتها ممكن تحسم أمور كثيرة.
عندما يصلون إلى واد الحوارث يساعدهم التمساح بحملهم على ظهره حتى يعبروا المياه إلى قاقون حيث زيت الجرجير.
يجدون الكواشين التي تثبت ملكيتهم لأرض آبائهم وأجدادهم، ولعبة الجدة التي تركتها وهي طفلة، وبعد عودتهم من رحلتهم يقدمون اللعبة للجدة التي تتفتح ذاكرتها وتبدو كأنها استعادت ذاكرة وأيام طفولتها...
يقترح زين: لازم ننشر الكواشين.
قالت لينا: إحنا الكواشين، إحنا نسل الذاكرة. إحنا الأبناء والأحفاد كواشين وطننا المسروق.
قالت رؤية: إحنا في مخيمات اللجوء في لبنان وسورية والأردن وغزة والضفة، إحنا المهجرين في وطننا، في الجليل، والمثلث، والنقب حقيقة أكثر من أي حقيقة.
تنتهي الرواية بخاتمة ذات دلالة: في ذكرى النكبة، وفي ساعة متأخرة من
مساء 15/5 شوهدت في سماء القرى المدن الفلسطينية المهجرة مئات البالونات والطائرات الورقية المضيئة ، وقد نشرت بعض المواقع، الإلكترونية بأن مئات الأطفال نجحوا بتجاوز الحدود ووصلوا قراهم ومدنهم، وقد أُطلق على هذا الحراك: نسل الذاكرة لن ينسى.
*صدرت رواية الفتيان هذه في فلسطين عن مؤسسة تامر للتعليم الجامعي عام 2021.

1