**شاعر ومسرحي وصحفي غزّاوي عاش حياة صاخبة ورحل مبكراً
قرأت شعره مبكرا، وأنا في الابتدائي، في مدرسة مخيّم (النويعمة) أحد مخيمات أريحا، وكنت في الصف الخامس، وكان والدي قد أحضر مجوعة شعرية حجمها كبير وورقها قليل، وطلب منّي أن أقرأ ليسمع، فأخذت أتهجأ الكلمات، وبعضها غير مفهوم لي، وأبي الأُمي يصحح لي، ويردّد ما يسمع، ويثني على الشاعر الذي يصفه بالرفيق خريّج السجون، قائد التظاهرات الرافضة للتوطين، وأنا أصغي وأحاول أن أفهم كلمات أبي التي يصف بها الشاعر.
كان أبي شيوعيا، ودارت الأيّام وطالت قامتي شبرا، وبّت قادرا على قراءة كلمات قصائد الشاعر، ولم أكن قد قرأت سوى مجموعة( صوت الجياع) للشاعر خليل زقطان التي أحضرها أبي لي، وكنت أعرفه من أيّام مخيم (الدهيشة) جار بيت لحم، وكان صديقاً لأبي.
معين بسيسو وهارون هاشم رشيد شاعران غزيّان، ولدا في سنة واحدة، هي سنة 1927، وعاشا في غزة ودرسا في كليّة غزة، ومن غزة انطلقت شهرتهما، وإن تباينا في انتمائهما الفكري، فهارون هاشم رشيد نشأ واستمر قوميّا، ومعين بدأ شيوعيا واستمر معتنقا للفكر الماركسي، والإثنان بقيا وفيين لغزة وما تمثله بمقاومتها العنيدة، وعنها ولها كتبا أجمل شعرهما، رحمهما الله.
قدّم للطبعة الثانية من كتب معين النثرية الشاعر الكبير سميح القاسم: لهذا المارد اسم هو معين بسيسو، معين توفيق بسيسو (أبو توفيق) كما أحب وأحببنا أن نخاطبه، وأبو توفيق معين بسيسو شاعر كبير. استمد كبره وكبرياءه من منجمين عميقين وثريين: منجم الالتزام الثوري، ومنجم الإبداع الشعري. وإنجازات معين الشعرية والمسرحية ونثرياته اليومية الحياتية اللامعة، كانت وينبغي أن تظلّ ركنا راسخا ومضيئا من أركان الثقافة العربيّة الفلسطينية، بأبعادها الوطنية والقومية والإنسانية. (ص9من كتاب يوميات غزة)
قدّم الشاعر الكبير معين بسيسو لكتابه النثري( يوميات غزة) وتحت العنوان: مقاومة دائمة: قال موشي دايان ذات يوم لأحد الصحفيين: إن مفتاح أي مدينة، ليس أكثر من قطعة الحديد، تلقى تحت جنازير الدبابة الإسرائيلية فتأخذ شكل المفتاح الذي نريده.. لباب المدينة التي نريد فتحها. ولكن جنازير دبابة موشي دايان..قد أخذت تدوس شيئا آخر غير قطعة الحديد.. أحلام دايان نفسه في السيطرة على غزّة...(ص 15 يوميات غزة).
يكتب معين بسيسو عن قطاع غزّة بعنوان طريف: علبة الكبريت التي اسمها قطاع غزة، وهذه شهادته عن حرب ال56، أو العدوان الثلاثي الذي ضمّ بريطانيا وفرنسا وكلبهما الكيان الصهيوني، وقد كان لأهل غزّة مقاومة مشرّفة، وغزة التي تخوض حربها العظيمة هذه الأيام التي بدأتها بمعركة 7 تشرين أوّل من هذا العام، والممتدة حتى اليوم و.. وستمتد إلى أن تتحقق هزيمة الكيان الصهيوني المجرم، ولغزة تاريخ مع المقاومة، ولذا يتصاعد حقد الصهاينة عليها، ونستعيد بعض تاريخها مما كتبه الشاعران الكبيران معين بسيسو وهارون هاشم رشيد: على طول الطريق من رفح الفلسطينية حتى مدينة غزة يمتد شريط من الإسفلت طوله ستة وأربعون كيلو مترا تقريبا ، وعرضه في المتوسط عشرة كيلو مترات.. وبين طول الطريق وعرضه، وفي هذه العلبة من الكبريت التي تحمل اسم قطاع غزة_ يوجد ما يقرب من نصف المليون من الشرائح الباقية من جسد الشعب العربي الفلسطيني . (ص17)
كان عدد سكان القطاع آنذاك نصف مليون تقريبا، ولقد دوّخ الاحتلال الصهيوني، كما خاض القطاع ضده مقاومة باسلة بعد هزيمة حزيران 67.
يكتب في اليوميات فصولاً مركزّة مشحونة، بلغته الرشيقة التي تشبه ضربات ريشة رسّام بارع: إن غزّة لا تطالب أية مدينة عربية أن تقدّم لها سيفا من الذهب..كما قدمت مدينة لندن سيفها الذهبي في أعقاب الحرب العالمية الثانية تحية لنضال مدينة ستالينجراد، ولكن غزة تطالب بشئ آخر، غير السيف الذهبي، تطالب بحجر واحد يضاف إلى متاريس المقاومة في شوارعها.. تطالب بمشط رصاص يضاف إلى عناقيد الرصاص التي تتدلّى من أعناق مناضليها ..(ص23)
..وكأن معين بسيسو يكتب، أو يواصل الكتابة عن معركة غزة المستمرة حتى أيامنا الراهنة.
ومخططات ترحيل غزة التي يثيرها العدو الصهيوني، ويعمل على تحقيقها بالتدمير والمذابح تعود إلى زمن مضى. يكتب معين بسيسو: وفي 29 أغسطس سنة 1953 كانت الغارة الإسرائيلية الأولى على معسكرات اللاجئين في البريج ..وجاء مندوب الوكالة ذو العينين الزجاجيتين اللامعتين ليقول للاجئين الذين لم يدفنوا أشلاء قتلاهم: الأفضل أن ترحلوا في اللوريات..بدل أن ترحلوا على أقدمكم.
ويضيف معين: وكان رّد اللاجئين على الرجل ذي العينين الزجاجيتين الزرقاوين، هو إضرام النيران في تلك اللوريات المطلية باللون الأزرق والتي أُعدت لترحيلهم.(ص35)
في مقدمته لكتابه دفاتر فلسطينية يكتب عن تلك الأيام، الأيام التي شهدت مؤامرة (توطين) فلسطينيي غزة في سيناء، وعن دور شيوعيي قطاع غزة والقوى الوطنية، والذين معا اشتركوا في تأجيج التظاهرات الشعبية الرافضة لمشروع التوطين، وشارك فيها الشيوعيون والإخوان المسلمون، وكن الشاعر معين بسيسو في مقدمة تلك التظاهرات مهيبا بالجماهير أن تحتل الشوارع وترفض التوطين: ..فهم الذين هندسوا وفجّروا انتفاضة مارس التاريخية ضد مشروع إسكان وتوطين اللاجئين في شبه جزيرة سيناء عام 1955 وأسقطوه، وكان أوّل شهيد فلسطيني يسقط رميا بالرصاص في الشارع هو شهيد الحزب الشيوعي في قطاع غزة: الرفيق حسني بلال محتضنا شعار حزبه:
كتبوا مشروع سيناء بالحبر
وسنمحو مشروع سيناء بالدم (ص15)
وها هم أحفاد أبطال ذلك الزمن، من محو مشروع سيناء بالدم، بالبطولة والمقاومة المسلحة يواصلون، ويبقى أن الجماهير الغزيّة تتوارث البطولة، وروح المقاومة، والعنفوان والكبرياء وهي تقاتل من جديد وتواصل بعناد محاولة دفع جماهير غزّة للرحيل عن أرضها، أرض فلسطين، وتندفن تحت ركام بيوتها مع أطفالها وهي تهتف: لن نرحل، وسننتصر على الاحتلال، وسنمحوه من جذوره.
معين بسيسو شاعر جماهيري، إبن الشعب، حامل تراث غزة المقاوم للغزو النابليوني، ومن بعد الصهيوني والبريطاني، المؤمن برفقة الكفاح التي تجمع كل المناضلين المقاومين للاحتلال في صف واحد كالبنيان المرصوص، ومعين وكما يشهد مناضلون صادقون رووا سيرة بطولته وتقدمه للصفوف شابكا ذراعه بأذرعة إسلاميين وبهدف واحد: إسقاط مشروع التوطين، ونقل الفلسطينيين من ثرى غزة إلى رمال سيناء.
في الدفاتر يكتب شيئا عن سيرته: ولدت في بيت جدّي لأبي في حي الشجاعية في غزة. كان جدي من أجل مهابته يفرض على أولاده الثلاثة أن يسكنوا معه، يتباهى بأنه أرسل أبناءه الثلاثة إلى جامعة إستانبول، أمّا حين كان يغضب على عمي عاصم فقد كان يصرخ: أرسلتك إلى استانبول لتعود بشهادة فعدت بحبل مشنقة.
عمي عاصم أول ما وصل إلى استانبول اشترك في إصدار مجلة (المنتدى العربي). كان الطلاّب العرب يتعلمون لغة السلطان التركي لكي يتآمروا باللغة العربية ضد الأتراك. وألقي القبض على عمي عاصم وقدّم للمحاكمة وحكم بالإعدام.. ويفلت عمي من حبل المشنقة بمعجزة.. من يومها أحببته (40).
كيف بدأت علاقته بعصبة التحرر الوطني؟
يكتب: في نادي غزة الرياضي كانت بداية علاقتي بعصبة التحرر الوطني.(ص44)
ويضيف: كان فؤاد نصّار أول من قدم لي (أبوذّر الغفاري) وقدّم لي بعده(عبد الله بن علي) صاحب ثورة الزنج، وعلّمني كيف أحب(أبوسلمى) شاعر ثورة 1936وشاعر الحركة الوطنية..ويغضب معين بعدذلك من جريدة (الاتحاد) التي نشرت قصيدته في بريد القرّاء..ولكن بعد ذلك بعامين، في العشرين من ايّار 1948 كانت عصبة التحرر الوطني بقرار من فؤاد نصّار توزع قصيدتي بصورة سريّة..والتي يقول فيها:
أنا لن أُبدل حبل مشنقتي
ولا زرد الحديد
لكنه مرّ الرصاص
وخلفه مرّ الجنود (ص44)
عن دراسته في القاهرة، في الجامعة الأمريكية /قسم الصحافة يكتب عن لقائه بعبد الرحمن الخميس الشاعر والكاتب والفنان المصري: في أكتوبر 1948 ذهبت إلى قسم الآداب في الجامعة الأمريكية في القاهرة، والقاهرة في ذلك الوقت كانت بالنسبة لي هي عبد الرحمن الخميسي الذي كان كلمة السّر الشعرية إلى روح مصر ومجلة (الرسالة) التي كان نشر قصيدة واحدة فيها يجعل لك اسما في الشعر.(ص 47)
تتعثر معرفته بالخميسي، لأنه قال له رأيه بصراحة في كتابته لألف ليلة وليلة من جديد، فمعين البرئ غير العارف بعقد المثقفين والمشاهير صارح الخميسي بأنه يُفضّل ألف ليلة وليلة القديمة، فنفر منه الخميسي ولم ينشر قصيدته التي سلّمه إياها لنشرها في جريدة( المصري)، وبدلاً منها وجد إعلانا عن أحذية (باتا) ص 47.
ولكن الخميسي شكّل قدوة له، بل يكاد يكون أستاذه، وهو دعاه مرار إلى بيروت، ايام بات الفاكهاني عنوانا للثورة الفلسطينية.
يندمج معين في الحركة الثقافية المصرية، وتتعمق صداقاته بالكثيرين، وبخاصة رموز الثقافة التقدميّة، ويبرز اسمه كشاعر، وتتسع ثقافته، ومع هبوب رياح الحداثة في الشعر العربي، وبروز أسماء المجددين يمضي معين في تجديد قصيدته مجاريا شعراء التفعيلة، ويعمّق إيمانه بقضايا الجماهير، ويزداد إيمانا بدور الشاعر في خدمة قضايا وطنه وشعبه، وانتمائه للإنسانية.
الشاب القادم من (غزّة) إلى القاهرة، كان مندفعا للنهل من المعرفة ورحابة وعمق الثقافة التي كانت تغني الحياة الثقافية المصرية آنذاك، والتي يكتب عن أفضال بعض رموزها عليه: أوّل من قدّم لي الشاعرين الفرنسيين – أراغون وإلوار- كان الشاعر فؤاد حداد، وحسن فؤاد وزهدي الرسامان المصريان قدما لي بيكاسو، وصلاح جاهين قدم لي فونتمارا، والخبز والنبيذ لأغناسيو سيلوني. هؤلاء الذين قدّموا لي كل هذا الشعر، وكل هذا اللون، قدموني لمصر، ولولا عمال مطبعة (أورفند) الذين دافعوا عن مطبعتهم في وجه المحرقة لما ظهر ديواني الأوّل ( المعركة) ص 48.
يعود معين إلى غزّة، ويكتب: كان علي أن أعمل شيئا ما، فأصبحت مدرسا في مدرسة الحكومة في الشجاعية.
من بعد يترك عمل المدرس في الشجاعية، ويحمل عقدا للعمل في العراق، ويتوجه إلى الديوانية، ويكتب عن تجربته التعليمية في قرية فقيرة، وعن تواصله بالحزب الشيوعي العراقي أثناء الحكم الملكي واشتداد قبضة نوري السعيد: بدأ حبر المناشير يفوح في شوارع بلدة ( الشامية)،وبدأت الرقابة البوليسية تشتد. كان علي أن أفعل شيئا ما كي أفلت من المصيدة، وجاء مندوب من الحزب وطلب منّي السفر معه فورا إلى بغداد، وسافرنا في الليل إلى النجف، ومنها إلى بغداد. في بغداد كان قرار الحزب أن أُغادر العراق. (ص57)
يعود معين إلى غزّة، ويكتب عن خرافة شمشون بأسلوبه المثير الساخر: وغزة التي لوت ذات يوم قرني (شمشون) وأرغمت هذا الثور الأمي الصهيوني الذي كان في عضلاته أوّل بذور الصهيونية، أرغمت هذا – القوة الهمجية الذي كان يربط قصاصات النيران في ذيول بنات آوى ويطلقها في زمن الحصاد لتحرق قمح أجدادنا الفلسطينيين القدامى.
غزة أرغمت هذا الشمشون على أن يفعل رغم إرادته شيئا مفيداً أن يجّر طاحون المعصرة وأن يكتب معادلة موته: السم الصهيوني ضد الزيت الفلسطيني. (ص60)
ترى: لو أن معين بسيسو الشاعر والمسرحي الكبير ما زال حيّا، ماذا كان سيضيف إلى ما كتبه لغزّة وعنها في أيامنا وهو يعيش في زمن حريق غزّة بوحشية جيش كيان مريض برعاية أمريكا بايدن الذي أعلن بصفاقة: لو لم تكن( إسرائيل) موجودة لأوجدناها.
ولكن غزّة تهزم الخرافة ووحشها المشهور بجنون قوته، وبدمها وشجاعتها المبهرة للبشر في زمننا تواصل لطمه وهي تنزف دما حّراً شريفا شجاعا نيابة عن كل البشر الذين يصرخون لاعنين الوحش الصهيوني ومباركين الفلسطيني الذي يرفض الموت، وينشر أنشودة بطولة الحياة في مواجهة فرانكشتين الصهيوني الأمريكي.
بعد شهرين من الانتظار يعيّن معين أستاذا في وكالة الغوث في مدرسة (البريج) الإعدادية التي تشرف عليها وكالة الغوث، ويكتب نشيدا مطلعه:
وطني لن يهاب
الصعاب والعذاب
ويخاطب أهله في قطاع غزّة، وفي كل فلسطين:
أُرسمي من دمي ومن أصفادي
يا أيادي خريطة لبلادي
وهكذا قاوم الفلسطينيون التوطين، وعسف البوليس، وواصلوا الإنشاد:
الضحايا قد عانقتها الضحايا
وا لأيادي تشابكت بالأيادي
فنهوضا إلى النضال نهوضا
لا يعيش البركان تحت الرمادي. (ص 74 و 75)
ولم يخمد بركان غزّة تحت الرماد، وعلى الدوام قاومت غزّة وظلت راية للمقاومة منذ عام النكبة 1948 وحتى يومنا، وستواصل نفث روح المقاومة في سماء فلسطين، وفي نفوس قلوب وعقول وضمائر الشرفاء فلسطينيا وعربيا وعالميا.
يكتب معين بسيسو عن شحن التقدميين الفلسطينيين المقاومين مقاطع موجعة، فهم يشحنون في القطار إلى السجن، ويصف التعذيب وآثاره على الأجساد، وعن الإخوان المسلمين الغزيين الذين شملهمتهم قسوة التعذيب والشحن في القطارت، ومن الذين يذكرهم محمد يوسف النجّار_عضو لجنة فتح المركزية فيما بعد_ وما جرى لأصابع يديه اللتين وقع الضرب الشديد عليها!
في كتابه (دفاتر فلسطينية) يروي خطوبته لصهباء البربري زوجته ورفيقته حتى آخر العمر، وصدور عمليه الشعريين بتقديم الدكتور عبد العظيم أنيس، والمناضل الدكتور عبد الرحمن شقير.
مسيرة معين بسيسو النضالية تحتاج ممن يرغب في قراءتها بالتفاصيل وبعمق أن يقرأها مبثوثة في كتاباته النثرية، والتي يسرد فيها تضحيات وبطولة غزّة بتقدمييها وإسلامييها ووطنيها المستقلين.
*
عرفت معين بسيسو، ونشأت بيننا صداقة في بيروت، وتعمقت صداقتنا أثناء معركة بيروت عام 1982، وفي بيروت حرص أن أقدمه في امسية خاصة به وحده في قاعة جمال عبد الناصر، وعرفته بأبي الذي زارني في بيروت عام 1979، وفوجئ معين يومها بأن أبي الأمي يردد شعره الذي كنت أتلوه على سمعه، بينما هو يصغي بعمق، ويردد بفخر شعر معين الثوري الجرئ.
عندما بدأت معركة بيروت في حزيران 1982 التقى عدد من الكتاب والصحفيين العرب، وقررنا أن نصدر جريدة يومية واتفقنا أن يكون اسمها (المعركة) ووضعنا لها شعاراً:
قد أقبلو فلا مساومة
المجد للمقاومة
وهو جزء من قصيدة معين التي أطلقها في وجه العدو الصهيوني عام 56، ونحن نرّد على الغزوة الصهيونية لبيروت بنفس الشعر والروح المصممة على المقاومة.
أصدر معين بعد المعركة مباشرة، كتيبه الذي روى فيه تجربته، وبعض ما جرى في أيام معركة بيروت، وأطلق عليه عنوانا هو( 88يوما خلف المتاريس) وقد كرمني بفقرة عن دوري الإعلامي أثناء تلك الأيام: فأي كاتب قصّة يمكن أن يكتب في مستوى ما كتبه الروائي الفلسطيني الشجاع رشاد أبوشاور الذي كان يوقّع باسمه مرّة ومرّة أُخرى باسم ابن كنعان؟ وأي صحفي يمكن أن يكتب في المستوى الذي كان يكتبه حنا مقبل؟ (ص 131)
كتب معين في كتابه: كانت الكتابة لجريدة المعركة هي أحد المبررات الأساسية للوجود والحياة.( ص 154)
على الصفحة الأولى من مجلّد أعماله الكاملة كتب لي الإهداء التالي: إلى الرفيق الحبيب لموهوب المناضل رشاد أبوشاور بيروت نوفمير 1980..وما زلت أحتفظ بهذا المجلد لأعماله الشعرية الصادر عن دار العودة _بيروت، وبصورته على الغلاف التي رسمتها الفنانة الكبيرة تمام الأكحل.
أسهمت في ندوة كبيرة عن الصديق الكبير معين بسيسو في عمان إحياء لذكراه، وتحدثت عنه باستفاضة.
كان معين بسيسو جزءا من الحركة الثقافية المصرية التقدمية، وفي مصر ارتبط بصداقة عميق مع الشاعر والقاص والفنان الكبير عبد الرحمن الخميس، وقدمت بعض مسرحياته الشعرية وومنها (ثورة الزنج)، وقد أخبرتنا الفنانة محسنة توفيق بأنها كانت تمثل دور البطولة مع الفنان عبد الله غيث، ومرض عبد الله غيث، وأُحرجنا فوقت العرض اقترب، ونحن على وشك أن ندخل إلى الخشبة، فهل نعتذر عن تقديم العرض؟ معين قال لا بثقة : لا..أنا سأمثل الدور، وأدى الدور بطريقة مبهرة..وصفق الحمهور للعرض، واكتشفنا يومها أن معين ممثل أيضاً.
المسرح الوطني الفلسطيني قدّم له مسرحية (الكرسي) من إخراج الفنان خليل طافش، وبطولة : عبد الرحمن أبوالقاسم، زيناتي قدسية، انتصار فؤاد..وكان العرض جميلاً، وقد تميّز بديكوراته المدهشة التي صممها الفنان البارع جميل عوّاد.
يهيأ لي أن بعض أهلنا في غزة ينشدون هذه الأيام:
أنا إن سقطت فخذ مكاني يا رفيقي في الكفاح
كتب صلاح جاهين لمعين بسيسو قصيدة باللهجة المصرية يقول مطلعها:
معين يا صوت الضحايا
تملّي صوتك معايا
وصوت معين المدوي في فضاء غزة ما زال هناك، وهو ينشد مع جماهير غزّة البطلة:
قد أقبلوا فلا مساومة
المجد للمقاومة
معين بسيسو….!!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 24.11.2023