لم يعد في القسوة ما يدهش, فلقد بات بعض البشر يتفنن في اختراع أشكال للعنف والتنمر والقسوة والغلظة في التعامل والجبروت وممارسته, قسوة باتت تكاد تخلع الناس من جلودهم بل باتوا يعتادون عليها يوما بعد يوم, فالقسوة اختراع بشري لان الحيوانات لا تعذب بعضها البعض بل نحن من يفعل ذلك بوحشية مع بنو الانسان والحيوان, من يتعاطف مع الحيوان هو في الغالب يتعاطف بشدة مع الانسان, لذا يعتبر الرفق بالحيوان من أنبل الصفات التي يجب أن يتحلى بها الإنسان، لكننا رغم ذلك نعد نحن الكائنات القاسية الوحيدة على هذا الكوكب !
هناك العديد من الحالات التي شاهدنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتي أدمت القلب والروح في تعذيب الحيوانات وقتلها والمحزن في الموضوع أن ثقافة تعذيب الحيوان منتشرة جداً وعلى العلن لا بل ويعتبرونها أمراً عادياً لدرجة أنهم يصورون هذه الأمور عن طريق فيديوهات ليتم نشرها في ما بعد على سبيل التسلية، دون أدنى تأنيب للضمير ,فمنهم على سبيل المثال من قذفوا بكلب من الشرفة ليرتطم بالأرض وينازع حتى الموت, ومنهم من وضع السم في إناء الكلب ليأكل حتى يتسمم جسده ويموت, ومنهم من يعذب القطط لمجرد أن أشكالها تزعجه وتؤرقه ومنهم من ربط كلبا بالجنزير الحديدي ليضحك عليه وهو يعرج ومن ثم قتله بسكين وتركه ينزف حتى الموت, ومنهم من وجد طير مصاب وساقط على الارض فأمسكه بيده وقطع رأسه بأسنانه, ومنهم من امسك بكلب مصاب فضربوه بشدة بالحصى والحجارة ثم وضعوه في اطار سيارة قديم وحرقوه, وهناك من قام بإجبار الحيوانات على شرب الأسيد لمشاهدتها وهي تتعذب حتى الموت، وهناك من يقوم برمي الحيوانات من ارتفاعات شاهقة، أو دق الأوتاد والمسامير في رؤوسها، أي مشاعر وحشية تلك التي تضحك وتتغني على منظر التعذيب والقتل والدماء؟ ألم يلن قلبك أيها الانسان لترفق بهذا الحيوان وهو ينزف أمامك ويحتضر؟
في مجتمعاتنا عندما تتحدث عن الرفق بالحيوان وانك متعاطف مع حيوان يعاني ستجد من يهز رأسه ويده ازدراء, وان الحديث في حقوق الحيوان يعتبر من أحاديث الترف والبطر, وللأسف نحن نفتقر لثقافة الرفق بالحيوان بل نعتبرها “كلام فارغ” وعادةً ما تُصاغ جملة حقوق الحيوان في جو فكاهي وكأن هذا الأمر مضحك, ان هوية الانسان وميولة الاجرامية تظهر في تلك الأمور التي يفعلها في صغره وهي مؤشر خطير وناقوس خطر يجب الالتفات له ومعالجته ويجب اشعار الطفل بفداحة وكارثية ما يفعله وبأن الحيوان يشعر بالألم والمعاناة والقسوة والضرب بالضبط كالإنسان, يقول جون لوك: " ان قتل وتعذيب الحيوانات سيجعل من هؤلاء بالتدريج كائنات تمارس العنف ضد البشر وان هؤلاء الذين يستمتعون بمعاناة ودمار المخلوقات لن يستطيعوا ان يكونوا عطوفين تجاه ابناء جنسهم".
ولقد عززت بعض الأمثال والعادات والطقوس الاجتماعية سبباً مباشراً لتعذيب الحيوانات، مثل طقس خنق القطة أمام الزوجة في ليلة الزفاف كنوع من إثبات السلطة الذكورية في بعض المجتمعات، كذلك الاحتفالات الجماعية القائمة على تعذيب الحيوانات مثل المهرجان السنوي لتناول الكلاب في الصين والذي يتضمن تعذيباً جماعياً للكلاب والقطط قبل تناول لحومها.
خلق الله الإنسان وكرمه، وسخر له الحيوانات لتخدمه في قضاء حوائجه فيستفيد من لحومها وألبانها، ويرتدي الملابس من صوفها وجلودها، ويتخذ من بعضها زينة وطيبًا ونهى الدين الإسلامي في كثير من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية عن تعذيب الحيوانات ومنع الطعام والشراب عنها أو تحميلها فوق طاقتها، فالحيوانات كائنات حية تخدم الإنسان في كثير من نواحي الحياة ولكن يجب الرفق بها وتوفير الطعام والشراب والمكان المناسب لها، وقد كانت العرب تهتم بالخيول وتحرص على تربيتها وانتقاء سلالاتها الجيدة وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمسح وجه فرسه بردائه , ورأى الصحابي الجليل أبو قتادة قطة تبحث عن ماء لتشرب، فأمال لها الإناء حتى شربت وانصرفت.
الظاهرة لها أبعاد عديدة تتخطى كون القضية تتكلم عن حيوان تم تعذيبه فهنا نحن نتكلم عن بشر فقدوا إنسانيتهم تماماً, أناس يعانون من وجود اضطرابات عقلية ونفسية, لذلك وجب على الدولة العناية بالحيوانات ووضع قوانين تحرم العنف والقتل والتعذيب بوحشية واستغلالها ويجب معاقبة المخالفين، كما أن على الدولة إنشاء مرافق للحيوانات ومزارع لإيداعها لها وتوفير الحياة المناسبة لها حتى تحيا بشكل طبيعي بعيداً عن أعمال العنف التي يتبعها بعض الأفراد، فالحيوانات كائنات حية تشعر وتحزن وتفرح ولابد من رعايتها وتوفير حياة جيدة لها, وإدخال مفهوم الرحمة على الحيوان وضرورتها سواء بالمناهج الدراسية أو عن طريق نشاطات مدرسية.
القسوة اختراعّ بشريّ ...!
بقلم : د .نيرمين ماجد البورنو ... 11.11.2019