"تأشيرة" اسم لرواية للكاتبة الفلسطينية صابرين أحمد عودة، تهديها إلى الحرف الذي وهبها السعادة حينما بخل عليها العالم في بسمة، صادرة عن دار يافا في عمَّان، وبتقديم مختصر ومكثف من عبير فليحان/ سورية، والرواية فن أدبي قديم وإن لم يدخل مجتمعنا العربي بقواعده الحالية الا في اواخر القرن التاسع عشر، لكنه بشكل أو آخر كان جزءًا من الادب العربي النثري، وإن غلب عليه طابع الحكاية في السابق كما البخلاء للجاحظ وكليلة ودمنة لعبد الله إبن المقفع، حتى أصبح البعض يسمي الرواية ديوان العرب على نسق الشعر الذي كان يسمى مرآة العرب، ولهذا تصبح الرواية أمانة بيد كل من يكتبها حتى تكون ديوان للعرب لأجيال آتية لم تعش ما عشناه بعد.
ومن اسم الرواية "تأشيرة" نستنتج المعاناة مع السفر، ومن الغلاف حيث وجه لامرأة فلسطينية تتلفع بالكوفية الفلسطينية وفوق رأسها ختم تأشيرة وعلى الغلاف برج القاهرة، نكون قد وضعنا مسبقا بمحتوى الرواية ومعاناة الفلسطيني بالسفر وخاصة من يحمل مجبرا جواز السفر الصادر من دولة الاحتلال، وفي ظل تقسيم الشعب الفلسطيني بين أراض احتلت عام 1948 وفي اراض احتلت عام 1967 أصبح التصنيف حسب الهوية في فلسطين، فهناك هوية للقدس وهوية لغزة وهوية للضفة إضافة لهوية العمق الفلسطيني المحتل عام 1948، وأضيف اليها وثائق السفر حسب دول اللجوء، فهناك وثائق سفر لبنانية وسورية وعراقية ومصرية، وجوازات مؤقتة أردنية تمنح لأبناء قطاع غزة الذين أجبروا على النزوح للأردن عام 1967، فواضح ان الرواية تتجه من خلال هذا الواقع فتذيل الغلاف الخلفي بعبارات وردت في الصفحة الخامسة قبل البدء بالرواية ومنها:"يبدو لي الأمر غريبا حينما أكتب مكان ولادتي وفي نبض منطقة "67" ترعرعت وشهادتي الجامعية فلسطينية، وعبرية يتهامسون، لم أكن وقت الهجرة، ولا ذنب لي في التصنيف، كل ما في الأمر أني فلسطينية الدم والروح"، وهذه العبارات التي لم ترد على أي لسان متحدث بالرواية جعلتني أشعر بعد قراءة الرواية أن الرواية اضافة لخيال الكاتبة قد كتبت بعض من سيرتها الذاتية.
الرواية ومن الفصل الأول الذي أسمته "غربة" بدأت كما عرف بأدب المراسلات، حنين في فلسطين والتي تسكن رام الله ولكن رام الله لا تسكن روحها وزيد في القاهرة، لكن ليس على شكل رسائل متبادلة ولكن أسلوب الكتابة يوحي بذلك، لكنها ومنذ الفصل الأول رواية عاطفية تروي حكاية عاشقين فرقت بينهما الأقدار، تعالج من خلالها العديد من القضايا الاجتماعية ومعاناة المواطن مع اختلاف أشكال الهويات الشخصية التي يحملونها في ظل وطن واحد خاضع للاحتلال، والراوية حنين تسكن في بيت تشعر انه يخنقها بغرفة للطفل وغرفة تختنق بأنفاسها وأنفاس زوجها غرفة جلوس بها تروي الحكاية، وغرفة في الأسفل تحتوي سرا في غرفة موصدة لا تكشفه الا في عقدة الرواية، يشدها الحنين لقريتها "شمالية الهوى" ولأمها وللبيت العتيق، متنقلة بين أنحاء الوطن المحتل في همسات وجدانية ممازجة النثر مع نصوص النثيرة من الشعر النثري، كتبت بأسلوب اعتمد على قوة اللغة إلى درجة التعقيد، فلا تترك المجال للقارئ في بداية الرواية أن تثار في روحه الدهشة، حيث الابتعاد عن سلاسة اللغة وبساطتها وعن السرد الروائي، حيث كل منهما يبث الآخر لواعج حب واعترافات من البعيد إلى البعيد.
في الفصل الثاني الذي أسمته "وطن" تواصل حنين بوحها وتكمل رواية الحكاية مع نصوص نثرية من الشعر الحديث ومقطع من رواية تقرأها، والملاحظ ان كل فصل بدأ بمقولة لشخصية معروفة فالفصل الاول بدأ بمقولة أحمد بخيت والثاني محمود درويش، والثالث والرابع والخامس لمؤلفة الكتاب صابرين عودة، والسادس لأحمد خالد توفيق، ويكمل زيد رواية الرواية لكن من فلسطين بعد أن عاد من القاهرة الى رام الله بعد غياب خمسة عشر عاما، علما انه نزل مباشرة في بيته الذي تسكنه شقيقته ميس في مدينة البيرة وفي حي الجنان وليس في رام الله!!، ومن هذا الفصل يشعر القارئ انه بدأ يعيش أجواء رواية مبدئيا وليس مثل الفصل الأول، وفي الفصل الثالث الذي أسمته موت تبدأ الرواية في الظهور من خلال سرد روائي ابتعد عن التعقيد اللغوي والبوح الوجداني المغرق بالتعقيد، فهنا في هذا الفصل تظهر عقدة الرواية التي ستأخذنا الفصول التالية اليها، وفي الرواية عادة لا يتم إعطاء الفصول أسماء، ولكن الكاتبة لجأت لذلك كي تعطي كل فصل ملامح بالحديث من خلال العنوان، فالغربة كانت مجال الفصل الاول والوطن كان مسرح الفصل الثاني، كما تذكر الموت في الفصل الثالث، لكن اللقاء كان عنوان الفصل الرابع بينما الفراق عنوان للفصل الخامس، الذي تبدأ به مفاصل الرواية بالظهور والعقدة بالتحلل، حيث لقاء عشاق الحب الصامت بفترة الجامعة حنين وزيد والذي شكل فكرة الرواية بالكامل.
الرواية كان لها مسرحين أساسيين هما فلسطين والقاهرة لرواية الأحداث مرورا بمدينة عمَّان، وفي فلسطين كانت عدة مناطق مثل رام الله والبيرة والخليل والقرية الشمالية، ومسرح الرواية "المكان" هو من أساسيات كتابة الرواية، كما الزمان الذي لم تهمله الكاتبة، والشخصية الرئيسة من أهم أعمدة بناء الرواية، لكن هنا لجأت الروائية إلى الخروج عن المألوف فكانت هناك شخصيتان رئيستان في الرواية، حنين وزيد، ولكن في الرواية عدة نقاط أثارت التساؤلات في ذهني، فلماذا صدم زيد ص 81 حين رأى حنين تحمل الهوية الزرقاء ولماذا لم يصارحها بحبه وهي هوية لا تمنع الزواج لمقيم في فلسطين بغض النظر عن المكان؟ وهي هوية سكان القدس وهوية فلسطينييَّ العمق الفلسطيني المحتل عام 1948، ولكن حنين تحمل هوية اسرائيلية من خلال الأم، ولكن لا اشارة أن والدها حمل الهوية بحكم الزواج بدلالة أنه كان يعمل في الكويت ص 83 وهذا لا يتاح لمواطن من الجزء المحتل عام 1948 وهي قد أشارت ان مشروع تقريرها الدراسي كان عن قريتها المهجرة والمدمرة عام النكبة، وخاصة ان جدها محمود حمل الهوية الفلسطينية الخضراء ص 125، بينما شقيقه بقي ولم يهاجر فحمل الهوية والجنسية الاسرائيلية وتزوج سارة وأنجب مريم التي تزوجت أحمد مواطن الضفة ووالد حنين والتي بحكم وفاة جدتها أصبحت تعيش وتتنقل بين شقي الوطن الضفة المحتلة عام 1967 والعمق المحتل عام 1948.
هنا تبرز العقدة الغريبة ان زيد يحمل الجنسية المصرية وليست الفلسطينية كون والده مصري الجنسية اتى لرام الله للتجارة وشراء بضائع خاصة للبازار الذي يمتلكه بالقاهرة وتعرف على والدة زيد وتزوجها وأنجب منها زيد وميس والذين حملا الهوية الفلسطينية لأن أمهم فلسطينية، ولفتت نظري مسألة: لماذا تم استخدام عبارة التعريف على والد زيد بأنه "من والد فرعوني" وأبناء مصر عرب أقحاح وصفة فرعوني تشير لفترة حضارية قديمة، وهنا لا بد من أن اشير أن المواطن المصري لا يأتي بسهولة الى فلسطين، فهو يحتاج موافقات أمنية خاصة من سلطات بلاده، ورام الله ليست مركزا تجاريا للبازارات وهذه الصناعات في بيت لحم وفي القدس حيث الحج للسياح المسيحيين اليها، وليس هناك حدود بين الضفة ومصر لتصدير البضائع الا عن طريق مطار "اللد" أو عبر الأردن وهنا ستكون التكلفة عالية جدا، وليس من المعروف حضور تجار من مصر للتجارة مع رام الله.
تساؤلات كثيرة تثيرها الرواية في ذهن القارئ، فما سر العداء الكبير من نضال لزيد حتى انه من دفع عمر للزواج من حنين فالموقف حين تعارفا الى حنين لا يثير مثل هذا العداء، وأيضا عدائية عمر لزيد ووالد عمر "علي" خال زيد، الذي طرد أرملة أخيه عادل بعد وفاته وانتهاء العزاء ليستولي على البيت، حتى ان زيد شاهد العلاقة الجسدية بين نعمة وعمر ابنة عمه عادل بدون زواج صدفة، فهل هذا ما جعل عمر يكره زيد ابن عمته؟، وكيف أجبر والد عمر ابنه على عقد قرانه من نعمة وحسبما قالت حنين ص92 أن نعمة شقيقة زوجها عمر بالرضاعة كما افهموها لذا تعيش معهم بالطابق السفلي؟ وفي نفس الوقت تم الاعلان عن خطوبتها من شاب في الخارج، وسفرها عند أمها الأرملة حتى ولدت وعادت بطفلها علي، وكان بالامكان زواجهم مباشرة وأن يولد الطفل بوقته المحدد دون هذه الطريقة الالتفافية واخفاء زواج عمر بها، وكيف لم تعرف حنين أن نعمة زوجة لزوجها عمر طالما انه عقد قرانه عليها وبالتالي تكون مسجلة رسميا في ملحق هويته وكذلك الطفل علي، وفي ص 61 دخلت ميس وهي طبيبة الى بيت حنين لمعالجة ابنها، لكن في صفحة 72 قالت أنها لم تدخل البيت منذ سنوات، والفصل الخامس كما عنوانه كان يشهد قرار حنين لفراق عمر وترك ابنها زين، فهل يمكن لامرأة وأم ان تتخلى عن ابنها بعد صبر ومعاناة السنوات الطويلة مع زوجها الذي تزوجته على غير قناعة وبدون أية مشاعر؟ ولماذا تركت والدة زيد القاهرة وزوجها وعادت الى الوطن علما ان الاشارة تقول انها عادت لتعب والدتها وهي خدعة تعرضت لها للتنازل عن املاكها من الإرث، فلماذا حين حضرت واولادها لم تعد لزوجها من جديد؟ علما انها تخلت بطيب خاطر عن كل ما تملك لشقيقها الطماع علي، وبعدها اصيب يدها بشلل رافقها حتى ماتت، ولماذا كان زيد يتسلل لبيت العزاء بوالدته ويخفي نفسه حتى لا تراه حنين وهو أصلا لم يصارحها بحبه ولم تصارحه بحبها، ولماذا تخفي ميس عن حنين صديقتها ان زيد شقيقها؟
وأيضا بالعودة لعنوان الرواية "تأشيرة" لم أجد له صلة بأحداث الرواية، فعنوان الرواية يجب ان يكون متطابقا مع محتواها، فحنين لم تواجه مشكلة سفر بالمطلق فهي لم تسافر أصلا حتى تحتاج لتأشيرة أو تواجه مشكلة بها بحكم جواز سفرها، وزيد لا يواجه أية مشكلة بالسفر فهو يحمل جواز سفر مصري وهوية فلسطينية، ولم أجد أية اشارة لرفض حنين والتهامس انها "عبرية" وهذا لم المسه يوما وأنا المقيم في فلسطين بالتعامل مع ابناء العمق الفلسطيني المحتل عام 1948، فكلنا ابناء فلسطين إلا من باع ضميره أينما كان في فلسطين، وحنين بالجامعة وبعد الجامعة لم تجد من يرفضها لجواز سفرها وهويتها الزرقاء.
بلا شك أن الرواية حفلت بأحداث تلفت نظر القارئ، وهي قد تناولت العديد من القضايا الاجتماعية في السياق، كزواج صغيرات السن والطمع بين الاخوة والاستيلاء على الميراث، والغش والخداع في العلاقات الزوجية، والزواج بدون حب تحت الامر الواقع وغيرها من قضايا اجتماعية، والرواية حفلت بشخصيات ثانوية ولكن كان لكل شخصية دورها في الرواية كما نضال الذي يصفه زيد بالوصولي والانتهازي وهو يصف زيد بالجبان، وعمر الزوج وزين الابن ونعمة ومريم وعلي الحفيد وعلي الجد، وظل الغريب الذي أعتقد أنه هو زيد بشخصية وهمية للدخول على صفحة حنين بصفحات التواصل الاجتماعي، ومحمد سائق التاكسي في عمَّان الذي يسكنه الحنين للوطن المحتل وميس شقيقة زيد في مدينة البيرة توأم رام الله السيامي إضافة الى التوأم غيث وغنى شقيق وشقيقة حنين.
الحبكة القصصية سادها الكثير من التعقيد وخاصة انها مازجت الشعر بالسرد والحوار والمناجاة بشكل متداخل، ولجأت لتعقيد الاسلوب واللغة المستخدمين، مما أفقد الرواية في بعض مفاصلها لوحدة الفكرة وأثار تساؤلات كثيرة أشرت لغالبيتها وليس لها كلها، فكانت البداية صعبة كما اشرت أعلاه لكن بعد ذلك بدأت عقد الرواية ومفاصلها بالظهور، وأما النهاية والذروة التي شكلت مفاجئة غير متوقعة فأتركها للقارئ للوصول اليها، وإن نجحت الرواية بتصوير وضع الفلسطيني في ظل تعدد بطاقات الهوية في الوطن الواحد، ونجحت بالاشارة للمشكلات الاجتماعية وقوة العاطفة والحب، إلا انها خلت من أية أبعاد فكرية.
حب وفراق وتأشيرة!
بقلم : زياد جيوسي ... 14.09.2021