أحدث الأخبار
السبت 12 نيسان/أبريل 2025
بيت لاهيا الغزيّة: عن المكان والمكانة تاريخيًّا!!
بقلم : الديار ... 08.04.2025


***يُذكر بأن بيت لاهيا مشتقة تسميتها من كونها "بيت الآلهة"، حيث كانت تُصنع فيها الأصنام قديمًا، وقد كانت "بلدة وثنية"، بحسب صاحب "إتحاف الأعزة" الشيخ عثمان الطبّاع...
تحولت بيت لاهيا، بعد تحوّل غزة إلى قطاع على أثر النكبة، إلى بلدة تقع في أقصى شماله الغربي على خط هدنة عام 1949، وذلك بعد أن كانت قرية ساحلية مستقلة عن غزة المدينة قبل النكبة، لا بل اعتُبرت بيت لاهيا قبل عام 1948 قرية تُحسب على مدينة عسقلان (المجدل) أكثر مما كانت تُحسب على مدينة غزة.
وبحسب مصطفى الدباغ، كانت بيت لاهيا تُعتبر واحدة من القرى الستة الأولى من قضاء غزة؛ فالقرى التي كانت تحدّها من شمالها هُجّرت عام النكبة، وبات أهلها لاجئين في القطاع، مثل دير سنيد وهربيا، بينما من الجنوب كانت تحدّها قبل النكبة قرية جباليا التي أصبحت ترتبط بمخيمها، مخيم جباليا، الذي أُقيم عندها بعد عام 1948، وينسحب ذلك على بيت حانون التي كانت قرية تقع شرقي بيت لاهيا، فيما يحدّ بيت لاهيا من الغرب البحر.
أما عن اسمها، فيُذكر بأن بيت لاهيا مشتقة تسميتها من كونها "بيت الآلهة"، حيث كانت تُصنع فيها الأصنام قديمًا، وقد كانت "بلدة وثنية"، بحسب صاحب "إتحاف الأعزة" الشيخ عثمان الطبّاع.
وبحسب إبراهيم سكيك، في موسوعته "غزة عبر التاريخ"، فإن بيت لاهيا قرية تقوم على موقع "بيت ليون" الرومانية، والتي كانت تقوم على تل الشيخ حمدان شرقي بيت لاهيا الحالية، بينما الباحث ناصر حمودة، في دراسة بعنوان "قرية بيت لاهيا عبر التاريخ"، يذكر بأن "لاهيا" كلمة سريانية تعني المكان المقفر، كما أشار إلى قِدم بيت لاهيا في التاريخ، وإشار الحموي في معجمه الجغرافي إليها باسم "سحلين" وليس بيت لاهيا.
على سوافي رمل الساحل البحري قامت بيت لاهيا تاريخيًا، وكانت قرية دير سنيد المهجّرة أكثر القرى قربًا من بيت لاهيا، تربطها بها أواصر الاجتماع والمعاش حتى النكبة عام 1948. وبلغت مساحة أراضيها نحو 27,000 دونم، منها 14,373 داخل نفوذ بلدية بيت لاهيا حتى الحرب الأخيرة. وجزء من هذه الأراضي يقع شرقي بيت لاهيا وتُعرف بأراضي بيت لاهيا المشاعية، بينما الأراضي التي تقع في الناحية الشمالية منها، هي التي كانت تقوم عليها المستوطنات الإسرائيلية قبل الانسحاب وتفكيكها عام 2005. أما من ناحية عدد السكان، فقد بلغ عام 1922 حوالي 870 نسمة، ثم 1,333 نسمة في عام 1931.
وبحسب إحصاء عام 1945، فقد بلغ عدد اللهاونة – وهي الكنية الشعبية لأهالي بيت لاهيا في غزة إلى اليوم – حوالي 1,700 نسمة. وبعد النكبة، وتحديدًا في عام 1959، بلغ تعداد اللهاونة حوالي 2,448 نسمة، ووصل تعدادهم إلى 3,000 نسمة في عام 1963. يعود أصل بعضهم، بحسب دراسة ناصر حمودة، إلى مصر ومن عرب العائد في سيناء، كما كان بعضهم من عراق المنشية والخليل، إضافة إلى سكان البلدة الأصليين. ففي سنة 1970، أضحى عدد أهالي بيت لاهيا 6,500 نسمة، من بينهم حوالي 700 نازح لاجئ، على أثر احتلال قطاع غزة عام 1967. وفي سنة 1982، وصل تعدادهم إلى ما يقارب 16,000 نسمة، وقفز تعداد أهالي بيت لاهيا، التي غدت مدينة سنة 1997، إلى ما يقارب نحو 38,460 فردًا.
وتُقسم بيت لاهيا تاريخيًا إلى ضواحٍ وحارات وسَكَنات مكوّنة للبلدة، منها: "ضاحية السيفا"، نسبة إلى سوافي (تلال) الرمل التي كانت تقوم الضاحية عليها، وكان يُطلق عليها أيضًا "حارة العطاطرة"، وتقع في الجزء الغربي من بيت لاهيا باتجاه البحر. بينما "ضاحية السلاطين" تقع في الناحية الجنوبية – الغربية من البلدة، والتي تُطل بدورها على ساحل البحر المتوسط. ومن حاراتها التاريخية: حارة الغبون، والحارتين الغربية والشرقية، وحارة أصلان، وحارة الخزان، وسكنة فدعوس، وكذلك سكنة البدو.
والسَكَنات هي الأحياء المحيطة ببيت لاهيا خارجها، لذلك تُسمى السكنة. وقد أُزيلت سكنة البدو مع مجيء السلطة الوطنية الفلسطينية أواسط التسعينيات، وتم بناء مدينة الشيخ زايد مكانها، بينما البدو الذين كانوا يسكنون السكنة المزالة، تم إقامة قرية جديدة لهم أُطلق عليها إلى يومنا هذا اسم "قرية النصر". استقلت قرية أم النصر في مجلس قروي خاص بها، بينما مخيم جباليا للاجئين لا يزال يتبع لبلدية بيت لاهيا إلى اليوم.
ولأن بيت لاهيا بلدة قديمة وكُفْرية (أثرية)، بحسب ما تقول المصادر، فإنها ظلّت تحوي مواقع أثرية قديمة، مثل الخِرَب الأثرية، ومنها: "خِربة صقعب" في شرقي بيت لاهيا، و"خِربة اللقية" في غربي البلدة بالقرب من شاطئ البحر، ويُذكر بأنها كانت موقعًا عسكريًا أيام حروب الأيوبيين ضد الصليبيين، وفيها بقايا مسجد ونفق. وصار اللهوانة يطلقون عليها حديثًا اسم "السودانية"، نسبة إلى الجنود السودانيين الذين تمركزوا فيها أثناء حرب النكبة عام 1948، بحسب ناصر حمودة. وكذلك "قبة النصر" الواقعة شرقي بيت لاهيا، وسُميت كذلك نسبة لانتصار الأيوبيين على الصليبيين، إذ شُيدت في حينه قبة لتكون رمزًا لذلك الانتصار العسكري، وكانت قبة النصر تُعتبر أعلى موقع في بيت لاهيا ومحيطها، غير أن موقع القبة جرى تجريفه مؤخرًا.
أما "تل الذهب" الواقع غربي بيت لاهيا، فيقول حمودة في دراسته إنه سُمي كذلك نسبة إلى لون رمله الذي كان يميل إلى اللون الذهبي، وكان تلًّا أثريًا تعود ملكية أراضيه لعائلة "أبو حالوب"، ووُجد أثناء تجريفه بعض القطع الأثرية مثل الأباريق الفخارية والتحف. وكذلك خِرَب أخرى، مثل: خِربة السحلية، وخِربة حمودة. وتُعتبر "سدرة العجمي" من أشهر معالم بيت لاهيا التاريخية، وهي شجرة معمّرة كانت تقع في وسط بيت لاهيا منذ أن كانت قرية صغيرة.
يُعتبر كل من جامع "الشيخ سليم أبو مسلم" والمقبرة من أكثر معالم بيت لاهيا تاريخية، فالأول، ذكره الشيخ عثمان الطبّاع في أحد مجلداته التي تناول فيها تاريخ بيت لاهيا، وقد أُقيم المسجد في وسط البلدة عند ضريح الشيخ سليم. بينما مقبرة بيت لاهيا موغلة في قدمها، وتقع في موقعها جنوبي بيت لاهيا.
وبحكم موقع بيت لاهيا الجغرافي – الساحلي بالقرب من سيف البحر، فقد احترف أهلها، بحسب ناصر حمودة، صناعة الطواقي القشية. وقد أشار إبراهيم سكيك في موسوعته إلى أشجار "السمنوط"، وربما يقصد بها شجر السنط الساحلي، الذي كان اللهوانة يصنعون من أغصانه السلال، إضافة إلى القفف وأخراج القش المصنوعة من نبات الحلفا الذي كان ينبت غربي بيت لاهيا. كما يؤكد سكيك على احترافهم صناعة طواقي الصوف من وبر الجمال أو صوف الغنم، التي كانت تُباع في أسواق غزة. وعن تلك الحِرَف اليدوية البسيطة – البدائية، تطوّرت في بيت لاهيا بعد النكبة مهنة الخياطة، التي صار لها مصانع فيها، فضلًا عن معامل دق أحجار البناء التي اشتهر بها اللهوانة في النصف الثاني من القرن العشرين.

1