وهل يعلم كائن حي بموته؟ بالطبع لا، وإن تنبأ البعض بذلك، لكن لاأحد يعلم متى تغادر الروح سوى خالقها.
ظهر في تصريح على احدى القنوات، لم أره منذ مدة طويلة، منذ تسلم منصبا مهما في الدولة. الهذا السبب كان مختلفا، لأنه أصبح مهما؟ كان مهما أيضا كانسان، اكاديمي، مثقف، مرح، محب للقراءة، مبدع يطمح الى طبع كتاب يضم كتاباته. كان محبا للحياة، فاتحاً ذراعيه لها بكل تفاصيلها، يشع حبا فيتوهج وجهه طيبة وفرحاً. وكان طموحاً، قاده طموحه ليتبؤأ منصبا مهما في الدولة، فتقاعد عن الحياة، وربما لهذا السبب كان وجهه جافاً، قاسياً، او بارداً كميّت، أو هكذا خيّل الي!
قال لي أحد النوّاب في حوار صحفي (خارج التسجيل): «نتغيّر كثيراً بعد أن نصبح نوّابا، تغادرنا براءتنا، طيبتنا، ولا نشعر بمتعة ماحولنا»، نسي النائب أن يختصر ماقاله في (انسانيتنا).
فالمرء يفقد شعوره بلذة الاشياء عندما تتكلس الروح، الشريان المغذي للانسانية، وهكذا يصبح الفرق بين أن (نحيا) و (نعيش)، كالفرق بين (نعيش لكي نأكل)، و(نأكل لكي نعيش).
كل إنسان يطمح للنجاح والوصول الى اعلى المناصب، وليس كل من يتقلد المناصب يدرك فعلها فيه، فمهما حاول مسك العصا من الوسط، والتوفيق بين حياته وانسانيته من ناحية، وبين عمله من ناحية اخرى، فلن ينجح.
قبل أيام شاهدت صورة الرئيس الاميركي أوباما على إحدى المجلات، وقد غزا شعره الشيب تماما، وتذكرت نبوءة أحدهم بذلك يوم تسلم أوباما الرئاسة في بداية ولايته الاولى، وكان شعره حينئذ أسود تماما. وله الحق في ان يشيب خلال سنوات حكمه التي ستتم ثماني سنوات، فاوباما يقود العالم ويبذل جهدا مع حكومته في ابتكار الاساليب الهوليودية لتدميره. ومع ذلك، ظهر اوباما قبل أيام يلقي خطابه الاسبوعي، ب(فيكة) جديدة، حيث اصطحب ممثلا هزليا يقف الى جانبه يقلده ساخرا، أثار عاصفة من الضحك، في حين استمر الرئيس في خطابه . قد يبدو تصرف أوباما غريبا بالنسبة للسياسيين والناس، ومهما كان القصد من ورائه، الا انه بث روح المرح في نفس الحاضرين.
ولسنا هنا في مجال لمدح أوباما أو ذمه او تحليل مافعل، بل للتساؤل عن فعل المنصب في نفوس من تقلدوه، وفي نفس البرلمانيين، بل وفي نفس كل انسان تأخذه دوامة العمل فينسى الحياة. والحياة هي القيمة العليا التي تؤججها جذوة الروح، ومن دون كل هذا تتحول الى مجموعة أيام أو سنوات تمر كجنود في ساحة التدريب الصباحي.
لم يقتصر الامر على سياسيينا وقادتنا فقط، بل غزا موت الروح الكثير من وجوه العراقيين، ولهم الحق في ظل شبح الموت والدمار الذي يخيم دائما على حياتهم، ولكن، أقسى الموت هو ذلك الذي يتسلل الى الروح فيغتالها من دون أن يعلم صاحبها بأنه مات من دون أن يعلم.
مات.. ولم يعلم!!
بقلم : بشرى الهلالي ... 06.05.2015