يتواصل الجدل حول الأنباء التي تحدثت عن مسعى مراجع دينية وأحزاب سياسية مرتبطة بها لتغيير اسم مدينة بابل إلى مدينة الإمام الحسن، ورافق هذا الجدل رفض شعبي عراقي عارم لفكرة تغيير اسم تاريخي لمدينة تقع على نهر الفرات، ولولا هذا النهر لما كانت بابل.وليس أقدم من بابل ومن وجودها في قلب العراق الذي كان يسمى بها، وحتى بعد غزو قورش لها لم يجرؤ أحد على تغيير اسمها، فمعنى بابل في لغتها القديمة “باب الله”، هناك استوحيت قصة الخليقة، بعد أن بدأها السومريون، وحضارتهم ليست بعيدة عن أرض بابل.وفسر العرب معنى بابل، وهي التي وردت في آيات القرآن، على أنها “بلبلة الألسن”، بمعنى أنها بداية الكلام، وقبله ما جاء في التوراة، مثل “ببابل هاروت وماروت”، ووصفت بابل على أنها أرض السحر، ولمن يتعصب لها سيؤوّل النص على أن المقصود به “الأرض الساحرة”.ظل اسم بابل قائما، بل وبقية أسماء المدن العراقية بعد الفتوحات الإسلامية، ولم يغيرها علي بن أبي طالب وهو يمر بها، واختُلق له مكان مقدس قالوا هنا ردت الشمس على علي، أي طال النهار لإرادته وحاجته، أي أن بابل ظلت خصبة لخلق الأساطير، وهي مدينة الإله “أنليل” ملك الهواء، ومع ذلك لم يتماد أحد بالتجاوز على الاسم، وظل مقترنا بالخمرة، وللمتنبي “ما نال أهل الجاهلية كلهم مني/وما سمعت بسحري بابل”.قبل بابل حاولت تلك الجماعات الطائفية تغيير اسم شارع “أبونواس”، وهو شريان بغداد الترفيهي وملتقى عوامها وخواصها ولقاء مثقفيها وفنانيها، وفي وسطه ينتصب أبونواس بكأسه، ومن حقه اسم الشارع لأنه ابن بغداد وأحد مؤسسي ظرفها وآدابها. ومع ذلك رأوا أن اسم الشارع كبير عليه، فشاعوا أنهم سيستبدلونه إلى شارع “المهدي المنتظر”، وما علاقة الأخير بهذا الشارع، فالمتنزهون على شاطئ دجلة ينتظرون إعادة وجه بغداد وألقها، لم يشقه المهدي ولم ينزل به، فحتى رواياتهم تكذبهم، فمكان ظهور المهدي بين مكة والكوفة بعيدا عن بغداد.ولم يصل الإمام الحسن إلى الحلة، ولم يقف على آثار بابل، ولم يجل بنظره في أفقها.وأقام الإمام الحسن بالكوفة مع أبيه، وهو المولود بالحجاز، ثم تحرك بعد مقتل أبيه إلى المدائن، وهناك أُحبط مِن قِبل جيشه، فأعلن الصُّلح. فما للحسن وبابل كي يُعتدى باسمه على تاريخها الذي يعادل تاريخ الفرات. ما يجري بين حين وآخر من إشاعة لتغيير اسم مدينة أو موقع باسم إمام أو مرجع، يراد منه جس نبض العراقيين، فإذا مرَّ الأمر بهدوء اتخذت إجراءات لتبديل الاسم بلا تأخير. لكن هذا لم يحصل، فألسنة العراقيين أُطلقت، وبعد تجربة مع الإسلام السياسي وخذلان العقل بالشعوذة المقصودة، تحررت عقول شبابهم، وما باتت تمر عليهم مثل هذه الشعوذات، والتي تقود إلى إلغاء العراق تاريخيا وجغرافيا بتغيير أسماء المدن.ولا نستبعد ذلك إذا علمنا أن الإيرانيين المتنفذين اليوم بالعراق، مازالوا مصرين على أن العراق اسم فارسي، غافلين عن مفردة “أوروك” وتبدّلها عبر التاريخ إلى العراق، ومَن يدري فربَّما تستبدل أسماء المحافظات الجنوبية والوسطى، حيث تسيطر الأحزاب الدينية، بأسماء الأئمة الاثني عشر، فبغداد تسمى بالكاظم، وسامراء بعلي الهادي، وكربلاء بالحسين والنجف بعلي!!
بابل "باب الله" شيدها الفرات ولم يبنها إمام ولا مذهب!!
02.07.2016