«اصحى يا نايم وحد الدايم، اصحى يا نايم وحد الله» عبارة جميلة دائمًا ما تتردد على لسان «المسحراتي»، الذي يجوب الحارات والأزقة لإيقاظ الأهالي على إيقـاع طبـلته للسـحور خـلال شـهر رمضـان.وفي لبنان، ارتبط «المسحراتي» بعادات وتقاليد الزمن الجميل المصاحبة للشهر الفضيل، ولا يمكن نسيانها أو محوها من الذاكرة رغم انحسارها بفعل هيمنة التكنولوجيا.و»المسحراتي»، مهنة قديمة عرفت في العهد الإسلامي لإيقاظ المسلمين في ليل رمضان لتناول وجبة السحور، حيث يحمل في يديه طبلة أو مزمارا للعزف عليها لإيقاظ الناس قبل صلاة الفجر.و»تحكي صفحات التاريخ الإسلامي أن الصحابي بلال بن رباح (مؤذن الرسول) أول مسحراتي في تاريخ المسلمين، حيث كان يطوف شوارع المدينة المنورة وطرقاتها ليلًا لإيقاظ الناس للسحور»، كما يقول أستاذ التاريخ الوسيط والإسلامي في الجامعة اللبنانية، في جامعة «المقاصد»، علي الحلاق.وأضاف أن «المسحراتي» ليس ظاهرة من صلب التعاليم والسنن الإسلامية، فهو تقليد استوردته بعض المجتمعات العربية، وعملت به طوال شهر الصوم.وأوضح أن «أول من أيقظ الناس في رمضان بقرع الطبول، هم أهل مصر، ليتحول المسحراتي بعد ذلك إلى تقليد رمضاني، شق طريقه إلى باقي دول العالم الإسلامي». ومع الوقت، طوّر بعض المسحراتية في لبنان عملهم، ودخلت على الخط بعض تقاليد الفرق الصوفية.
فتحوّل المسحراتي من فرد، إلى فرقة تضم عدة أشخاص، يحمل أفرادها آلاتهم الموسيقية ويجوبون الشوارع. ومنذ 24 عامًا تقريبًا، تواظب الفرقة على إيقاظ أهل المنطقة في ليالي رمضان، ليتناولوا سحورهم، مرددين ابتهالات وأذكار توارثوها من أسلافهم. ولعل أهم ما يميز هذه الفرقة أنها تأسست على يد رجل مسيحي، حسب ما أكد مسؤول الفرقة علي عصام الخطيب.وقال الخطيب: «اقتبسنا الفكرة عن أول مسحراتي كان في حارة الناعمة سنة 1994، وكان يتيمًا مسيحيًا، يجوب شوارع وأزقة الحارة لإيقاظ أهلها لتناول السحور وكنت أرافقه في جولاته آنذاك».وأضاف: «أحببت الفكرة وقررت إنشاء فرقة مؤلفة من 7 أشخاص تقريبًا، وهي الفرقة الوحيدة في لبنان؛ بل وعلى صعيد العالم العربي التي تمارس هذه المهنة على شكل مجموعة وتردد الأناشيد والتهليلات الدينية عند السحور».وأشار إلى أنه «قبيل موعد الإمساك وعلى مدى ساعتين يتعالى صوت كل شخص من الفرقة، ليتسنى له تغطية الخط (المسار) الذي عليه عبوره لمسافات طويلة».وتابع: «كل يوم نؤدي مديحًا مختلفًا، بأصواتنا مباشرة دون تحضيرات مسبقة أو مكبرات صوت».وقال: «طوّرنا المهنة وأدخلنا عليها بعض الآلات مثل الدربكة مع المحافظة على الدف والرق والطبلة».وتحدث عن تأثير التكنولوجيا والهواتف الذكية على مهنة المسحراتي، بالقول «بالعكس لقد ازداد عدد منتظرينا في المنطقة، بل وساعد دور التكنولوجيا في انتشارنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى خارج حدود الوطن».وبعد التخوف من اختفاء شخصية المسحراتي، التي لا يعرفها عدد كبير من أبناء الجيل الحالي ولا يقدرون قيمتها، حتى باتت مهددة بالنسيان، تمنى الخطيب من الجيل الجديد أن «يحافظ على هذه الشعائر الرمضانية التي تخلق جوًا من البهجة لدى الناس».!
رمضان لبنان: المسحراتية تحولوا إلى فرقة موسيقية!!
25.05.2018