رويداً رويداً تموت المساعي الهادفة لحل سياسي في اليمن، وتزداد حالة اليأس لدى الشارع اليمني، حيث تزداد القضايا العالقة في البلاد تعقيداً، وتتباطأ العمليات العسكرية في مختلف الجبهات، وتتحول المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة إلى مناطق نزاع مع السعودية والإمارات والتشكيلات التابعة لهما.
وبعد مرور أكثر من أربعة أعوام على أول جولة مفاوضات عُقدت بين الحكومة والحوثيين منتصف يونيو 2015، في جنيف، خرج المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، ليعلن في إحاطة لمجلس الأمن الدولي، مساء الخميس 18يوليو الجاري، أن "اليمن قريب من مأساة محتملة ناجمة عن التوترات في المنطقة".
الإحاطة أعقبت أسبوعاً من النشاط الدبلوماسي لغريفيث وفريقه؛ حيث التقى الرئيس عبد ربه منصور هادي، قبل أن تعقد لجنة إعادة الانتشار برئاسة الدنماركي مايكل لوليسغارد، اجتماعها في الحديدة، وبعدها وصل غريفيث على عجلة من أمره، والتقى الحوثيين في صنعاء، ثم جلسة لمجلس الأمن لمناقشة التطورات في اليمن.ثلاثة مبعوثين إلى اليمن، وحوار داخلي، وجولات مشاورات من جنيف إلى الكويت إلى استوكهولم، وحوارات في مسقط وظهران الجنوب، وأكثر من أربع سنوات على الحرب التي تقودها السعودية؛ أصبح اليمن من جرائها يعاني أسوأ أزمة إنسانية في العالم، والسؤال الذي يطرح هنا: ما هو الحل؟يرى د.فيصل علي، رئيس "مركز يمنيون للدراسات"، أن الأطراف الدولية التي رعت انقلاب الحوثيين في سبتمبر 2014، منذ بدايته، واستمرت بغض الطرف عنه طيلة هذه المدة، هي التي لا تريد حلاً للمعضلة اليمنية.ويشير علي، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن "المفاوضات قبل العاصفة ما هي إلا تتمة لما بدأت به الأمم المتحدة من تهيئة للانقلاب والحرب قبل وقوعها على يد جمال بنعمر (المبعوث الأممي السابق لليمن- استقال في أبريل 2015)".وقال: "في كل جولة من جولات المفاوضات تم شرعنة الانقلاب باعتباره طرفاً في النزاع، وتم التدرج في ترسيخه وتشريعه في كل جولة من الجولات الأربع". وتعقيباً على إمكانية أن يسهم الانسحاب الإماراتي من اليمن في تعزيز فرص الحلول السياسية، أوضح فيصل علي أن "هناك تفاقماً للمشاكل في الخليج مع إيران، ومصالح الإمارات باتت مهددة".لكن الإمارات حتى وإن انسحبت "ما زالت تملك مليشيات وعصابات إرهابية تقدر بـ90 ألف شخص"، بحسب قوله، لافتاً النظر إلى أن الإمارات إذا ما أرادت الانسحاب "فلتفكك هذه المليشيات وتقطع الدعم عنها".وكان موقع "ميدل إيست آي" البريطاني أشار إلى أن هناك وجهة نظر يتبناها الموالون للإمارات؛ تعتبر الانسحاب خطوة نحو السلام، كما ترى في تقليص الوجود العسكري الإماراتي فرصة لليمنيين لتولي إدارة جبهات الصراع.يؤكد فيصل علي لـ"الخليج أونلاين" الرؤية التي تقول إن الأمم المتحدة لا تريد حلاً في اليمن، مشيراً إلى أن "الساحل الغربي يتعرض للعبة أممية يقودها (المبعوث الأممي لليمن) مارتن غريفيث، الذي يعمل جاهداً على تقسيم اليمن".واستطرد قائلاً: إن غريفيث "كأي بريطاني منتمٍ لحقبة الاستعمار؛ يعرف خرائط بلاده التي وضعتها في الشرق الأوسط، ومنها خارطة اليمن التي تقضي بتقسيمها إلى جزأين".
ومضى قائلاً: "غريفيث لا يعمل بصفته مبعوثاً دولياً، بل بصفة مندوب سام يريد أن يحقق نجاحاً بتقسيم اليمن إلى شمال مع الحوثي، وجنوب مع المجلس الانتقالي".ويرى رئيس "مركز يمنيون للدراسات" أن غريفيث "غير مؤهل للدفع باتجاه حل القضية السياسية؛ لأنه ببساطة يشرعن وجود الانقلاب، وعلى هذا الأساس يتعامل".
وتوترت العلاقة بين المبعوث الأممي والحكومة اليمنية، عقب إعلان الحوثيين الانسحاب الأحادي من موانئ الحديدة، في مايو الماضي، بعد خلاف على الطريقة التي انسحبوا بها، رأتها الحكومة مخالفة لما تم الاتفاق عليه في استوكهولم.وبعد أن رفض هادي أكثر من مرة استقبال غريفيث، بعث خطاباً إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، انتقد فيه طريقة إدارة المبعوث الأممي لملف المفاوضات المتعلقة بالانسحاب من الحديدة، وإعادة تموضع القوات، قبل أن يجدد غوتيريش الثقة بمبعوثه وينصهر الجليد بين المنظمة الأممية والحكومة اليمنية.وبينما يرى علي أن كل المؤشرات تدل على أن اليمنيين اليوم ينشدون السلام، ولم يعد هناك من يؤيد الحرب سوى تجارها في الشرعية والانقلاب، ومن يقف خلفهما على السواء، لفت النظر إلى أن "الحرب أصبحت عبثية، ومن المهم أن يدرك اليمنيون اللعبة القذرة التي فرضت الحرب بتسهيل الانقلاب على الشعب".وطرح رئيس "مركز يمنيون للدراسات" عدة مقترحات لحلحلة الملف اليمني، تتمثل في "تفكيك المليشيات التي نشأت عن الحرب في اليمن خارج نطاق الجيش في كل أرجاء البلاد، وتخلي المجتمع الدولي عن الحوثيين، وسحب ملف اليمن من يد بريطانيا، وانسحاب التحالف وتخليه عن دعم الشرعية المتهالكة".وطرح أيضاً تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية، وتقديم الدعم الدولي لها، دون تدخل وتلاعب بمستقبل اليمن، وأن يهيئ المجتمع الدولي نفسه للتعامل مع اليمن كشريك في أمن البحر الأحمر والقرن الأفريقي، "دون وصاية من السعودية والخليج عموماً".وعلى الصعيد الإقليمي، يرى رئيس "مركز ساس للأبحاث ودراسة السياسات"، عدنان هاشم، متحدّثاً لـ"الخليج أونلاين"، أن تطور حالة الاشتباك الدولي في مياه الخليج والمنطقة سيلقي بظلاله على اليمن.وبحسب وصفه فإن المنطقة هشّة، والأمن القومي لشبه الجزيرة العربية واحد.واعتبر هاشم، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن "جرّ اليمن إلى حالة الاشتباك الدولي، وتحوّله إلى بؤرة صراع محتملة، مقلق بالفعل ليس فقط لغريفيث، بل يجب أن يثير قلق الحكومة الشرعية، والتحالف العربي".
وأوضح أن "جرّ المنطقة إلى حرب إقليمية سيدفع اليمن إلى جولة لامتناهية من الصراع، وسيجعل من الفاعلين الدوليين أكثر تأثيراً لإنهاء الحرب، وليس الفاعلين المحليين".وإذا ما تجاوز اليمن حالة الاشتباك الدولي، يقول المحلل السياسي عدنان هاشم، فقد تدفع هجمات الحوثيين، وانسحاب الإمارات، إلى الضغط على السعودية للقبول بحل سياسي نحو السلام، مستدركاً: "لكنه سيكون لمصلحة الحوثيين، وليس لمصلحة الحكومة الشرعية".هاشم حمّل التحالف المسؤولية عن تدهور فرص السلام الناجز لإنهاء الحرب بسبب أطماع الدولتين أولاً، وفشلهما في التصالح مع كل مكونات الشرعية.وعلى الرغم من أن المتابعين يتوقعون أن يسعى غريفيث إلى عقد جولة جديدة بين الفرقاء اليمنيين، فإن الواقع يوضّح أن العقد قد انفرط، ومساعي الحلول بحاجة إلى معالجة جذرية لكل الأزمات التي خلقتها الحرب، دون التعويل على عامل الوقت، الذي لم يخلّف سوى المزيد من المآسي!!..**المصدر : الخليج أونلاين
عدن..اليمن : اربعة أعوام على أول جولة مفاوضات.. هل بات الملف اليمني عصياً على الحل؟!
25.07.2019