أحدث الأخبار
الجمعة 17 تشرين أول/أكتوبر 2025
رام الله..فلسطين : التنكيل المبرمج : الأسرى المحررون.. حرية منقوصة تخفي جروحا غائرة في النفس والجسد!!
16.10.2025

كشف آثار التعذيب التي لا تزال واضحة على أجساد أسرى قطاع غزة، الذين أطلق سراحهم ضمن صفقة التبادل الأخرة، والشهادات التي قدموها، عن أخطر مراحل الاعتقال التي يمر بها الأسرى منذ بدء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، خاصة أولئك الذين يزج بهم الاحتلال في معسكرات تتيع الجيش.فليس وحده الضرب المبرح كان ظاهرا على أجسادهم النحيلة، ولا وحدها الأمراض هي من تنهش أجسادهم، فإلى جانب هذا كله كان لكل أسير منهم ألف رواية عن عذابات الاعتقال وسوء المعاملة، وتعمد استخدام السجانين الإسرائيليين أساليب لا تعامل بها الحيوانات.وهذه الروايات يتحدث بها باقي أسرى صفقة التبادل سواء من أطلق سراحهم إلى الضفة الغربية، أو من أبعدوا قسرا إلى مصر في هذا الوقت، فبداخل كل منهم جروح غائرة، تعمد الاحتلال فيها تحطيم معنوياتهم.أحد من أفرج عنهم في صفقة التبادل من قطاع غزة (طلب عدم ذكر اسمه)، تحدث لـ”القدس العربي”، عن أساليب “تعذيب نفسي وجسدي” كان ينتهجها السجانون في نفس الوقت، بهدف كسرهم وإذلالهم.هذا الأسير الذي اعتقال بعد ثلاثة أشهر من بدء الحرب، روى قصص العذاب والقهر، وخلال حديثه كان يصمت ويتوقف عن الكلام لدقائق، وفي أحد المرات ذرفت عيناه الدموع، عندما استذكر لحظات الإذلال الجسدي والنفسي.يقول “أمام الجميع أحاول أن أتمالك نفسي، لكن بداخلي لا زالت جروح كبيرة من الاعتقال”، فتحدث أولا عن تهديدات القتل من قبل جنود الاحتلال، عندما اعتقل في هجوم الجيش الإسرائيلي على شمال غزة في بدايات الحرب.في ذلك الوقت كان جنود الاحتلال الذين أشبعوه ومن معه ضربا بالعصي وأعقاب البنادق، وكانوا يقذفون أجسادهم بقوة للاصطدام بالعربات المصفحة، يضعون البنادق على رؤوسهم ويوهمونهم بأنهم سيطلقون النار عليهم، يضيف هذا الأسير “أكثر من خمس ساعات ونحن على هذا الأمر، ضرب تنكيل صفع على الوجوه، ضرب في الأماكن الحساسة”، ويضيف “في تلك الساعات متنا ألف ألف مرة، وتمنيت أن يطلق جندي النار على رأسي، لتنتهي هذه المأساة”.ولم يكن الوضع مغايرا عما حصل عندما جرى نقلهم إلى خارج حدود غزة، وضعوا وقتها في معسكر للجيش، تبادل عليهم الجنود بالضرب، ونقلوا بعدها للتحقيق، وهناك رغم تأكد المحققين أنه ومن معه لا يملكون أي معلومات حول الإسرائيليين الأسرى، كانوا يتلقون معاملات قاسية من الضرب والإهانة، ويضيف “أمضيت يومين بلا طعام، فقط كانوا يضعون في فمنا ماء قليل، ولم تعد أقدامنا على حملنا”.في هذه الفترة كان المحققين يتعمدون وضعهم في غرف محكمة الإغلاق، ويجبرونهم على سماع أغاني وموسيقى صاخبة، وبعدها يتعمدون ضربهم، وعلى غرار أساليب “الشعور بالغرق” التي استخدمت سابقا، لجأ المحققون إلى استخدام أسلوب خطير آخر يتمثل في إيهام هؤلاء الأسرى، بأن الكلاب البوليسية الضخمة ستنهش أجسادهم. وبعد تنهيدة طويلة قال “كانوا يقربون منا الكلاب ونحن مكبلي الأيدي، كانت تنبح وتكشف عن أنيابها عندما تقترب، وكان علينا وسط حالة الرعب والخوف أن نستسلم لما قد يحصل”، لافتا إلى أنه سجل في مرات عدة وصول تلك الكلاب التي يمسك برباطها الجنود إلى أجساد الأسرى ونهشها.لكن ما كان يؤلم أكثر خلال فترة التحقيق، أساليب الضغط النفسي، ومنها كما يروي هذا الأسير، هو التحرش الجسدي اللفظي والتحرش الكامل بالأسرى، صمت قليلا وتحدث بصوت متحشرج “كانوا يشتمون أمهاتنا وأخواتنا ويشتموننا بكلمات نابية ووقحة”، وأضاف هذا الشاب “خلال إجبارنا على الانبطاح على بطوننا على الأرض في ساحات السجن أو خلال التحقيق، كانوا يتعمدون الضغط على مؤخرات الأسرى بعصي التعذيب، وكانوا (السجانون)، يهددون بأن يجعلوا الكلاب تمارس الجنس مع الأسرى، ويقربونها منا ونحن على هذه الوضع”.وخلال أسره، سمع عن محاولات عديدة لكلاب بوليسية مدربة، اقتربت من أسرى، لتنفيذ أوامر السجان الإسرائيلي، ويقول بألم “لا زالت كوابيس السجون تسكننا”، ورغم أن مدة اعتقاله مقارنة بأسرى المؤبدات لم تكن كبيرة، إلا أنها جرحها كما يصف “عميقا”، وهذا الشاب كغيره قال إنه منذ لحظة تحرره وفي اللحظات الأولى عندما يفيق صباحا يشعر بأنه لا زال في السجن، وأن عليه معايشة الواقع المرير، قبل أن يذكره من حوله من الأهل أن قيود الزنزانة قد كسرت.
ذكريات السجون لا تزال حاضرة وعذابات الضرب والتحرش الجنسي
وأطلقت إسرائيل سراح 1700 أسير غالبيتهم ممن اعتقلوا بعد أحداث السابع من أكتوبر من مناطق عدة في قطاع غزة، وعدد آخر من ذوي المحكوميات العالية، ضمن صفقة التبادل التي أبرمت الاثنين الماضي، جميعهم عانوا من الضرب والتعذيب وانتهاك الكرامة، والعشرات منهم قضوا جراء هذه العذابات، ولا تزال إسرائيل تأسر جثامينهم.وبعد السماع لشهادات أسرى غزة، طالب المركز الفلسطيني للدفاع عن الأسرى بتكثيف الرعاية القانونية لأسرى القطاع، وتوثيق الانتهاكات والتنكيل الذي يتعرضون له والسلوك الانتقامي من قبل قوات السجون الإسرائيلية.تقديرات المركز تشير إلى أن عدد أسرى قطاع غزة في سجون الاحتلال يصل إلى ١٣٠٠ معتقل، والغالبية العظمى منهم يندرج اعتقالهم تحت مسمى “مقاتل غير شرعي”، ويؤكد أن أسرى قطاع غزة لم يتلقوا المتابعات القانونية اللازمة، حيث تم إهمالهم إلى حد كبير منذ بداية “حرب الإبادة” على القطاع.وحذر من أن كل تأخير في هذا السياق يشجع الاحتلال على التمادي وسن قوانين مجحفة وقرارات تطيل من فترة اعتقال أسرى قطاع غزة، عدا عن المعاملة القاسية التي يتعرضون لها دونا عن بقية الأسرى، مشددا على ضرورة تخصيص دائرة قانونية خاصة لدى الجهات الفلسطينية الرسمية لمتابعة ملفات أسرى قطاع غزة، وإجبار المحاكم الإسرائيلية على الإفراج عنهم حيث يستمر اعتقال معظمهم تحت قانون جائر الذي يطلق عليه المقاتل “غير الشرعي”.ولم يكن واقع حياة أسرى غزة الذين اعتقلوا طوال الفترة الماضية دون محاكمة، عن واقع باقي الأسرى ومن بينهم أسرى المؤبدات، فهؤلاء يروون قصصا طويلة عن الإهانات والتنكيل الذي لم يشهدوا له مثيل من قبل.
أجساد هزيلة تروي الحكاية
المحرر عصام الفروخ الذي أبعد مع عشرات الأسرى إلى مصر ضمن الصفقة، خرج كباقي رفاقه بجسد هزيل، حيث فقد من وزنه أكثر من 20 كيلو غرام، ويقول “كان الطعام المقدم لستة أسرى لا يكفي إشباع أسير واحد”، وتحدث عن آلام أخرى تعمد السجان إحداثها، من خلال منعهم من تلقي العلاج والدواء الازم لأصحاب الأمراض المزمنة، وكغيره ينتظر هذا الأسير أن تتهيأ ظروفه ليبدأ رحلة علاج لأسنانه التي فقد الكثير منها جراء التعذيب وسوء التغذية.ومن بين الأسرى المبعدين الذين ظهرت عليهم علامات الإرهاق وسوء التغذية، الروائي باسم خندقجي، الذي تعرض بسبب روايته “قناع بلون السماء” التي فازت بجائزة “البوكر” عام 2024. ويؤكد الأسرى أن سلطات الاحتلال تتعمد تقديم طعاما سيء من ناحية الكم والنوع، وأن السجانين يتعمدون عند تقديمه إذلالهم.وتؤكد هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير، أن الصور والمشاهد التي خرج بها الأسرى المحررون شكّلت “دليلاً جديداً على التوحش والإجرام الذي ما زال يُمارس بحق آلاف الأسرى في سجون الاحتلال ومعسكراته”، بعدما ظهرت عليهم، ولا سيما من أسرى قطاع غزة، آثار واضحة للتعذيب الجسدي والنفسي، ولفتت هذه المؤسسات إلى أنه منذ اندلاع “حرب الإبادة”، يواجه الأسرى في سجون الاحتلال ومعسكراته سلسلة من الجرائم الممنهجة التي ترقى إلى “جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”، أبرزها، التعذيب الجسدي والنفسي، والتجويع الممنهج، والحرمان من العلاج والرعاية الطبية.


1