*كتب بسام البدارين..يفترض ألا يمر الرقم في ملف «المطلوبين للسلطات القضائية» في الأردن مرور الكرام، لا سياسياً ولا حكومياً ولا برلمانياً.رغم ذلك، لم تعلق الوزارات المختصة ولا اللجنة الإدارية الجديدة في مجلس النواب على الصدمة الرقمية التي أعلنها النائب المختص فراس القبلان، بعنوان مختصر يقول بأن نحو 56 ألف مواطن أردني «مطلوبون» عملياً ومرحلياً للجهاز القضائي.القبلان نفسه أعلن عن شعوره بـ «الصدمة»؛ لأن عدد المطلوبين للتنفيذ القضائي من أبناء الشعب يشكل «حقيقة مرة» لا ينبغي التساهل معها.الحيثيات تظهر غالبية للذكور من المطلوبين مقابل وجود عدد لا يستهان به من النساء المطلوبات، في مؤشر لا يألفه المجتمع الأردني ويدل على أن «الأردنيات في المعاناة أيضا».العدد «ضخم جدا» ويدل -برأي الناشط السياسي المعارض محمد الحديد- على فاتورة وكلفة الإجراءات والقرارات الاقتصادية، متسائلاً عما إذا كان التحول إلى صيغة «شعب مديون ومطلوب» هي المطلوبة؟الأرقام أثارت مساحة عميقة من الجدل هنا. وقد وردت في «رد حكومي» على سؤال دستوري وجهه القبلان للحكومة بصورة نظامية، ما يؤشر على أن وزارة الداخلية هي التي عرضت الحيثيات الرقمية التي يرى الحديد أنها تعبير استثنائي وصريح عن أزمة اقتصادية واجتماعية وأمنية يجب الوقوف عندها مطولاً، مع إجراء كشف حساب استثنائي يتضمن معرفة الأسباب التي أنتجت مثل هذا الرقم المذهل.أرقام النائب القبلان الصادمة حققت معدلات قياسية وقرعت جرس الإنذار على أكثر من صعيد، والمطالب اللاحقة ازدحمت وهي تطالب بدراسة التفاصيل الرقمية وتحليلها؛ لأنها تعكس «عدة أزمات اجتماعية وقانونية واقتصادية» لها نفس الغلاف.أظهرت أرقام الحكومة أن عدد الأردنيين المطلوبين لسلطات القضاء ومطلوب إلقاء القبض عليهم -وهي الصيغة التي استخدمت إعلامياً- يزيد على 55,000 من المواطنين، لا بل يقترب من 56 ألفاً في الواقع.يعني ذلك أن مذكرات جلب صدرت أو بطريقها للصدور بحق هؤلاء، وأن أجهزة إنفاذ القانون معنية بجلب هؤلاء وعرضهم أمام سلطات المحاكم والقضاء.وكانت وزارة الداخلية وفي الرد على النائب قبلان، كشفت أن عدد المطلوبين لإدارة التنفيذ القضائي بطلبات فعالة لإلقاء القبض عليهم يبلغ 55969 شخصاً حتى تاريخ 12 تشرين الثاني الحالي.وأوضحت أنّ 22975 منهم مطلوبين بقضايا «حبس مدين» فيما يصل عدد المطلوبين بقضايا «شيك بدون رصيد» 1245 مطلوبًا.أما بموجب القضايا الشرعية، فقد بلغ عدد المطلوبين عليها 10115 شخصًا، في حين 21634 مطلوبًا بتهم أخرى مختلفة.وتبلغ نسبة المطلوبين الذكور 84.30%، في حين تصل نسبة البقية أكثر من 15% من الإناث.الواضح تماماً من حيثيات الأرقام هنا أن الغالبية الساحقة من عدد المطلوبين لسلطات القضاء الأردني مطلوبون على ذمم قضايا لها علاقة بمخالفات وصراعات مالية مع شركاء أو آخرين في المجتمع.الأرقام -بتقدير الخبير الاقتصادي الدكتور أنور الخفش- تعكس أزمة عميقة صامتة وثغرة استثنائية في الإجراءات والخطط الحكومية، وليست من الصنف الذي يمكن تجاهله عند أي محطة لفهم وتحليل الواقع الموضوعي ثم المستقبلي.المؤشر -حسب قبلان- مرجح بأن الوضع الاقتصادي والمعيشي المحرج والمأزوم ينعكس على قرارات القضاء، ويشكل عبئاً كبيراً على السلطات القضائية؛ لأن جميع السجون في المملكة ومراكز التوقيف لا تستوعب أكثر من 18 ألفاً من النزلاء.وعلى مستوى غالبية نقاشات الخبراء، يبدو التأكيد ملموساً على أن انعكاسات تلك الأرقام الصادمة التي تظهر تراجعاً في الأداء الاقتصادي والتجاري وتراكم الشكاوى المسجلة قانونياً لدى القضاء بعنوان «ذمم مالية»، قد اتخذ قرار بشأنها، سواء للخزينة أو لمؤسسات ومواطنين على نحو فردي.ازدحام السجون في المقابل، هو الوجه الثاني لذات الأزمة؛ فقضايا الشيكات بدون رصيد والنزاعات المالية وبعد قرارات التوقيف، كلها تسببت بأزمة حادة في ازدحام السجون ومراكز التوقيف.وجزئية الازدحام تلك تناقش بحثاً عن صياغات ودروب للمعالجة للعام السابع على التوالي.والأرقام -وفقاً لبعض الخبراء- تعكس تصاعداً كبيراً وغير مألوف في النزاعات المالية والشخصية، بمعنى الخلافات التجارية أو العمالية التي تصل للمحاكم ثم خلافات النزاع والشقاق بين الأزواج، حيث وصلت حالات الطلاق والنفقة أيضاً في المجتمع إلى معدلات غير مسبوقة؛ في دلالة إضافية على تراجع المستوى المعيشي وإشكالات التدبير والاقتصاد.ولعل «أزمة العائلات والبيوت والأسر» بخلفيتها الاقتصادية يعبر عنها رقم صادم آخر علق عليه وكشفه عالم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي، وهو يتحدث عن دور البطالة وتدني الأجور في وجود «مليون فتاة أردنية غير متزوجة»، ووجود أكثر من مليون وربع شاب أردني في سن الزواج لا يستطيعون الزواج.الأهم سياسياً، أن «الأوجاع» التي تثيرها مثل هذه الأرقام -برأي النائب عبد الناصر خصاونة- لا بد من التوقف عندها في أي تحليل له علاقة بمشاريع السلطة التنفيذية التي تريد من السلطة التشريعية تمريرها.لذلك، فالأرجح أن يثير القبلان نفسه وآخرون من النواب، ملف «المطلوبين للقضاء» ضمن النقاشات الحادة لمشروع الميزانية المالية الذي تقدمت به الحكومة لسلطة البرلمان، حيث بدأت اللجنة المالية باستدعاء الوزراء وأطقمهم دورياً، في إطار تحضيرات إعداد تقريرها قبل إرساله لمناقشات مجلس النواب.يتصور المختصون أن «مالية النواب» تحتاج لشهر من المداولات، والمجلس لأسبوع من النقاشات، قبل حصول الحكومة المتوقع على «تفويض» لخطتها المالية بصورة تجدد الثقة بالحكومة الحالية وطاقمها.!!
*القدس العربي






























