بعد تجربة الحروب البائسة في السنوات الماضية والتي خاضها الجيش الأمريكي ومعه جيوش دول غربية، لن يكون من السهل على المواطن المتمتّع بحقوقه المواطنيّة في نظام ديمقراطي يمنحه كل الحق في ممارسة حقوقه بل ويحميها، لن يكون من السهل عليه تقبّل حرب جديدة تشارك في خوضها بلاده، وهو الحاصل. لذلك ها نحن نشاهد في الدول الغربية مظاهرات خفيفة قد يفوق فيها عددُ اللافتات عددَ المشاركين (فيحمل أحدهم لافتتين)، مظاهرات تناهض الضربة العسكرية المفترضة على أهداف محدّدة تابعة للنظام السوري، منادين بوقف ‘الحرب’ التي ستشنّها ‘أمريكا’ على ‘سوريا’، وهي المفردات التي روّج لها كثير من الإعلام، ولكلٍّ أسبابه.
هي إذن حربٌ تعيد للذاكرة الحرب البشعة والواسعة التي شنّتها أمريكا وحلفاء لها على العراق، وهي حسبما يقول البعض أحد الأساب المباشرة للأزمة الاقتصادية التي هزّت العالم قبل سنوات قليلة.
في تقرير لقناة ‘روسيا اليوم’ (لسان حال نظام المافيا في روسيا وتالياً: سوريا) شاهدتُ بعض الأشخاص يتظاهرون أمام البيت الأبيض في واشنطن رفضاً لـ ‘الحرب’ على ‘سوريا’، ترديداً لما تورده معظم وسائل الإعلام التي ستؤثر بها حتماً أي أزمة مالية قادمة مهما صغرت (الإعلام المكتوب تحديداً لا ينقصه أزمات مالية إضافية). تصرّح إحدى المتظاهرات في التقرير في تلخيصٍ لأسباب نزولها ونزول معظم المتظاهرين ضد الضربة في اليومين الأخيرين: أعتقد أن الأموال التي يمكن استخدامها في الحرب يجب أن تبقى هنا لمساعدة الأمريكيين في المدارس والطرق والخدمات الاجتماعية. يؤكد آخر كلامها: الشعب الآن لديه مشاكل في الميزانية ولا نستطيع حتى الدفع للجيش.
إضافة لكل من اليمين المتطرف واليسار المتطرف في أوروبا وأمريكا واللذان يجتمعان في لامبالاتهما منذ انطلاقة الثورة لا بالشعب السوري وتضحياته ولا بثورته، ولكلٍّ أسبابه ومنطقه الغريب، نجد مشاركين في اللامبالاة هذه هم أصحاب النزعات الفردانية، وهم ممن لا يقرأون عادة، ويكتفون بما يقدمه الإعلام، ويبنون خياراتهم الضحلة على أساسه. هؤلاء يكترثون بالخدمات التي يمكن أن تقدّمها البلدية في حارتهم أكثر مما يمكن أن يكترثوا بما يزيد عن المائة ألف قتيل في سوريا. فليذبح بشار السوريين لا شأن لهم بذلك طالما أنه لا يمسّ جودة الحياة التي يعيشونها. الدولار في جيوبهم قد يحرّكهم بالقدر الذي لا تفعله دماء الضحايا في سوريا، هذه إحدى السلوكيات اللاأخلاقية المنسجمة مع النظام الرأسمالي الاستهلاكي الذي يعيشون فيه.
(لم أجرّب أن أؤلّف هتافات لكن عنوان الفقرة قد نبّهني إلى بوادر موهبة سأنظر في شأنها).
غالاواي أيضا يريد اليورو والدولار
على قناة ‘روسيا اليوم’ (في تذكير بأنها ليست روسيا الأمس السوفياتية، وهو ما لا يرضى معظم اليسار العربي تصديقه) شاهدت لقاءً مع اليساري القومي العربي الرفيق المناضل الإعلامي (على الميادين طبعاً) الصديق الصدوق للدكتاتوريات العربية من صدّام لبشّار، سيداتي آنساتي سادتي، النائب البريطاني جورج غالاواي. شاهدته يقول علانية أن الناس لا تريد ‘الحرب’ بسبب التكلفة العالية التي قد تتطلّبها، وأنهم يتظاهرون لأحقيتهم في هذه اليوروهات والدولارات.
ليس لأي سبب آخر إذن، ليس تضامناً مع نظام الأسد حامي العلمانية العربية، ‘الطائفية’ منها تحديداً! ولا حتى (وإن مضلَّلين) تضامناً مع سوريا البلد والشعب والمؤسسات، ولا أعتقد أن أياً منهم كلّف نفسه في تضامن بسيط مع ضحايا حرب النظام على الشعب في سوريا خلال سنتين ونصف.
شكراً أبو الجووج على توضيح السبب الأساسي لخروج البعض رفضاً للضربة، ليس هو تضامناً أخلاقياً وسياسياً مع أصدقائك الطغاة، كما لم يكن يوماً تضامناً مع صدّام (على كل حال المقاربة مع الموضوع العراقي خطأ فادح استعمله الإعلام المؤيد للأسد إلى أن خرج من بلعنا)، بل خرجوا تضامناً مع اليورو والدولار في بلدانهم، تضامناً مع زيادة جولات رش المبيدات الحشرية التي تقوم بها البلديّة في أحيائهم لأن البعوض أكل من جلودهم هذا الصيف. وليقتل بشار من السوريين والفلسطينيين كما يشاء طالما أن ذلك لا يمسّ ما في جيوبهم
بالمناسبة، هل يعرفون أين هي سوريا على الخريطة؟
رقص وفقش في ‘ميادين’ دمشق
العالم مشغول بالضربة، بعض الإعلام العربي متأهّب كأنه من سيقوم بها من ناحية أو من سيتصدّى لها من ناحية أخرى. بعض الإعلام الغربي، وكلٌّ حسب مصالحه، إما يدعو لها أو عليها. حتى القنوات السورية الرسمية انقلبت لإعلام حربيّ، يصرّون على الإعلان عنها كحرب شاملة يشنّها العالم الإمبريالي. الحرب صارت مندلعة على ‘الإخبارية السورية’ في تجييش إجباري استباقي لمن تبقّي من السوريين (العلمانيين!)، لكنهم مشغولون يا حبيبي.
بعيداً عن كلّ ذلك تنفرد ‘الميادين’ بتقرير عن الحياة ‘شبه العادية’ في دمشق حسبما قالت، تقرير يذهب بالكاميرا إلى ساحات الرقص (المبالغ بفحشه أمام الكاميرا استرضاءً للطاغية) والغناء والأرغيلة والسهرات ‘الصبّاحية’ والضحكات (المفتعلة بشدّة أمام الكاميرا استرضاءً للطاغية) والهتاف بروح بشّار حامي العلمانية.
صنعت القناة كل هذه الصور متسلّمة المهمة من القنوات الرسمية السورية التي تسلّم إدارتها قيادة أركان الجيش على ما يبدو (منذ يومين فقط توقّفت القنوات السورية عن نقل الحياة العادية للسوريين). لا بدّ إذن من قناة تبثّ تلك الصور عن ‘لامبالاة’ مقيتة لبعض السوريين بالشعب السوري و’لامبالاتهم’ بالتالي بالحال التي أوصل بشّارُ البلدَ إليها، وهل ثمّة أفضل من ‘الميادين’ لتَسلّم المهمّة!
كل ما يمكن أن يقوله مُشاهد هذه الصور بعد كل ما شاهده من تدمير للإنسان والمجتمع والعمارة في سوريا على يد طاغيتها، لهؤلاء الفرحين برئيسهم وللقناة الفرحة بهم وبه: يا عيب الشوم!
إحنا ناقصينك؟
هنالك بعض السياسيين الفلسطينيين من أولئك الذين يبيخ المشهد السياسي دون طلاتهم البهيّة بين فينة وأخرى، دون إتحافهم لنا بآرائهم التي، فوق ذلك، يطرحونها بأسلوب لا يخلو من حسّ ترفيهي. من بين هؤلاء أسمّي بسام أبو شريف، المستشار السابق لياسر عرفات، والذي لا يكاد يطلّ علينا إلا من خلال ‘الميادين’.
هذا القيادي التاريخي كان ضيفاً على القناة في برنامج ‘حوار الساعة’ لحلقة بعنوان: مصير القضية الفلسطينية في ضوء العدوان الأميركية على سورية (نقلته عن موقعهم بخطئه).
قبل أن يصلّي ع النبي، وبما لا يخصّ سؤال مقدّمة البرنامج، انطلق أبو شريف بسلسلة كلمات متتابعة يُفترض أنها شكّلت الجملة التالية: توجيه ضربة لسوريا هو توجيه ضربة لقلب الأمة العربية، الهدف منها القضاء على قوة يعتمد عليها الشعب الفلسطيني، الهدف هو شق القضية الفلسطينية بضرب دمشق. رووق يا رفيق، (قبل تحوّله لليمين كمستشار في سلطة عرفات فقد كانت يسارياً ماوياً قيادياً في الجبهة الشعبية.
طوال ساعة من عمر البرنامج لم يخرج الرفيق أبو شريف عن نطاق المفردات المذكورة أعلاه، كل ما قاله لاحقاً كان تنويعات عليها، وبعض الأجوبة المباشرة لأسئلة محدّدة طُرحت عليه قبل أن يستعيد وضعه التلقائي في الكلام عن المقاومة والممانعة، (سقى الله أيام عرفات والسلطة والمفاوضات والفساد والقمع).
من بين التنويعات على المفردات التي شكّلت جملة الرفيق أبو شريف الأولى كانت: يجب أن لا يغيب عن ذهننا أبداً أبداً أبداً أن المخطط يستهدف القضاء على المقاومة، المقاومة. (تكرار الكلمات من المصدر). ثم لا أعرف لماذا يصرّ على أن السعودية تقع على الحدود مع سوريا، قالها مرّة فقلت لنفسي: يلا زلّة لسان. ثم ولأنه يحب تكرار الكلمات كما يبدو، قالها ثانية، ع كل حال…
بعدها، ومن حيث لا ندري نسمعه يطلق المفردات التالية: وأنا أدعو إخواني في حزب الله إلى التنبه الشديد الشديد الشديد. (تكرار الكلمات من المصدر) آه والله قالها هكذا، ولو تعلّق الأمر بتكرار الكلمة لمرّقناها، بل القبضة والنبرة والصوت مع تكرار الكلمات، وعلى قناة ‘كالميادين’، فيها كلّها وفي الأسلوب المسرحي المميز للرفيق أبو شريف، والأهم من كل ذلك، المواقف الهزلية للرفيق فيما يخص الشأن الفلسطيني والآن في الشأن السوري، فيها كلّها ما يستدعي التكرار إلى أن يصدّقها قائلها على الأقل.
آسف حقاً لأن في هذه الفقرة من الزاوية ما يكرّر نفسه، لكن ما ذنبي والرفيق أبو شريف يعيد ويباغت ويقول: إسرائيل لا تنسى أن حزب الله (هنا انفعل كأن الحزب صار في قلب حمص) هزمها، هزمها (كرّرها مرّتان فقط، تحسَّن).
ثم في مرحلة أخرى من سير تطوّر الحلقة يتحفنا: إسرائيل تدرك أن هناك مقاومة كامنة في الجيش السوري الذي كان يبني قواته. نعم قالها، قال بأن الجيش السوري كان يبني قوّاته. هل قصد أنه كان يبنيها لأربعين عاماً في تحضيره التاريخي للإنقضاض وتحرير فلسطين لولا أن الشعب السوري باغته قبل ساعة الصفر بلحظات وثار عليه؟ أم قصد أنه يبني قواته عبر التدريبات الحية التي نشهدها في القرى والمدن السورية المتآمرة مع الصهيونية العالمية؟ لا أستطع تحديد طبيعة البناء التي كان يعمل عليها الجيش السوري حسب الرفيق أبو شريف.
وحدتنا، الوحدة هنا تتم بالمقاومة بالمقاومة، مقاومة مخططات العدو وهي فرصة لنا أن نمرغ أنف الولايات المتحدة بالوحل، أن تُهزم حتى حين تهاجم. (طبعاً ودائماً، بسام أبو شريف).
يمكن عنْوَنة هذه الفقرة بـ ‘الدليل الخفيف لأقوال بسام أبو شريف’ وبعدها سيسهل توقّع ما سيقوله، شكلاً ومضموناً. أمّا مسألة فهم ما يقوله، فهو موضوع آخر.
بدنا اليورو والدولار، ما حدّش يضرب بشّار!!
بقلم : سليم البيك ... 03.09.2013
كاتب فلسطيني