أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
الفضائيات: من اعلاناتها تعرفها ولماذا هجرت "الميادين" داعش!؟
بقلم : سليم البيك  ... 18.02.2014

هل شاهد أحدكم إعلاناً تجارياً على قناة ‘الميادين’؟ غير الإعلانات التي تقدّم لبرامجها أو لمواقف سياسية فقدت مصداقيتها، أحكي عن إعلانات لشركات تجارية تبيع سلعاً أو خدمات، إعلانات تكون في الحالة الطبيعية المورد الأساسي لأي وسيلة، وتحديداً القنوات التلفزيونية لما تتطلبه من تكاليف.
القنوات الإخبارية الرئيسية هي أولاً قناة ‘الجزيرة’، التي (إضافة لدعمها من الحكومة القطرية) لا تترك فاصلاً بين برامجها أو يتخلّل هذه البرامج إلا وتضع فيه إعلانات تخصّ معظمها شركات غاز. ثم قناة ‘سكاي نيوز′، التي (إضافة لدعمها من الحكومة الإماراتية) لا تترك فاصلاً بين برامجها أو يتخلّل هذه البرامج إلا وتضع فيه إعلانات تخصّ معظمها شركات بترول.
ثم قناة ‘العربية’، التي (إضافة لدعمها من الحكومة السعودية) لا تترك فاصلاً بين برامجها أو يتخلّل هذه البرامج إلا وتملؤه بإعلانات متنوّعة تستحوذ على مساحة من البث قد تكون مزعجة لطولها. أحكي هنا عن الحكومات الثلاث الأغنى عربياً، كما عن شركات هي من بين الأغنى عربياً.
نرجع لـ ‘الميادين’، كقناة إخبارية رابعة، والتي قال ‘مازحاً’ مدير الأخبار فيها سامي كليب حين سُئل في حلقة سابقة من برنامج ‘بعدنا مع رابعة’ عن مصادر التمويل، قال إنها ‘جميع المصادر المشبوهة’، محاولاً بالضحك المفتعل إزالة الفكرة من أذهان الناس، التي يعرفُ هو جيداً على ما يبدو ما في أذهانهم. ثم (محاولاً اتخاذ وضع الجدّي والواثق) يقول وهو مدير الأخبار فيها ومؤسسها إلى جانب غسان بن جدو، وهو في الوقت نفسه بعل لونا الشبل مستشارة بشار الأسد الإعلامية)، يقول إن لكل فرد دوره في القناة وإنه لا يعرف فعلاً من هو ممولها، لكنه يؤكد ‘تأكيداً قاطعاً لا سوريا ولا إيران’. (ربما غسان بن جدو أوصى المحاسبَ أن لا يخبره بمصادر التمويل؟).
للقنوات الثلاث تلك داعموها الحكوميون العلنيون، وكذلك معلنون دائمون فيها، أما ‘الميادين’، فيصرّ كليب على أن مموليها هم رجال أعمال عرب، كما صرّح بن جدّو بغرابة حين أطلقا القناة. أيّ رجال أعمال هؤلاء الذين يتكفّلون بما تتكفّل به الإعلانات التجارية والدعم الحكومي السخي! وما الذي يجعل الشريك المؤسّس ومدير الأخبار في القناة ينكر (في الحلقة ذاتها) معرفته بمصادر تمويلها ثم وبعد ثلاث ثوان يقول إنهم رجال أعمال عرب ثم ‘يؤكّد قطعاً’ أنها لا سوريا ولا إيران!
أي عارف بالشأن الإعلامي يدرك ‘قطعاً’ الحاجة الأساسية للإعلانات كي تقوم أي مؤسسة، وليس عزوف المعلنين عن الصحف الورقية إلى الإنترنت إلا أحد أقوى الأسباب لأزمات الصحف المالية، وهي بكل الأحوال تتطلّب تكاليف تكاد لا تُذكر بالمقارنة مع القنوات التلفزيونية.
لستُ هنا لأجيب عن ذلك، بل لأسأل. لأسأل أولاً عن رجال الأعمال العرب المجهولين السرّيين هؤلاء، ممن قال كليب بأنهم يؤمنون بقضية فلسطين فموّلوا القناة (كلمة السر: فلسطين)، وأنا أعرف أن أصحاب رؤوس الأموال لا يؤمنون إلا بما يضاعف أموالهم (ألا يعتقد الرفاق من اليسار الستاليني بهذه الفكرة في ما يخصّ الميادين؟). كما لأسأل ثانياً، بغياب إعلانات قد تموّل القدر الأكبر مما تحتاجه القناة، عن تكتّم القناة التام عن الجهة القادرة فعلاً على أن تموّل قناة تلفزيونية، وتبعاً لذلك، لأسأل ثالثاً عن تبنّي القناة الكامل لخطاب النظامين الإيراني والسوري، بل الارتهان الكامل لهما في سابقة إعلامية أرجعتنا إلى القنوات الحكومية في عصر ما قبل الفضائيات.
هذا الارتهان يبرّره غياب الإعلانات التجارية كمصادر تمويل غير سياسية تتيح جانباً من الاستقلالية المادية بخلاف ارتهان القناة بالكامل لجهة تمويل واحدة لا شريك لها هي نظام سياسي مستبدّ في حاجة دائمة لـ’بروباغاندا’ تكون بالضرورة مبتذلة.
لكن، قد لا يهمّ كل ما كتبتُه هنا إن اعتبرنا ‘الميادين’ بحد ذاتها، كلّها على بعضها، بكل ما تبثّه، إعلانا تجاريا واحدا لنظام سياسي، هو حسبما يدور في أذهاننا، النظام الإيرانو-سوري.
سوريا في تقرير ‘مراسلون بلا حدود’
ما يميّز بلادنا العربية عن غيرها، أو ما تشترك به، عدا عن كونها ‘أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة’ (شعار آل الأسد القاتل)، هو أنها خاضعة منذ زمن لديكتاتوريات مهما اختلفت في التفاصيل ومهما تخالفت في السياسات يجمعها ‘جِين’ قومي يخص حكم كل منها، يمكن توصيفه بالمستبد أو الطاغي أو الظالم.. وغيرها مما يذخر به تراثنا قبل معجتمنا العربي.
ولا بدّ أن يرافق ذلك تضييق وتعتيم وتكميم (كذلك يذخر تراثنا بمفردات كهذه) على أدوات ممارسة حرية التعبير أي الصحافة والإعلام، وبقدر ما كانت الأنظمة مستبدّة بقدر ما كان الإعلام إما تابعاً بالمطلق وإما مُكمّماً بالمطلق.
عن ذلك، وعن غيره، أصدرت منظمة ‘مراسلون بلا حدود’ تقريرها السنوي الخاص بحريات الصحافة في العالم، ومن الطبيعي أن تتربع الدول العربية في المراتب السفلى، وتحتل حيزاً لا بأس به من التقرير.
يستهل التقريرُ القسمَ الخاص بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالتالي: تُعتبر سوريا حالياً أكثر البلدان خطورة على حياة الصحافيين في العالم أجمع. لاحظوا عبارتَي ‘أكثر البلدان’ و ‘في العالم أجمع′.
يقول التقرير إن أكثر من 130 فاعلا إعلاميا قد قُتل منذ آذار/مارس 2013، موضّحاً بأن النشطاء الإعلاميين واقعون بين مطرقة نظام بشار وسندان الجماعات الإسلامية، تحديداً ‘داعش’. وهذا حال الثورة بالمجمل، العالقة بين طرفين متوافقَين ومتعاونَين على خمدها، لما في الدولة السورية الديمقراطية المدنية الحرة من خمدٍ لمشروعَيهما الفاشي. أما ما يمكن أن ينقل هذا الوجه الحضاري لسوريا، التي يريدها شعبها فهي وسائل إعلام أشدّ ما تحتاجه هو الحرية التي اندلعت الثورة لأجلها، هنا يكمن أساس التناقض بين حرية الإعلام وبين الفاشية، وهنا تكمن مبرّرات كتم الأنظمة لوسائل الإعلام.
ويطرح التقرير أرقاماً قال إنها المتوفّرة لدى منظمة ‘مراسلون بلا حدود’، تقول إنه بين مارس/آذار 2011 حتى كانون الثاني/ ديسمبر 2013 أي منذ اندلاع الثورة حتى كانون الثاني/ ديسمبر الفائت فإن أكثر من 130 إعلامياً لقوا مصرعهم أثناء تأدية مهامهم، كان من بينهم 25 صحافياً محترفاً، من ضمنهم سبعة أجانب. أكثر من 120 إعلامياً سورياً فروا من البلاد. ثمّ يحدّد، في أواخر 2013، فإن قرابة 20 إعلامياً سورياً يوجدون في قبضة نظام الأسد. يوجد 19 صحافياً أجنبياً رهن الاعتقال أو في عداد الرهائن أو المفقودين. أكثر من 20 إعلامياً سورياً ما زالوا في عداد الرهائن لدى الجماعات الإسلامية المسلحة.
المساحة الأكبر في التقرير خُصّصت لوضع الحريات الإعلامية في سوريا (المرتبة 177، تسبقها إلى قاع اللائحة ثلاث دول فقط) لحالة الثورة التي تعيشها البلاد، والحرب التي يشنّها النظام مدعوماً بـ ‘داعش’ عليها، إلا أنه ما زال هناك ما يتحدّث التقرير عنه في ما يخصّ التضييق على الحريات في دول عربية أخرى.
داعش تكاد تختفي من نشراتها
في الفترة الأخيرة كثر الحديث في الإعلام عن علاقة النظام السوري بتنظيم ‘داعش’، خاصة وأن وفد المعارضة في ‘جنيف 2 ‘ قدّم ملفاً بهذا الشأن، وقد وضّح أمام العالم موقفه من ‘داعش’ في حين أن وفد النظام هرب إلى المفردة الضبابية الجاذبة للرأي العام الغربي وهي ‘الإرهاب’، تفادياً لتسمية شريكه في محاولات خمد الثورة. ففي الوقت الذي يحارب فيه النظامُ السوريين المدنيين قبل العسكريين المقاتلين لجيشه، لا يمسّ ‘داعشَ’، الذي يردّ له المعروف بمثله.
بعد العديد من المقالات الصحافية، التي تحدّثت عن المصلحة المتبادلة بين الطرفين وأن وجود ودور كل منهما يعزّز وجود ودور الآخر، بدأ الحديث اليوم يتخطّى التحليل والرأي ليدخل في المعلومة والاستقصاء.
لماذا أعيد التذكير بذلك، لماذا ألفت النظر لذلك، لأفسّر لمَ باتت تقلّ ‘الميادين’ في ذكر ‘داعش’ هذه الأيام.

1