أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
بهدلتمونا: ما هذا المستوى؟!
بقلم : رشاد أبو شاور ... 26.03.2014

ألوف الفلسطينيين رددوا هذه الكلمة بحسرة، ومرارة، وبغصّة في القلوب والحلوق، وهم يتابعون لقاء القيادي في فتح محمد دحلان مع(دريم 2) : بهدلتمونا.
مناضلون انضموا إلى صفوف الثورة الفلسطينية بشعر أسود غزير، ووجوه نضرة شابة، وحيوية متفجرة، وإقدام يؤججه حب فلسطين، وهم اليوم قد شاخوا، وتساقط كثير من شعرهم، وما بقي منه شاب، يرددون: لقد تبهدلنا..وهم يتساءلون بحزن: ما هذا المستوى المتدني؟ أهذا هو الحوار بحثا عن مخرج لمأزق قضيتنا، ومسيرة ثورتنا؟!
نعم: لقد تبهدلنا، على وزن: (لقد هرمنا)، التي تردد صداها في أرجاء الوطن العربي، بعد أن أطلقها التونسي المحروق القلب من نظام بن علي.
لقد هرمنا، وتبهدلنا، وضحينا بأجمل سنوات العمر، وفقدنا رفاق الدرب، وأعز الناس.. وابتلينا بهكذا قيادات!
حملة رئيس السلطة (أبومازن) على محمد دحلان فاجأت كثيرين، لأكثر من سبب، فهي ظهرت إلى العلن بعد أن كانت تحتدم في السر. وهي جاءت قبل سفر (أبومازن) للقاء أوباما. و(أبومازن) لم يعرف عنه أنه حاد إلى هذه الدرجة، ومعنى ذلك أن هناك دوافع ضاغطة دفعته لإعلان الحرب على محمد دحلان عضو اللجنة المركزية المنتخب في مؤتمر فتح الأخير الذي عقد في بيت لحم، والحليف المقرّب من أبي مازن حتى وقت غير بعيد!
من تابعوا حملة (أبومازن) على دحلان، بالصوت والصورة، على تلفزيون فلسطين، وبعض الفضائيات التي نقلت مقتطفات (خطيرة) مما تضمنه الخطاب ـ الهجوم، الذي شنه أبومازن على دحلان (وجماعته)، وهدف به أن (يدمر) سمعة دحلان، وينهيه نهائيا، تساءلوا: لماذا الآن تثار كل هذه التهم، ما دامت معروفة، ومثبتة منذ سنوات؟!
لست محامي الشيطان، ولكنني مواطن فلسطيني، ولذا أسال: لماذا لم تشكل لجنة حركية فتحاوية للتحقيق مع عضو اللجنة المركزية محمد دحلان؟ ولماذا لم يُحل إلى القضاء(العادل)، مع منحه ضمانات بالدفاع عن نفسه، وتقديم كل ما يملك لتبرئة نفسه، إن كان بريئا من التهم الخطيرة التي كالها له الرئيس (أبومازن)، والتي بعضها يورده إلى الإعدام؟!
أسفت للمستوى الهابط وأنا أشاهد محمد دحلان على فضائية ‘دريم 2′ مع الإعلامي المصري الشهير وائل الإبراشي، وهو يكيل سيلاً من الشتائم، والصفات القبيحة لرئيس السلطة (أبومازن)، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، قائد فتح، ويصل به الإسفاف باتهام رئيسه، وقائده العام، وحليفه سابقا، بأنه رجل (مجنون)!
شعرت بأنني كمواطن فلسطيني أتضاءل، وضاق صدري، وارتفعت دقات قلبي، وهيمن علي حزن ثقيل، وشعرت بالمهانة، وأنا أشاهد وأسمع ردود دحلان على أبي مازن، ليس لأنني أرفض انتقاد أبي مازن، فانا معروف بنقدي لكل مسار التسوية منذ كنا في الفاكهاني، أي منذ بدأ ذلك الخطاب يهيئ الأجواء للتخلي عن هدف (تحرير فلسطين)، والدعوة للواقعية السياسية، أي القبول بما يمكن الحصول عليه، وطرح البرنامج السياسي المرحلي: (دولة فلسطينية) في الضفة والقطاع، بحدود حزيران، وهو ما توّج في اتفاقات أوسلو التي حذرت من نتائجها الكارثية على قضيتنا، وكنا آنذاك في تونس!
لو كانت هناك مؤسسات فلسطينية، وأطر تنظيمية، لما آلت أحوالنا إلى هذا الدرك المهين، ولما تحولنا إلى (فرجة) يتندر بها حتى (شعبولا) بأغنية يسخر بها من (أبومازن)، أطلقت بعد لقاء دحلان مع الميادين!
أنا كفلسطيني، وكعضو مجلس وطني فلسطيني، وككاتب، أدنت دائما التنسيق مع الإحتلال، تحت أي تبرير، ومن عُيّنوا في مواقع أمنية كلفوا بالتنسيق، أي تقديم المعلومات للإحتلال طوعا، ومنهم محمد دحلان الذي تبوأ منصب رئيس الأمن (الوقائي)..وقائي ممن؟!
كتبت رأيي دائما، وفي كل المفاصل الخطيرة على قضيتنا، وأذكر بما كتبته في هذه الصحيفة عن اتفاق معبر رفح الذي أبرمه محمد دحلان مع الإحتلال والأوربيين، والذي مكن الإحتلال من وضع كاميرات في المعبر، تسترق النظر على الفلسطينيين ذكورا وأناثا، وهم يقضون حاجاتهم في (المراحيض)!
كتبت عن ظاهرة محمد رشيد مقالة مطولة في العام 2002، ضمنتها معلومات كان يجدر بقيادة فتح تحديدا أن تحقق فيها، وأن تقدم أجوبة عليها، وكان الرئيس عرفات حيا يرزق آنذاك، وهو الذي تبنى خالد سلام، وكان يباهي به، واعتبره ابنه، ووضع المال الفلسطيني بين يديه!.
عندما يظهر في ثورة من الثورات أشخاص يملكون الملايين، وكانوا قد جاؤوا من بيئة فقيرة ومعدمة، فهناك فساد لا بد أن يواجه، فهل فعلت فتح وقيادتها هذا؟! هل فيها لجنة رقابة مالية وتنظيمية فاعلة وجديّة؟! هل تعرف جهة في المنظمة، وفي فتح، حجم المال الفلسطيني، ومن يديره ويشّغله، وهل يحاسب من يشتغلون به؟
ثورة يمكن الحكم عليها ب(حارة كل من يده له)، هل يمكن أن تؤدي إلى انتصار؟!
عام 1974 صدرت روايتي (البكاء على صدر الحبيب)، والتي فضحت فيها الفساد، والفردية والإستزلام، وأمام الحملة التي شنّت علي، اضطررت إلى مغادرة بيروت أنا وزوجتي، وعدت إلى مخيم اليرموك، وكان المخيم آنذاك، كما العهد به، خلية ثورية كبرى ضد نهج التسوية، والتشبث بحق العودة وتحرير فلسطين.
حفلة شتائم ينضم لها الملياردير ساويرس، مهاجما أبا مازن، مساندا صديقه دحلان، الذي امتدحه في لقائه مع الإعلامي وائل الإبراشي، واصفا إيّاه بأنه مستقبل مصر الإقتصادي، ليرد ساويرس التحية بأجمل منها: لو كان هناك 3 مثل دحلان لتحررت فلسطين! يا ساويرس: أنت رجل أعمال مهمتك جمع المال، وليس حشد المقاومين لتحرير فلسطين، فما سر هذا الإعجاب المتبادل بينكما؟
لم ينطق محمد دحلان بجملة سياسية واحدة ينتقد فيها مسار التسوية وأوسلو، ولكنه كال شتائم بذيئة، وجعل كثيرين يتساءلون: هل هذا هو من كان يطرح نفسه بديلاً للرئيس عرفات؟! ولعل سؤالاً ملحا يخطر ببال كثيرين: أين كفاءات شعبنا الفلسطيني، أم إن الرئاسة، والقيادة، يجب أن تبقى حكرا على فتح..وأي فتح ؟! هل هذا هو المستوى الثقافي والفكري والأخلاقي (لقيادات) تشغل مراكز ومواقع هامة، يتنافس بعضها على موقع (الرئيس) القائد للشعب الفلسطيني؟!
هنا لا بد لي أن أسال القائمين على حركة فتح: إلى متى ستتصرفون وكأن شعبنا مُلكية خاصة لكم؟ إلى متى سيتواصل خطابكم ردا على أي كلمة نقد: نحن قدمنا ألوف الشهداء؟ إلى متى سيكون منكم القائد العام، والرئيس، والطامح للرئاسة كدحلان وإخوانه؟!
أما من يهمهم الأمر من أبناء وبنات شعبنا الفلسطيني العظيم، فإنني أقول لهم: الفصائل أفلست، واختطاف منظمة التحرير يجب أن ينتهي، ولا بد من تجديد ثورتنا، وإنقاذ قضيتنا، وإعادة الهيبة إلى شعبنا.
آن لكل الشرفاء أن يتواصلوا، ويوحدوا صفوفهم، ويجددوا ثورتهم، وهذا يقتضي منهم وقفة جذرية لاستخلاص الدروس والعبر من مسيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة منذ العام 1965 وحتى يومنا هذا، فبدون وقفة نقدية جادة لا يمكن التخلص من الأخطاء، وتطهير الصفوف من المارقين، ومن تشتريهم الأنظمة، وأصحاب النفس القصير، والتجّار والسماسرة، ومن يتصرفون وكأن فلسطين وشعبها مُلكية خاصة لهم..وفي هذه المعركة الكبرى لا بد من مساءلة المثقفين الفلسطينيين عن دورهم (الريادي) الذي تخلى كثيرون منهم عنه!

1