حتى لو أعلن عن التوصل إلى توقف الحرب العدوانية على قطاع غزة، وفتح كل المعابر لإدخال احتياجات القطاع، وأتيح للصيادين أن يبحروا بزوارقهم حتى 12 ميلاً بحرا لالتقاط رزقهم، وبُدء بإعمار ما دمره العدو من بيوت على رؤوس أهلها، فإن الحرب لن تكون قد انتهت، وستتواصل حتى خاتمتها العادلة، والتي طال انتظارها.
منذ العام 1948، أي منذ أعلنت العصابات الصهيونية أنها تحولت إلى ( دولة)، وهي لم تذق الاستقرار، ولذا فهي تنتقل من حرب إلى حرب، مؤملة أن يستسلم عرب فلسطين لمشيئتها، و( لخيانات) أنظمة عربية متواطئة تابعة، ولانحياز أمريكي _ غربي داعم للكيان الصهيوني، ولكن هذا الرهان لم يتحقق، وما زالت الحروب تتواصل، من حرب 1956 إلى حرب 1967 الكارثية على العرب، إلى حرب 1973 التي حقق فيها جيشا مصر وسورية ما فاجأ جيش العدو الذي اعتاد الانتصارات السهلة، وكادا أن يفرضا حقائق حاسمة في مسيرة الصراع ..لولا غدر السادات بالأمة كلها، وزيارته المشئومة إلى القدس عام 1977 والتي أخرجت مصر من الصراع وأضعفت العرب، وبشّرت عدو الأمة بأن حرب تشرين 1973 هي آخر الحروب!
لم تكن حرب تشرين 1973 آخر الحروب، فقد تواصلت الحروب رغم ( بشارة) السادات لبيغن وقادة العدو، فقد وقعت حرب 1982 ، ومن بعدها حرب المقاومة اللبنانية التي تكللت بطرد الاحتلال من بيروت وحتى جنوب لبنان، ثم حرب 2006 التي كانت نصرا مؤزرا للمقاومة اللبنانية ( حزب الله)، وهزيمة مذلّة لجيش العدو الذي ألح على أمريكا أن تعمل على وقف الحرب لفداحة خسائره.
ومع الفلسطينيين تفجرت الانتفاضة الكبرى نهاية العام 1987 والتي امتدت قرابة سبعة أعوام، وضيعت في عتمات ( أوسلو) ، ولتبدد وهم ( سلام الشجعان) تنفجر انتفاضة الأقصى 2000 رفضا لتواصل الاستيطان في القدس والضفة الفلسطينية.
وعلى قطاع غزة وقعت حرب 2008 وبعدها حرب 2012 ..ثم ها هي حرب 2014 المفتوحة على احتمال استئنافها إذا لم يحصل الفلسطينيون في القطاع على حقوقهم بالعيش الكريم: توقف العدوان الدائم على القطاع، والانسحاب من الأراضي الزراعية التي تحتلها دبابات جيش العدو، وفتح المعابر، وحق الصيادين في الصيد إلى أقصى المياه الإقليمية، والإفراج عن أسرى صفقة ( شاليط)، وإعادة الإعمار، وإعادة تدشين المطار، والميناء الذي يحرر غزة من هيمنة الاحتلال وتحكمه باحتياجاته.
العدو يماطل، كما هو شأنه دائما في المفاوضات، والفلسطينيون بوفدهم الموحد والمتماسك حتى اللحظة حول الأهداف يصرّون على مطالب شعبنا في القطاع، والتي يرفعها ويتشبث بها وهو يقف على أطلال بيوته، ويدفن شهداءه.
معركة شعبنا الفلسطيني مفتوحة في الضفة والقطاع وداخل فلسطين المحتلة منذ 1948 ، ولا فصل بينها، ولذا فالمعارك يجب أن تصب في خدمة الهدف الكبير: إلحاق الهزيمة الكبرى بالمشروع الصهيوني، وتحرير فلسطين.
العدو في هذه المعركة راهن على تفكك صفوف الفلسطينيين، وصراع سلطتي رام الله _ غزة، وعلى تهالك الوضع العربي، وتآمر السعودية وقطر على سورية، والمقاومة اللبنانية، واليمن، وليبيا، والعراق، و..قبل وبعد: على الشعب العربي الفلسطيني، والقضية الفلسطيني، وبشكل سافر منذ مؤتمر القمة العربي في بيروت 2002 والذي قدم فيه الأمير السعودي عبد الله مبادرته( العربية) التي تصدت لها سورية ولبنان، وعدّلت عليها، مثبتة: حق عودة اللاجئين الفلسطينيين.
لا، ليست الحرب على قطاع غزة بهدف الاستفراد بحماس، فهي حرب تستهدف المقاومة، وتدمير الإرادة الفلسطينية، وفرض نهج أوسلو ألتدميري على الفلسطينيين جميعا.
انفجار الأوضاع في الضفة، وفي فلسطين ال48 ، إثر جريمة حرق الفتى الفلسطيني محمد أبوخضير، كشف أن الشعب الفلسطيني موحد رغم خلافات السلطتين، وهو ما تجلّى بأبهى مظاهره في بدء اشتعال الانتفاضة المبشرة في الضفة، والحراكات العارمة في فلسطين ال48.
هذه الحرب فاجأت العدو وجيشه بالأداء العسكري الذي صدمه، فالمقاومة الفلسطينية بكافة فصائلها تعلمت الدرس بكل جوانبه من مقاومة حزب الله في معركة 2006 المجيدة، والتي تصادفت ذكراها الثامنة مع تفجّر صواريخ المقاومة الفلسطينية في سماء كل مدن العدو ومستعمراته.
العدو يحتل الأرض الفلسطينية، وينهب المزيد يوميا، ويحول حياة فلسطينيي الضفة إلى جحيم، ويهوّد القدس..وهذا ما يجب أن يبقى نصب عيون الفلسطينيين جميعا.
حتى تستقيم الأمور: لا بد أن تمتد المعركة من غزة إلى الضفة الفلسطينية، فالضفة هي التي تستطيع كسر الحصار على القطاع، ووحدة الفلسطينيين أهدافا وأداء هي الكفيلة بانتصارهم في المعركة، وهم لن يكونوا وحدهم، فشعبهم في عمق فلسطين يدافع عن عروبة مدنه، وقراه، وأرضه، ويخوض معركة البقاء والهوية منذ أعلن العدو كيانه في العام 1948..وملايين البشر في العالم يتظاهرون منحازين لهم، وصمت شعوبنا العربية الشقيقة لن يستمر، فعروبتها لم تمت، وقدسية فلسطين وعروبتها لم تضمر في ثقافتها، رغم انشغالاتها بهمومها المحليّة المنهكة.
الحرب على قطاع غزة تأتي في سياق الحرب على الشعب العربي الفلسطيني كله، وعلى قضيته برمتها، ولذا لا بد لنا من أن نخوضها انطلاقا من أن حربنا لن تنتهي إلا بالنصر المؤزّر: تحرير فلسطين من نهرها لبحرها، وهو الهدف الكبير الذي سيتحقق بنهوض الأمة ممثلة بقواها الحيّة المؤمنة بعروبة فلسطين، والتي لن يطول انشغالها بأوضاعها الداخلية التي فرضها عليها أعداء الأمة، وحلفهم المتمثل بأمريكا والكيان الصهيوني والرجعيات العربية، وبدور تركي غادر.
لم تنته الحرب بعد!!
بقلم : رشاد أبو شاور ... 27.08.2014