اعتدت في بيروت، أن يكون أول ما أبتدىء نهاري به، تناول جريدة السفير، ثم التوجه إلى المكتب، ومع فنجان القهوة البدء بالمرور على العناوين، وقراءة المقالات التي تهمني، وتأمل كاريكاتور ناجي العلي..الذي يُضحك ويُحزن!
السفير ولدت وهي تحمل صوت الذين لا صوت لهم...
امتلأت صفحاتها بصوتنا نحن الذين لم يكن صوتهم يصل بعيدا، وأخذ يقرع جدران الخزان، مبددا الصمت، ومعلنا الانتماء لفلسطين، والمقاومة، والعروبة، وكرامة الإنسان..وأن هذا الصوت يرتفع من بيروت الجميلة الجارحة، التي برهنت على شجاعتها في وجه العدوان والاحتلال، وتحررت بتضحيات وبطولات نسائها ورجالها، شيبها وشبابها، ممن تجاوزا الواقع الطائفي..وكانت السفير ترافق كل هؤلاء وهم يقاومون..من ينسى دورها البارز أثناء معركة بيروت 82؟!
على صفحات السفير التقت أقلام _ كنا ما زلنا في زمن الكتابة بالأقلام، قبل زمن الكمبيوتر والنت_ من كل أرجاء الوطن العربي، لتتحاور ديمقراطيا...
بسرعة علا حضور السفير، وانتشرت في بلاد العرب، وباتت مؤثرة، لأنها حرّة، وتنقل صوت الذين لا منبر يحمل صوتهم، ويمضي به بعيدا ...
نجحت السفير، واستقرت، ودامت، وهي بلا دعم من جهات تضخ المال في شرايينها...
تفوقت على صحف النفط، لأنها الذين لا صوت لهم،
المثقفون التقدميون باتت منبرهم، وموئلهم، وبيئتهم...
الساسة من كل المشارب ما عادوا يستغنون عنها، الذين معها، والذين ضدها، لأنها تطلعهم على ما يجهلون...
المقاومون، من كل الفصائل، والأحزاب، سعوا لنيل مكان مهما صغر على صفحاتها، ليمنحهم تزكية أمام القارىء العربي...
لا أخفي أنني صدمت عندما علمت بأن السفير ستتوقف عن الصدور، وتساءلت محزونا: أهكذا؟!
إنه النفط، وهذا زمنه، وهذا إفساده .
إعلام مشترى..ومع ذلك صمدت السفير، وواصلت رسالتها،
ولكنه التجفيف، وقطع التواصل بين السفير وقرّائها...
سأطمئن نفسي، لأنني لن أعترف أبدا بالهزيمة: السفير لا بد ستصدر ألكترونيا، بانتظار الزمن الذي سيهزم فيه مال النفط، وصحفه المكوّمة على الأرصفة بلا قرّاء، وفضائياته المبتذلة المُفسدة للذوق والعقل العربي...
في زمن تصنيف حزب الله حزبا إرهابيا، والتخلّي علنا عن فلسطين، ومعانقة قادة الكيان الصهيوني، والمباهاة بالعلاقة معهم، وإغراق سورية في الموت والخراب...
في زمن نفث الحقد الطائفي..لا عجب أن تتوقف السفير عن الصدور!
ومع ذلك فإنني أتوجه للصديق الكبير طلال سلمان بالسؤال: ألا يمكن أن تواصل السفير الصدور ألكترونيا؟ لا تحرمنا أيها الصديق من صباحاتنا اليومية مع السفير، نحن الذين حرمنا منها ورقيا بسبب حجبها عنّا...
ها هي الإندبندت تحتجب ورقيا، ولكنها تواصل الكترونيا..فلتواصل السفير..صوتنا.
* كتبت هذه الكلمة للمشاركة في العدد ( الأخير) للسفير..ولكن ، يبدو، بأن السفير ستواصل الصدور، وهذا ما آمله مع كثيرين يحترمونها.
كلمتي ليست مرثية..فالسفير لن تغيب!!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 02.04.2016